إسقاط الحصانة عن نواب في مصر محاولة لتحسين صورة البرلمان

القاهرة - عكس قرار مجلس النواب المصري برفع الحصانة عن نائب بتهمة إصدار شيكات بنكية بدون رصيد، وجود توجه لدى دوائر سياسية لتصويب مسار البرلمان ودفعه إلى تطهير نفسه لتجنب الصدام مع الشارع والقيام بدور أكثر فاعلية في الشق الرقابي، ولن يتحقق ذلك قبل تحسين صورته بعد سقطات نواب في الفترة الأخيرة.
وأحال مجلس النواب العضو عن حزب الوفد نشوى رائف إلى لجنة القيم في البرلمان تمهيدا لرفع الحصانة البرلمانية عنها، بعد أن اتخذت جامعة جنوب الوادي في محافظة قنا (جنوب مصر) قرارا ضدها بحرمانها من امتحانات الفرقة الثالثة بكلية الحقوق عقب ضبطها تغش باستخدام سماعة بالأذن واعتدائها بالضرب على مراقبة باللجنة.
وقال رئيس البرلمان المصري حنفي جبالي إن الدستور كفل لأعضاء البرلمان الحصانة فيما يبدونه من آراء تتعلق بأداء أعمالهم في المجلس فقط، وهذه حصانة إجرائية في غير حالات التلبس لضمان عدم الكيد أو الترصد لهم، لكنها لن تكون عقبة تعترض طريق مساءلتهم تأديبيا أو جنائيا حال خروجهم على النظام العام، أو قيامهم بأعمال تؤثر على هيبة السلطة التشريعية أمام الشعب.
وتقرر رفع الحصانة عن النائب مجدي الوليلي، وهو الأمين العام لحزب الشعب الجمهوري بمحافظة الإسكندرية، الذي يترأسه المرشح الرئاسي السابق حازم عمر، وهو من الأحزاب المتناغمة مع السلطة واعتاد الترويج لإنجازاتها والدفاع عن الحكومة.
وتتزامن مساعي البرلمان المصري لتحسين صورته السياسية في الشارع بتطهير نفسه من نوابه الذين يستغلون الحصانة في غير محلها، مع تخلي المجلس تدريجيا عن مهادنته للحكومة واستعادة دوره الرقابي الذي غاب عنه منذ سنوات، ودأب مؤخرا على استدعاء الوزراء لمحاسبتهم، والتصعيد ضد الحكومة.
ويبدو أن جهات عليا فاعلة في ترتيب المشهد السياسي، رأت أنه سيكون من الصعب إقناع الشارع بأن البرلمان استرجع دوره في مواجهة الحكومة ومحاسبة المسؤولين عن الإخفاقات من دون أن يبدأ بنفسه ويمارس سلطته على نوابه الذين احتموا بالحصانة لتحصين أنفسهم من العقوبة بشكل عمّق غضب الشارع من الجهة التشريعية.
ويرغب النظام المصري في أن يكون للبرلمان دور قوي الفترة المقبلة، على مستوى مساءلة وزراء في الحكومة أخفقوا في المهمة، باعتبار أن ذلك لا يغضب الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث يمهد الطريق لشعور الناس بأن الدولة تتغير وثمة دور مهم للبرلمان ما يزيد ثقتهم في وجود جهة رقابية تستطيع تحقيق تطلعات الشارع.
وتعتقد دوائر سياسية أن توجه مجلس النواب نحو إسقاط عضوية أيّا من أعضائه محاولة لتكريس المصداقية على توجهاته ومحو الصورة الذهنية السلبية التي طاردته مؤخرا، بأنه "ديكور سياسي" مهمته مباركة خطوات الحكومة وسياسات الدولة، وهي وضعية لم يعد الشارع يتقبلها وهو يعاني من أوضاع معيشية صعبة. وهذه من المرات النادرة التي يستجيب فيها مجلس النواب المصري لطلب النيابة العامة بإسقاط الحصانة البرلمانية عن أحد الأعضاء، تمهيدا لمثوله أمام التحقيقات في قضية متهم بها.
وتسبب الرفض المتكرر من مجلس النواب لطلبات النيابة رفع الحصانة عن النواب المتهمين في بعض القضايا في أن يظهر البرلمان أمام الشعب كأنه يشجع بعض أعضائه على ارتكاب مخالفات واستغلال نفوذ، ويحميهم من الملاحقة، وهي تهمة طالت دوائر شاركت في اختيار التركيبة الحالية لمجلس النواب من خلال هندسة انتخابات البرلمان.
وبرر أعضاء في البرلمان رفضهم رفع الحصانة عن أعضاء متهمين في وقائع فساد بأن الجهات القضائية لا تتبع الأطر القانونية مع النواب، وتوجد شبهات كيدية في بعض القضايا دون أن يُدرك البرلمان أن رفع الحصانة وجوبي في حالات الفساد الموثقة، والتحجج بكيدية المؤسسات الرقابية يعرقلها عن مواجهة الفساد في البلاد.
ولا يخلو المديح البرلماني والإعلامي لقرار إسقاط الحصانة عن نائب برلماني من ارتباطه بالتنسيق مع دوائر فاعلة، بحيث يُحسب التوجه الجديد لمجلس النواب إلى السلطة وتصوير "الجمهورية الجديدة" أنها ملتزمة بمحاربة الفساد مهما كانت طبيعة المتورطين فيه.
◙ التحرك للتخلص من بعض النواب المتجاوزين محاولة لامتصاص غضب يتصاعد ضد الحكومة عقب اتهامها بالعجز عن إيجاد حلول للمشكلات المتراكمة
وأصدرت بعض الأحزاب والشخصيات السياسية المتناغمة مع الحكومة بيانات أوحت أن قرار البرلمان بإسقاط عضوية نائب برلماني وإحالة نائب آخر إلى لجنة القيم، إنجاز سياسي غير مسبوق، وتضمنت التعليقات أن الدولة تسير في الطريق الصحيح ولا تتستر على أحد وتلتزم بتطبيق القانون، وعلى الشارع أن يفتخر ببرلمانه.
وقال جمال زهران أستاذ العلوم السياسية بجامعة السويس والنائب البرلماني السابق إن التحرك للتخلص من بعض النواب المتجاوزين محاولة لامتصاص غضب يتصاعد ضد الحكومة عقب اتهامها بالعجز عن إيجاد حلول للمشكلات المتراكمة وصمت البرلمان على بعض التجاوزات، وقد فرض الظرف السياسي عليه مزيد من الصرامة، وتأكيد أنه لن يصمت على الفساد، لكن ما يحدث الآن هو أقرب إلى تخدير الرأي العام وتخفيف حدة الاحتقان.
وأشار زهران في تصريحات لـ"العرب" إلى وجود توجه ليقوم مجلس النواب بدور رقابي مع تعاظم المشكلات ولن يقنع الشارع وهو لا يستخدم الأدوات الرقابية ضد أعضائه بشكل حاسم، والحكومة تتحمل فاتورة باهظة مع كل مرة يقف فيها البرلمان حائطا أمام مواجهة مخالفات أعضائه لشعور الناس بالتناغم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
ويبدو تصوير إسقاط الحصانة عن نائب متهم في قضية جنائية على أنه إنجاز سياسي خطيئة في حق البرلمان، لأنه من البديهي أن يقوم بذلك ليرفع عن نفسه اتهامات طالته مع كل مرة يتستر فيها على نواب مطلوبين للعدالة، ما يجعل توقيت رفع الحصانة يحمل دوافع لتحسين الصورة وتثبيت هيبة الدولة. وتظل العبرة في إقناع الشارع بتبدل حال البرلمان إلى الأفضل هي أن يداوم على الانتفاض ضد الظواهر السلبية.