إسرائيل وتركيا تستأنفان العلاقات: انكماش تركي وتوسع إقليمي إسرائيلي

تركيا تسعى من وراء تطبيعها مع إسرائيل إلى تحسين وضعها الاقتصادي والمالي وفي نفس الوقت تواصل سياسة بيع شعارات وهمية للفلسطينيين.
الخميس 2022/08/18
تطبيع المصالح

القدس- أعلنت إسرائيل وتركيا الأربعاء استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما بشكل كامل وعودة السفراء إلى البلدين، لكن أنقرة أكدت على الفور رغبتها في “مواصلة الدفاع” عن الفلسطينيين، في موقف بات مألوفا من الأتراك الذين يريدون تحقيق المصالح من وراء إعادة العلاقة مع تل أبيب، وعدم خسارة “صداقة” الفلسطينيين.

وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أن حكومته ستستأنف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع تركيا بعد سنوات من التوتر بين الدولتين.

وقال في بيان “تقرر مرة أخرى رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستوى العلاقات الدبلوماسية الكاملة، وإعادة السفراء والقناصل العامين من البلدين”. وأضاف البيان أن “إعادة العلاقات مع تركيا مكسب مهم للاستقرار الإقليمي ونبأ اقتصادي مهم جدا لمواطني إسرائيل”.

وفي أنقرة صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأربعاء بأن تركيا “لن تتخلى عن القضية الفلسطينية”، على الرغم من استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إسرائيل.

وشهدت العلاقات بين إسرائيل وتركيا تحولا في الآونة الأخيرة، بعد زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ لتركيا في مارس، في أول زيارة لرئيس إسرائيلي إلى هذا البلد منذ 2007.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تقيم بلاده علاقات وثيقة مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في قطاع غزة منذ 2007، أن اللقاء يمثل “نقطة تحول في علاقاتنا”.

ويقول مراقبون إن تركيا تريد أن تحقق المكسب على الجبهتين، فهي ستكسب اقتصاديا وماليا من وراء تطبيعها مع إسرائيل، وفي نفس الوقت تريد أن تحافظ على علاقتها المتينة مع الفلسطينيين، وخاصة مع حركة حماس، بالرغم من أنها لا تبيعهم سوى الشعارات.

ويبيح الأتراك لأنفسهم ما يرفضونه للآخرين في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، حيث تقيم أنقرة علاقات قديمة مع إسرائيل، وكانت تبيع للفلسطينيين بعض الشعارات والمواقف العامة الهادفة إلى تحسين صورتها في العالم الإسلامي، وخاصة بعد موجة الربيع العربي، لكنها لم توقف تعاونها مع تل أبيب عسكريا واستخباريا واقتصاديا، وهي تبحث عن مكاسب أوسع في الوقت الرهان في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها.

لكن عضو القيادة السياسية لحماس باسم نعيم قال “نعبّر عن استنكارنا لأي تطوير للعلاقة مع الاحتلال”.

وأضاف “نحن كحركة مقاومة فلسطينية نرى أن أي تطبيع مع الاحتلال هو شرعنة لوجوده على أرضنا المحتلة، وغطاء لما يقوم به من سياسات الاستيطان والتهويد والعدوان الوحشي في كافة أماكن تواجده في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس”.

وتابع “نتوقع من كل الدول العربية والإسلامية والصديقة أن تذهب نحو عزل هذا الاحتلال والضغط عليه، من أجل الاستجابة لحقوقنا وطموحاتنا الفلسطينية المشروعة بالحرية والاستقلال والعودة إلى ديارنا التي هجرنا منها”.

وقام وزير الخارجية التركي بزيارة نادرة إلى القدس في نهاية مايو في إطار تحسين العلاقات الدبلوماسية.

◙ تركيا في حاجة إلى إسرائيل، وهي أحد أهم شركائها في التصدير، إذ تبلغ قيمة التجارة بينهما 7.7 مليار دولار

وقال البروفيسور إفرايم عنبار، مدير معهد القدس للإستراتيجية والأمن، “لا ينبغي أن نتوهم أن العلاقة ستعود إلى ما كانت عليه في أيام تسعينات” القرن الماضي.

وصرح لوكالة فرانس برس “طالما بقي أردوغان في السلطة سيكون هناك بعض العداء من جانب تركيا تجاه إسرائيل بسبب علاقاتها الإسلامية، وسيواصل دعم حماس على سبيل المثال”.

لكن عنبار أكد أن “تركيا دولة إسلامية مهمة ولديها طموح لقيادة العالم الإسلامي، هي دولة يمكن أن تكون موازية لإيران، لذلك هي دولة إستراتيجية للغاية”. وأضاف “لا يمكننا تجاهل ذلك، لذا نحن نولي أهمية كبيرة لعلاقاتنا مع تركيا”.

بدأت العلاقات الثنائية في التدهور في 2008، بعد عملية عسكرية إسرائيلية في غزة. وجمدت العلاقات بين البلدين بعد أزمة العام 2010، عندما قتل عشرة مدنيين أتراك في هجوم إسرائيلي استهدف السفينة “مافي مرمرة”، التي كانت في طريقها لخرق الحصار المفروض على قطاع غزة.

وأبرم اتفاق مصالحة في 2016 شهد عودة السفراء، لكنه انهار تقريبا في 2018 – 2019، بعد مقتل أكثر من مئتي فلسطيني من قطاع غزة برصاص القوات الإسرائيلية خلال الاحتجاجات الحدودية. وبدأت المصالحة بعد أن تولى إسحق هرتسوغ منصبه في يوليو 2021.

وقال الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ الأربعاء إن التجديد الكامل للعلاقات “سيشجع علاقات اقتصادية أكبر وسياحة متبادلة، وصداقة بين الشعبين الإسرائيلي والتركي”.

وعلى الرغم من الخلافات الدبلوماسية في السنوات الأخيرة، فإن التجارة استمرت وظلت تركيا وجهة مفضلة للسياح الإسرائيليين.

وأعرب أردوغان عن استعداده “للتعاون (مع إسرائيل) في مجال الطاقة ومشاريع أمن الطاقة”، مع احتمال نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا، في وقت تثير الحرب في أوكرانيا مخاوف بشأن الإمدادات.

◙ تركيا تريد تحقيق المصالح من وراء إعادة العلاقة مع تل أبيب
تركيا تريد تحقيق المصالح من وراء إعادة العلاقة مع تل أبيب

وقالت الباحثة غاليلا ليندنشتراوس، من معهد دراسات الأمن القومي، “نرى أن هناك أزمة اقتصادية كبيرة جدا في تركيا. التضخم فيها مرتفع جدا وانخفضت قيمة الليرة التركية، وهذا يعني أن تركيا بحاجة إلى تحسين وضعها الاقتصادي لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر”.

وأضافت “إذا كان لدى تركيا مشروع للمزيد من الاعتدال في علاقاتها الدولية فإنها يمكن أن تشجع الاستثمار الأجنبي المباشر، إذ كانت إحدى مشاكل السيطرة على الاستثمار الأجنبي المباشر هي أن تركيا كانت تعتبر غير مستقرة، وكانت أيضا صارمة في سياستها الخارجية”. وتابعت أن “تركيا هي بالفعل أحد أهم شركاء التصدير لإسرائيل، إذ تبلغ قيمة التجارة بينهما 7.7 مليار دولار”.

وفي يونيو دعت إسرائيل رعاياها الموجودين في تركيا إلى مغادرة البلاد “في أقرب وقت ممكن”، خوفا من هجمات من إيران عدوة إسرائيل اللدودة، قبل خفض مستوى التأهب.

وقالت الرئاسة الإسرائيلية في بيان إن الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ “شكر الرئيس أردوغان على جهوده لتحييد الأنشطة الإرهابية على أراضيه”، لكنه أضاف أن “التهديد لم يزل بعد، ويجب الاستمرار في بذل الجهود لمكافحة الإرهاب”.

وذكرت الرئاسة الإسرائيلية أن هذا التعاون الأمني “يعزز الثقة بين الحكومتين والشعبين”.

5