إشارات سعودية بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية

وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يؤكد أن استدعاء دمشق لحضور القمة العربية التي ستستضيفها الرياض العام المقبل خطوة لم تناقش بعد.
الأربعاء 2023/03/08
وزير الخارجية السعودي يؤكد على ضرورة الحوار مع دمشق لمعالجة الوضع الإنساني

لندن – أطلقت السعودية إشارات بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد أكثر من 12 عاما من تعليق عضويتها، وهو ما يعني أن دمشق أمام طريق مفتوح للعودة إلى الحضن العربي، لكن ذلك يبقى رهن مدى تجاوب النظام مع مطالب الدول العربية سواء بالنسبة إلى علاقته بإيران، أو بالنسبة إلى ترتيب تسوية للأزمة الداخلية.

وقال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود وزير الخارجية السعودي مساء الثلاثاء أن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات بعد عزلة تجاوزت عشر سنوات، لكن من السابق لأوانه في الوقت الحالي مناقشة مثل هذه الخطوة.

ويؤشر هذا التطور على أن الرئيس بشار الأسد حقق مكاسب سياسية هامة في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في السادس من فبراير، والذي أودى بحياة آلاف السوريين، فيما يبدو أن دمشق باتت في طريق مفتوح لتقليص المسافة بينها وبين دول كانت مترددة في اتخاذ قرار إنهاء القطيعة.

وتمثل تصريحات الأمير فيصل بن فرحان التي أدلى بها للصحافيين في لندن تغيرا في السياسة التي تم تبنيها في السنوات الأولى للحرب الأهلية السورية المستمرة منذ ما يقرب من 12 عاما عندما دعمت دول عربية من بينها السعودية جماعات من المعارضة المسلحة قاتلت ضد الرئيس بشار الأسد.

وجدد الوزير السعودي التأكيد على أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك.

وقال الأمير فيصل بن فرحان إن "الحوار من أجل معالجة هذه المخاوف ضروري. وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وما إلى ذلك. لكن في الوقت الحالي أعتقد أن من السابق لأوانه مناقشة هذا الأمر".

وشكّل الجسر الجوي السعودي بالمساعدات الإنسانية نقطة الثقل في المراهنات على إمكان إحداث نقلة في العلاقات، من المستوى الإنساني، ومن اتصالات على المستوى الأمني والاستخباراتي بين الدولتين، قبل الزلزال، إلى المستوى السياسي.

ويقول المراقبون إن الظروف الإنسانية العصيبة، حتى وإن وفرت الحافز لإنهاء المقاطعة، إلا أن الحاجة إلى إيجاد مقاربة أخرى للأزمة في سوريا كانت هي الدافع الرئيسي وراء إنهاء عزلة دمشق عن العالم العربي، لاسيما وأن إيران استغلت الفراغ لتفرض المزيد من النفوذ في البلاد.

وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا في 2011 وسحب العديد من الدول العربية مبعوثيها من دمشق.

وتعتبر السعودية من أوائل المبادرين بإغلاق السفارة السورية وطرد السفير من الرياض، عقب قرار الجامعة العربية في العام 2012، ورعت مؤتمرات عدة للمعارضة السورية السياسية، وأعلنت مرارا رفضها بقاء الأسد في السلطة وإحياء العلاقات معه.

بالرغم من توقف الجهود الدبلوماسية لإعادة العلاقات، بيد أن هناك توجها سعوديا واضحا لتخفيف الانتقاد لدمشق، في ظل قناعة متزايدة بأن استمرار الأسد أمر واقع، فضلا عن كون المعارضة الحالية أثبتت فشلها في إدارة الصراع بسبب انحرافها عن أهدافها وتحولها إلى أداة بأيدي بعض القوى.

استضافت الجزائر أول قمة عربية منذ ما قبل جائحة كوفيد-19 في نوفمبر، غير أن دمشق لم تشارك بعد أن فشلت الدولة المضيفة في إقناع الدول العربية الأخرى بإنهاء تعليق عضوية سوريا.

وستستضيف السعودية القمة العربية هذا العام. وردا على سؤال عما إذا كانت سوريا ستُدعى لحضور القمة، قال الأمير فيصل "أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن ذلك".

وأضاف "لكن يمكنني القول... إن هناك توافقا في الآراء في العالم العربي، وإن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر. وهذا يعني أنه يتعين علينا إيجاد سبيل لتجاوزه".

ويعكس الموقف السعودي اهتماما بوضع خطة جديدة للتعاطي العربي مع الوضع السوري، ويركز على معضلة اللاجئين السوريين جراء الحرب السورية الطويلة، وهي سياسية بقدر ما هي إنسانية، زادها الزلزال تفاقماً.

ويعتقد مراقبون لسائر خطوات الانفتاح العربي على دمشق أن إعادة اللاجئين تحتاج كي تكون فعالة، إلى خطوات سياسية من النظام من أجل حماية هذه العودة.

أمام هذه العودة عقبات كثيرة في ظل التعقيدات الإقليمية الصعبة، والتي من مظاهرها تصاعد التغلغل الإيراني في أنحاء سوريا، كورقة في يد طهران، بحيث يصعب على النظام في دمشق أن يقبل على تنازلات من دون الأخذ في الاعتبار موقف طهران التي ترهن كل أوراقها لصراعها مع الغرب كما أن دمشق ترهن أي تنازلات أو صفقات بموقف الغرب منها.

في المقابل هناك دول عربية رعت رموزا في المعارضة السورية لسنوات يصعب عليها التخلي عنها من دون ثمن للفريق السوري المعارض، بعد سنوات من الاحتضان، في وقت ينقل العارفون بموقف النظام السوري أنه يشعر بـ"الاستفزاز" حين يحدثه أي فريق عن خطوات لتطبيق القرار الدولي رقم 2254 الذي ينص على قيام حكم انتقالي، ويكتفي بالدعوة إلى تقديم المساعدات الإنسانية عبر مناطق النظام من دون غيرها.

ويتوقع الذين يرصدون مدى الانفتاح العربي على سوريا أن تشهد المرحلة الراهنة كثيرا من الاتصالات والحوارات على قاعدة عدم طرح شرط الانسحاب الإيراني من سوريا، من أجل التطبيع، في انتظار انعقاد القمة العربية التي تستضيفها الرياض. فهل سيشهد انعقادها نقلة نحو إعادة لم الشمل العربي لمناسبة تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا؟ أم تستمر الصعوبات والموانع إزاء ذلك؟

في الانتظار، تحث موسكو الدول العربية على إعادة وصل ما انقطع مع سوريا، بحجة أن غيابها عنها سمح لطهران بأن تملأ الفراغ.