إسلاميو السودان يصعدون ضد حمدوك

الخرطوم – تظاهر المئات من السودانيين الموالين لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، الخميس، تحت شعار الحراك الشعبي الموحد (حشد) في محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم، للمرة الثانية منذ سقوط البشير، احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية، وطالبوا برحيل حكومة عبدالله حمدوك، بذريعة فشلها في مواجهة الأزمات.
وصرحت مصادر سوادنية لـ”العرب”، أن تدهور الأوضاع حق يراد به باطل، حيث يسعى منظمو التظاهرات إلى استقطاب الشرائح الغاضبة من تردي الأحوال المعيشية، والتشويش على خطوات لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال التي نشطت بقوة، وعازمة على أداء دورها.
واتخذت اللجنة خطوات نوعية الأيام الماضية حيال عدد من كبار رموز نظام البشير ومنظمات مهمة كانت تابعة له، بصورة أوحت بأنها مصممة على إتمام مهمتها في هذا الملف، حيث يمثل المضيّ قدما فيه إزعاجا لفلول النظام السابق الذين يراهنون على تعطيله بالتظاهرات ووسائل أخرى لمنع اقتلاعهم من مؤسسات حيوية في الدولة.
ووضعت قوات الجيش حواجز وأسلاك شائكة وأغلقت الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العامة كي تحول دون وصول المتظاهرين إليه، وتمت مطاردتهم في الشوارع المحيطة لمنع زيادة أعدادهم وتنفيذ اعتصام جديد، قد يمثل مأزقا للسلطة الانتقالية في وقت تتزايد حولها المشكلات الاقتصادية مع تصديها لمنع انتشار فايروس كورونا في البلاد.
وتعاملت قوات الأمن السودانية مع التظاهرات بالهراوات والغاز المسيل للدموع لتفريقها.
وتواجه لجنة إزالة التمكين تحديات في الوصول إلى المراكز الخفية والحقيقية للفساد، لتشعب الأدوات التي لجأ إليها أنصار البشير لتعطيل عملية الملاحقة، وعدم تجريدهم من ثرواتهم التي تراكمت على مدار ثلاثة عقود، والتي تعد إحدى أهم أدوات مقاومتهم للسلطة الراهنة.
ولجأ هؤلاء إلى التظاهرات لزيادة إرباك حكومة حمدوك، في وقت تسعى فيه أجهزتها لضبط حركة الشارع مع دخول قرار الحظر العام حيز التنفيذ غدا السبت، بسبب الأجواء التي فرضها انتشار كورونا، وما يستلزمه من خطوات احترازية لتطبيق التباعد الاجتماعي.
وتلقى عدد من أعضاء لجنة إزالة التمكين تهديدات بالقتل عقب حل منظمة الدعوة الإسلامية قبل أيام، وهي واحدة من الأذرع التي استخدمها النظام السابق للتمدد داخليا وخارجيا، وكشف الاقتراب منها بعد فترة من التردد عزم الحكومة على تجفيف المنابع الرئيسية لدولة البشير.
وطالب الناشط والمحلل السياسي السوداني، عصام دكين، بالتعاطي بجدية مع تظاهرات أنصار البشير مع وجود غضب في الشارع لا يمكن التهاون معه، وربما يستثمر حزب المؤتمر الوطني (المنحل) هذه المسألة لنسج تحالفات سياسية مع العديد من القوى غير المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير، والتي لدى بعضها اعتراضات على طريقة إدارة الحكومة للفترة الانتقالية.
وأشار دكين إلى أن الأوضاع المعيشية الضاغطة في البلاد يمكن أن تقود إلى المزيد من التظاهرات في الأيام المقبلة، وأنه بالفعل جرى الإعلان عن تنظيم مسيرات أخرى يومي الجمعة والسبت، إلى جانب أن حالة السيولة التي يعاني منها السودان تدفع إلى إعادة ترتيب الأوراق، وهو أمر تحاول عناصر نظام البشير استغلاله لصالحها.
ويحذر العديد من زيادة الأعداد المشاركة في التظاهرات، لأن من استفادوا من نظام البشير كثر، كما أن اتساع حجم الشرارات في الشارع ربما يؤدي إلى تشجيع المستائين من أداء الحكومة الانتقالية على التجاوب، بحجة المطالبة بإصلاح الأوضاع الاقتصادية.
وأعربت حكومة حمدوك عن ضيقها من عدم تلقي مساعدات خارجية كبيرة تخفف عنها وطأة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة، وتجعلها قادرة على الصمود ومواجهة التحديات.
وحذرت دوائر سودانية من خطورة زيادة الضغوط على رئيس الحكومة، فقد تضطره إلى الاستقالة، إذا لم يجد تعاونا كافيا من المواطنين وقوى الحرية والتغيير ومجلس السيادة. لكن الباحث السوداني، شوقي عبدالعظيم، قال لـ”العرب”، إن التظاهرات لا تتمتع بحاضنة سياسية أو اجتماعية، وأثرها على مجمل الأوضاع سوف يبقى محدودا، ولا تستهدف إعادة نظام البشير إلى السلطة من جديد، بل تبحث عن دور في معادلة الحكم القائمة، أو على الأقل تخفيف حدة الإجراءات التي اتخذت ضد الحركة الإسلامية وأتباعها، والتي أصابت أهدافها بغلق بعض منابع التمويل الذي تتلقاه.
وأضاف أن عناصر النظام السابق يدركون جيدا استحالة دعمهم من جموع الشعب السوداني، وهذه التظاهرات من شأنها السعي لإثبات الوجود على الساحة السياسية.
وأصبحت الحكومة مطالبة بالتدخل سريعا لوأد التظاهرات، عقب إعلان لجان المقاومة عن رغبتها في التعامل معها بالقوة، ما يشير إلى إمكانية اندلاع أعمال عنف وفوضى، وبالتالي يواجه المكونان المدني والعسكري في السلطة، وقوى الحرية والتغيير كظهير سياسي مدني، مأزقا جديدا قد يحمل خطرا داهما يستوجب إعادة توحيد الصفوف لمنع انفلات الأوضاع الداخلية.