إشارات تراجع قطرية - تركية بعد إدراك خطورة اجتياح حلب

الدوحة – حملت تصريحات تركية وقطرية رسائل تهدئة عكست إشارات تراجع مرتبطة بإدراك خطورة اجتياح حلب، خاصة بعد ردود الفعل الغاضبة التي أبداها أكثر من طرف إقليمي ودولي، بالإضافة إلى عدم ترحيب الإسرائيليين بالعملية التي كانت قطر تراهن على أنها ستستعيد ثقتهم بها وتخفف غضبهم تجاهها بسبب دعم حركة حماس.
لكن المفارقة أن قطر، التي تحث على الحل السياسي، سمحت على شاشة أحد مواقعها بإذاعة تصريح أدلى به مسؤول إيراني يقول فيه إن بلاده على استعداد لإرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق ذلك. وتحاول قطر، التي تربطها بالمجموعات المتطرفة شمال سوريا علاقات وطيدة، النأي بنفسها عما يحدث لكن ذلك لا يبعد أصابع الاتهام الموجهة إليها وإلى تركيا منذ بداية الهجوم.
وتركت قطر الأمر بيد الناطق الرسمي باسم الخارجية ماجد الأنصاري للإشارة إلى أن الأمر ليس “بذاك القدر من الأهمية،” في حين أن المراهنة القطرية أساسية وتتجاوز عشرة أعوام ومليارات الدولارات، ومن باب المصادفة أن تزامن الأمر مع استهلال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وفريق الحكم زيارة دولة إلى بريطانيا، فكان افتعال الهامشية ضروريا كي لا ينفجر الوضع خلال تواجد الشيخ تميم في لندن.
قطر تركت الحديث عن التطورات السورية بيد الناطق باسم الخارجية للإشارة إلى أن الأمر ليس {بذاك القدر من الأهمية}
وخلال اتصال الشيخ تميم بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الاثنين تفادى الإشارة إلى ما يجري في سوريا واكتفى بكلام عام، ما يظهر الرغبة في تهميش الملف على مستوى أعلى في قطر والإيحاء بأن الدوحة في منأى عما يجري هناك.
وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن الأمير تميم بحث خلال اتصال هاتفي تلقاه من بزشكيان “العلاقات الثنائية بين البلدين،” و”المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.”
وقال الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري في مؤتمر صحفي “نشدد على أنّ الحل العسكري لن يؤدي إلى نتيجة مستدامة،” وأنّ “الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء معاناة الشعب السوري.” وأضاف “نعمل مع شركائنا الدوليين على ضرورة الوصول إلى حل سياسي يرتقي إلى تطلعات الشعب السوري ويعبر عن تضحياته خلال السنوات الماضية.”
وفي مسعى للإنكار والتهرب من ربط قطر بالتصعيد وتجنب إعطاء أي تفصيل أوضح الأنصاري أنه لا يستطيع أن يؤكد انعقاد محادثات بين أطراف أجنبية معنية بالنزاع في سوريا خلال منتدى الدوحة السبت والأحد. وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أعلن الاثنين أن مندوبين من روسيا وإيران وتركيا سيجتمعون على هامش منتدى الدوحة لمحاولة “إعادة تفعيل مسار أستانة.”
لكن مراقبين يقولون إنه سواء اعترفت الدوحة بدور مباشر في التصعيد أو استمرت في اعتماد الغموض، يتم التعامل معها على أنها شريك مباشر، وخاصة من جانب إيران. وعقد اجتماع آلية أستانة في الدوحة هو اعتراف بأنها شريك مباشر في الملف السوري مع تركيا وإيران وروسيا.
وتتعامل إيران مع الدور القطري في التصعيد كأمر واقع، وهو ما يفسر نقل موقع “العربي الجديد” القطري عن عراقجي قوله إن طهران ستدرس إرسال قوات إلى سوريا إذا طلبت دمشق ذلك، والرسالة ليست إلى المسلحين بقدر ما هي موجهة إلى داعميهم وأولهم الدوحة، ومفادها أن طهران لن تتخلى عن نفوذها في سوريا وهي مستعدة للتدخل المباشر من أجل الدفاع عنه.
بدورها تسعى تركيا، التي يرجح المراقبون أنها من أعطى إشارة انطلاق هجوم المعارضة، إلى التهدئة خاصة مع الحزم الذي أبدته روسيا في الوقوف ضد الهجوم، وهو أمر لا يبدو أن أنقرة كانت تتوقعه.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء خلال محادثة هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، إنه يرغب في نهاية “سريعة” للهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام وفصائل متحالفة معها في سوريا.
وقال الكرملين في بيان “شدد فلاديمير بوتين على ضرورة إنهاء العدوان الإرهابي لجماعات متطرفة على الدولة السورية بسرعة، وتقديم الدعم الكامل لجهود السلطات الشرعية لاستعادة الاستقرار والنظام الدستوري.”
من جانبه قال أردوغان إن تركيا تدعم وحدة الأراضي السورية وتسعى إلى حل عادل ودائم في سوريا، مشيرا إلى ضرورة انخراط النظام السوري في الحل السياسي.
وفي اتصال بينه وبين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قال أردوغان إن “الأولوية بالنسبة إلى تركيا هي الحفاظ على السلام على حدودها،” كما جدّد التأكيد على “أهمية الحفاظ على وحدة واستقرار وسلامة أراضي سوريا.” وأضاف بيان صادر عن الرئاسة التركية أن أردوغان دعا “النظام السوري إلى الانخراط في عملية سياسية حقيقية لمنع تزايد احتداد الوضع.”
كذلك، حذر الرئيس التركي من أنّه “اتخذ وسيتخذ تدابير لمنع منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية و(المجموعات) المرتبطة بها من الاستفادة من التطورات” في شمال سوريا، الذي يضم الكثير من المقاتلين الأكراد.
من جهته، أبلغ السوداني أردوغان بأنّ العراق “لن يقف متفرّجا على التداعيات الخطيرة” لما يحصل في سوريا، حسب ما أفاد به بيان صادر عن مكتبه.
وأشار إلى أن العراق “سبق أن تضرّر من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يسمح بتكرار ذلك.” وشدد على “أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها.”