إشارات متناقضة من محادثات باريس بشأن موقف إسرائيل من التهدئة

لا شيء يوحي بالوضوح سوى أن إسرائيل تستمر في هجماتها بلا توقف وأن المدنيين يستمرون في معاناة متعددة الوجوه من قصف وندرة في المواد وجوع، فيما تتحدث الأنباء عن مفاوضات هنا وهناك من أجل هدنة تتحكم فيها الشروط والشروط المضادة.
غزة (الأراضي الفلسطينية) - جاءت التسريبات من محادثات باريس بشأن الوضع في غزة بإشارات إسرائيلية متناقضة، فهناك ما يفيد أن تل أبيب تعتقد أن ثمة تطورا إيجابيا، وأخرى تقول إن إسرائيل لن توافق على وقف الحرب، وهو ما يعني وضع العراقيل أمام استمرار المفاوضات. وتتزامن هذه المفاوضات مع تعقيدات في الوضع الميداني، حيث قُتل العشرات في قصف وغارات ليلية إسرائيلية في قطاع غزة وفق وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
وقالت وسائل إعلام عبرية، السبت، إن وفد التفاوض الإسرائيلي عاد من باريس وتحدث عن “مفاوضات جيدة وأجواء إيجابية”. وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” بأن “الوفد الإسرائيلي المشارك في محادثات التوصل إلى اتفاق جديد لإطلاق سراح المختطفين، والتي جرت في باريس، عاد إلى إسرائيل في وقت مبكر من الصباح”.
ونقلت عن مسؤولين مطلعين أن المفاوضات كانت "جيدة، بل واستمرت لفترة أطول من المخطط لها". وأضافوا "لا يزال هناك طريق يجب قطعه". وكشف مصدران مطلعان السبت عن توافق ممثلي الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر وقطر خلال اجتماعهم في العاصمة الفرنسية، باريس، على إطار جديد ومحدث لصفقة بشأن إطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
وذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية في موقعها الإلكتروني أن الوفد الإسرائيلي، الذي ضم رئيس الموساد دافيد بارنيا ورئيس الشاباك رونين بار وممثلين عن الجيش الإسرائيلي الميجور جنرال نيتسان ألون والميجور جنرال أورين سيتر، عاد إلى إسرائيل في وقت مبكر من صباح السبت.
وذكر المصدران أن هناك تقدماً في المفاوضات إلى حد ربما يسمح بالانتقال إلى مفاوضات حول تفاصيل الاتفاق، مثل عدد وهوية الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم في إطار صفقة. ومن المتوقع الآن أن يتلقى مجلس الحرب الإسرائيلي تحديثًا من فريق التفاوض ويقرر الخطوات الإضافية، وهو ما قد يحدث الليلة، بحسب الصحيفة. وشدد مصدر مطلع آخر على أن التقدم نحو مفاوضات أكثر تفصيلا يعتمد على قدرة الوسطاء على إقناع حماس بالموافقة على الإطار الجديد الذي تم تحديده في اجتماع باريس.
◙ "يديعوت أحرونوت" نقلت عن مسؤولين مطلعين أن المفاوضات كانت جيدة، بل واستمرت لفترة أطول من المخطط لها
يشار إلى أن مصر وقطر بدعم أميركي تتوسط في مفاوضات بين حركة حماس وإسرائيل للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق سراح رهائن لدى الحركة وسجناء فلسطينيين لدى إسرائيل ووقف لإطلاق النار وإدخال مساعدات إنسانية لقطاع غزة الذي يعاني بشدة جراء نقص المواد الغذائية والأدوية والمياه والكهرباء.
ومساء الخميس، طرح بنيامين نتنياهو على مجلس الوزراء الأمني المصغر لحكومته خطة تنص بشكل خاص على الحفاظ على “السيطرة الأمنية” الإسرائيلية على القطاع بعد انتهاء الحرب على أن يتولى إدارة شؤونه مسؤولون فلسطينيون لا علاقة لهم بحماس.
ونصت الخطة على أنه حتى بعد الحرب، سيكون للجيش الإسرائيلي “مطلق الحرية” للدخول إلى أيّ جزء من غزة لمنع أي نشاط معادٍ لإسرائيل، وعلى أن تمضي إسرائيل قدماً في خطة، جارية بالفعل، لإنشاء منطقة أمنية عازلة داخل غزة على طول حدود القطاع. وأثارت الخطة انتقادات من الولايات المتحدة حيث قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي الجمعة إن واشنطن “كانت واضحة باستمرار مع نظرائها الإسرائيليين” بشأن ما هو مطلوب في غزة بعد الحرب.
وقال “ينبغي أن يكون للشعب الفلسطيني صوته وأن يعبر عن موقفه.. عبر سلطة فلسطينيّة مستصلحة”. وشدّد على أنّ واشنطن ترفض “تقليص حجم غزة” و”التهجير القسري”. ورفض أسامة حمدان المسؤول الكبير في حماس خطة نتنياهو ووصفها بأنها غير قابلة للتنفيذ. وقال من بيروت “هذه الورقة لن يكون لها أيّ واقع أو أيّ انعكاس عملي لأن واقع غزة وواقع الفلسطينيين يقرره الفلسطينيون أنفسهم”.
وتتزايد الضغوط على حكومة نتنياهو للتفاوض على وقف إطلاق النار وتأمين إطلاق سراح الرهائن بعد أكثر من أربعة أشهر من الحرب. ودعت مجموعة تمثل عائلات الأسرى إلى “مسيرة ضخمة” مساء السبت تتزامن مع محادثات باريس للمطالبة بتسريع التحرك.
اقرأ أيضا:
جياعُ غزّة وصلوا حدّ اليأس
وتشارك الولايات المتحدة ومصر وقطر في جهود الوساطة بهدف التوصل إلى هدنة وتبادل أسرى ورهائن. وأجرى مبعوث البيت الأبيض بريت ماكغورك محادثات هذا الأسبوع مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في تل أبيب بعد أن التقى وسطاء آخرين في القاهرة التقوا برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية المقيم في قطر.
وسبق أن التقى رئيس الموساد نظيريه الأميركي والمصري ورئيس الوزراء القطري في باريس في نهاية يناير. وقال مصدر في حماس إن الخطة تنص على وقف القتال ستة أسابيع وإطلاق سراح ما بين 200 إلى 300 أسير فلسطيني مقابل 35 إلى 40 رهينة تحتجزهم حماس. وفي جنيف، أدانت المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في تقرير الجمعة “الانتهاكات الجسيمة” لحقوق الإنسان في غزة “من قبل كافة الأطراف” منذ بداية الحرب.
كما يأتي في وقت تتزايد فيه المخاوف على مصير المدنيين في القطاع، مع تحذير الأمم المتحدة من تزايد خطر المجاعة، وفيما لفتت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) السبت إلى أن سكان غزة “في خطر شديد بينما العالم يتفرج”. وقالت حماس صباح السبت إن القوات الإسرائيلية شنت أكثر من 70 غارة على منازل المدنيين في دير البلح وخان يونس ورفح من بين مواقع أخرى خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، أسفرت عن مقتل 92 شخصا على الأقل.
وقالت الحركة الإسلامية التي تسيطر على غزة منذ عام 2007 إن القتال يدور في منطقة الزيتون في الشمال. وأظهرت لقطات فيديو فلسطينيين منهكين يصطفون الجمعة للحصول على الطعام في شمال القطاع المدمر وهم ينددون بظروفهم المعيشية. وفي بيان نشره ليلة الجمعة على منصة إكس قال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) “دون إمدادات كافية من الغذاء والمياه، فضلا عن خدمات الصحة والتغذية، من المتوقع أن يزداد خطر المجاعة في غزة”.
وأعلنت وزارة الصحة أن غارة جوية إسرائيلية دمرت الجمعة منزل الفنان الكوميدي الفلسطيني الشهير محمود زعيتر، ما أدى إلى مقتل 23 شخصا على الأقل وإصابة العشرات. وفي غضون أربعة أشهر ونصف الشهر، أدت الحرب إلى نزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين ودفعت حوالي 2.2 مليون شخص، هم الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة، إلى حافة المجاعة، وفقا للأمم المتحدة.
وكتبت وكالة الأونروا على منصة إكس، “لم يعد بإمكاننا أن نغض الطرف عن هذه المأساة الإنسانية”. ويتزايد القلق يوماً بعد يوم في رفح حيث يتكدس ما لا يقل عن 1.4 مليون شخص، فر معظمهم من القتال، في حين يلوح شبح عملية برية واسعة النطاق يعد لها الجيش الإسرائيلي. وما زالت المساعدات الشحيحة التي تحتاج لموافقة إسرائيل للدخول إلى القطاع غير كافية وإيصالها إلى الشمال صعب بسبب الدمار واستمرار القتال.