إشارات مقلقة من عروض الحبوب لمصر

القاهرة تحاول التعامل مع مسألة الحبوب بجدية كبيرة في تزايد حدة الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات.
الأربعاء 2023/08/09
مصر تعد أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم

القاهرة- ما زالت الحكومة المصرية تواجه تحديات كبيرة في استيراد القمح بسبب ما يحيط به من مشكلات ذات علاقة بتداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وشح العملات الأجنبية الذي تعاني منه القاهرة ويؤثر على مناحي عديدة في الاقتصاد المصري.

والثلاثاء عبّر متعاملون عن اعتقادهم في أن ممارسة دولية أعلنتها الهيئة العامة للسلع التموينية في مصر لشراء القمح شهدت مشاركة ضعيفة بشكل غير معتاد.

وأشارت تقييمات أولية إلى أنه من المتوقع أن تتقدم أربع شركات فقط بعروض للأسعار، والسبب الرئيسي في ذلك هو شروط الدفع المؤجل التي عرضتها الهيئة، بينما تطالب الكثير من الشركات الموردة بالدفع الفوري.

وقال بعض المتعاملين في مجال الحبوب إن التخوف من إمكانية الشحن البحري من روسيا له دور أيضا في ذلك بعد الهجوم الأوكراني على ناقلة روسية مؤخرا.

مجدي الوليلي: هيئة السلع التموينية تنتهج سياسة مرنة  في عروضها
مجدي الوليلي: هيئة السلع التموينية تنتهج سياسة مرنة  في عروضها

وبلغ أقل سعر معروض في ممارسة حكومية مصرية الثلاثاء، لشراء القمح بنظام تسليم ظهر السفينة، 262 دولارا للطن من القمح الروسي، وقدمت شركة جرين فلاور عدة عروض عند هذه النقطة السعرية.

وقال مجدي الوليلي عضو مجلس النواب، وعضو شعبة الحبوب في اتحاد الصناعات المصرية، إن “هيئة السلع التموينية تنتهج سياسة مرنة في عروضها لشراء القمح، بما يتماشى مع ظروف البلاد الاقتصادية”.

وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب” أن “قبول الاشتراطات التي تفرضها الشركات الأجنبية يتحدد وفقا لاحتياجات الدولة، ومع توافر المخزون الإستراتيجي للقمح لنحو ستة أشهر تصبح مصر غير مجبرة على سداد ثمن القمح بآلية الدفع الفوري”.

ودفعت الهيئة العامة للسلع التموينية للتجار الروس نحو 264 دولارا لطن القمح، تشمل سعر الشحن، واشترت الهيئة نحو 300 ألف طن من القمح الروسي، فضلا عن 60 ألف طن من القمح الروماني في مناقصة دولية الأسبوع الماضي.

وأوضح الوليلي أن هيئة السلع التموينية لا تقوم بتقديم العروض خلال الوقت الحالي تحت الضغوط الاقتصادية، كما أن محصول القمح الجديد المحلي موعده في مارس المقبل، وهو وقت مناسب يسمح بطرح أكثر من ممارسة دون تعرض السلطات المصرية للضغوط.

وقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة الروسية – الأفريقية في سان بطرسبرغ قبل أيام تطمينات كبيرة بشأن توفير كميات من القمح لدول في أفريقيا، وهو ما لاقى ترحيبا من زعماء كثيرين شاركوا في هذه القمة.

وتمكنت القاهرة عقب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا من تنويع مصادرها الخارجية من القمح، وشجعت على زرْعه محليا وقدمت إلى المزارعين المصريين أسعارا تفضيلية لحثهم على عدم التهاون، علاوة على التوسع في زراعة مساحات جديدة من الأراضي التي تستصلحها الدولة المصرية.

وأكد عبدالغفار السلاموني، نائب رئيس شعبة الحبوب في اتحاد الصناعات بمصر، وجود خيارات مختلفة أمام الحكومة لاستيراد القمح، وهو ما يحد من مواجهة التوترات عند تقديم العروض والممارسات، إذ يمكن الاستيراد من الأرجنتين ورومانيا وأستراليا والولايات المتحدة مع الاستفادة بالسداد الآجل، حال توقف الاستيراد من روسيا، وهي مسألة صعبة بحكم ما يربط القاهرة وموسكو من علاقات وطيدة.

وانسحبت روسيا الشهر الماضي من اتفاقية تصدير الحبوب مع أوكرانيا؛ حيث مكنت الاتفاقية، التي توسطت فيها الأمم المتحدة وتركيا في يوليو 2022، دولة أوكرانيا من استئناف تصدير الحبوب والسلع الغذائية الأخرى عبر موانئها المطلة على البحر الأسود بعد أن ساعد الحصار الذي فرضته روسيا على تأجيج أزمة الغذاء العالمية.

عبدالغفار السلاموني: لا يوجد مبرر  للدفع الفوري حتى  لو توفرت السيولة
عبدالغفار السلاموني: لا يوجد مبرر  للدفع الفوري حتى  لو توفرت السيولة

وقد تمنع عودة هذا الحصار مجددا أوكرانيا من شحن الحبوب إلى الدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا، ومن بينها مصر، لكن موسكو يمكن أن تجد وسائل أخرى للوفاء بتعهداتها للدول الصديقة.

وأشار السلاموني في تصريح لـ”العرب” إلى عدم وجود مشكلات حقيقية في استيراد القمح الروسي، مؤكدا أن القاهرة لديها حبوبها المحلية الخاصة التي تتعدى 3 ملايين طن وتعزز المخزون الإستراتيجي للدولة، ولذلك “لا يوجد مبرر للدفع الفوري على الإطلاق حتى لو أتيحت السيولة الدولارية”.

وتعد مصر أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم، ويتم منحها مهلة للسداد تصل إلى نحو 180 يوما، وهو نظام متبع منذ أكثر من عشر سنوات.

وصعدت احتياطيات البنك المركزي المصري إلى 34.88 مليار دولار في نهاية يوليو الماضي، متجاهلة تذبذب وفرة السيولة الأجنبية في الأسواق المحلية، ما يمكّن الحكومة من الدفع الفوري عند الضرورة القصوى.

ورغم الارتفاع الطفيف في احتياطيات مصر الأجنبية مازالت البلاد تواجه تذبذبا في وفرة النقد الأجنبي، ما يدفعها أحيانا إلى تأخير سداد ثمن القمح.

وفقدت مصر أكثر من 9 مليارات دولار من احتياطيات النقد الأجنبي، في أول أشهر الحرب الروسية – الأوكرانية عقب تخارج استثمارات من أدوات الدين المحلية، وارتفاع كلفة الواردات، وهو ما يعرف بـ”الأموال الساخنة”.

وتجاوز إجمالي المبالغ التي غادرت البلاد من الاحتياطيات وغيرها من السيولة الأجنبية في الأسواق 23 مليار دولار في الشهرين الأوّليْن من الحرب الأوكرانية.

وبدأت السلطات المصرية العام الجاري تنفيذ خطة لبيع أصول ومؤسسات حكومية للقطاع الخاص، ضمن محاولات توفير السيولة الأجنبية للبلاد.

وتحاول القاهرة التعامل مع مسألة الحبوب، وفي مقدمتها القمح، بجدية كبيرة، لأنها تمس الأمن القومي، ولا تحتمل الدولة منغصات في هذا الجانب، مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات.

1