إسرائيل على أبواب أزمة دستورية غير مسبوقة

المحكمة العليا تبدأ النظر في طعون التعديلات القضائية.
الجمعة 2023/08/04
المحكمة العليا في مأزق

تقوم المحكمة العليا الإسرائيلية لأول مرة بمراجعة طعون ضد التعديلات القضائية، إذ تنطوي الحالة على تعديلات لقوانين أساسية قائمة. وإذا رفضت المحكمة العليا مثل هذا القانون ولم توافق الحكومة على قرار المحكمة، ستتعرض البلاد لأزمة وجودية.

القدس - بدأت المحكمة العليا في إسرائيل الخميس النظر في أول طعن من سلسلة طعون على تعديلات النظام القضائي التي يدفع بتطبيقها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته الائتلافية اليمينية الأمر الذي تسبب في أزمة داخلية غير مسبوقة، فيما يحذر مراقبون من حدوث أزمة دستورية في البلاد، بغض النظر عن أي قراره ستتخذه المحكمة.

ويفرض التعديل، الذي قدمته الحكومة الإسرائيلية في مارس على “قانون أساسي” يعد بمثابة دستور، قيودا على الشروط التي يمكن بموجبها اعتبار أن رئيس الوزراء أصبح غير لائق لأداء مهامه، أو فاقدا للأهلية وإقالته من المنصب.

داني سيترينوفيتش: أي قرار تتخذه المحكمة العليا سيكون إشكاليا للغاية
داني سيترينوفيتش: أي قرار تتخذه المحكمة العليا سيكون إشكاليا للغاية

ويريد مقدمو الطعن، الذين تدعمهم المدعية العامة، إلغاء ذلك التعديل محتجين بأن البرلمان أساء استخدام سلطته من خلال تكييفه ليناسب نتنياهو شخصيا. ويقول المؤيدون إنه يحمي أي زعيم منتخب ديمقراطيا من الإطاحة به على أسس خاطئة.

ويحكم ثلاثة قضاة بين طرفي القضية التي تضع المحكمة العليا في مواجهة الكنيست أو البرلمان الذي يبعد مسافة قصيرة من المحكمة التي تجمع أمامها محتجون مع بدء الجلسة.

واعتبر أنصار نتنياهو، الذي عاد في أواخر ديسمبر ليقضي ولاية سادسة في الحكم بما يشكل فترة قياسية، طعن الخميس وطعونات أخرى الشهر المقبل تذكيرا بما يعتبرونه تدخلا من قضاة غير منتخبين في تفويض حصلت عليه الحكومة الائتلافية التي تشكلت بطريقة ديمقراطية بعد انتخابات.

وستجتمع هيئة المحكمة بالكامل، المكونة من 15 قاضيا، لأول مرة في إسرائيل في 12 سبتمبر للنظر في طعن على تعديل آخر للقانون الأساسي يقيد سلطات المحكمة العليا.

ووافق الائتلاف الحكومي على التعديل الذي يحد من سلطة المحكمة في إبطال القرارات الحكومية باعتبارها “غير معقولة” في تصويت برلماني قاطعته المعارضة تسبب في اندلاع احتجاجات جديدة في أنحاء البلاد.

ويرى منتقدون أن المحكمة العليا هي آخر جهة تراقب سلطة تنفيذية تعمل بشكل وثيق مع السلطة التشريعية في بلد لا يوجد فيه دستور رسمي مكتوب بل “قوانين أساسية” يمكن تعديلها بسهولة.

وتنبع أهمية القضية من أن القانون المثير للجدل يتعلق بأحد القوانين الأساسية في إسرائيل، وهو قانون السلطة القضائية، الذي يحدد المؤسسات القضائية وسلطتها وطريقة تعيين قضاتها وعلاقتها بالدولة.

ولا تملك إسرائيل دستورا مكتوبا. وبدلا من ذلك، تعتمد على 13 قانونا أساسيا، بالإضافة إلى سوابق قضائية. وهذا يجعل المحكمة العليا الضابط الوحيد للسلطة التنفيذية والتشريعية، وهي سلطة قيدها التصويت الجديد.

وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن تعديل القانون الأساسي سيقيد استخدام المراجعة القضائية للقرارات الإدارية للحكومة والوزراء ورئاسة الوزراء، وتوضح أنه لم يسبق للمحكمة العليا أن ألغت من قبل تشريعات القوانين الأساسية، وبدلا من ذلك اختارت التفسير أو الإذعان لإجراءات أخرى، على غرار مبدأ “المعقولية”.

لكن يبقى الجدل بشأن ما إذا كان بإمكان المحكمة مراجعة القوانين الأساسية، وهو ما يثير خطر حدوث أزمات دستورية، إذا فعلت ذلك.

ويشير خبراء قانون إلى أنه بإمكان المحكمة تعليق العمل مؤقتا بالقانون، لكن الإعلان الصادر لم يشر إلى ذلك، وتحدث عن تنظيم جلسات استماع في سبتمبر بعد عطلة المحكمة.

خطة التعديلات القضائية قوبلت باحتجاجات غير مسبوقة
خطة التعديلات القضائية قوبلت باحتجاجات غير مسبوقة 

وقال باراك مدينا الأستاذ في كلية الحقوق بالجامعة العبرية في القدس إن إسرائيل “تمر بالفعل بأزمة”.

وردا على سؤال عن السبب وراء عدم إصدار المحكمة أي قرار بتعليق العمل مؤقتا بالقانون، وعما إذا كانت تلك إشارة على أنها لن تتدخل، قال إن القرار اتخذه قاض واحد وهو قاض محافظ، وهو غير نهائي، وبمجرد اجتماع لجنة المحكمة كاملة، فقد تعيد النظر، وتقرر تأجيل تنفيذ القرار.

ويؤكد الخبراء أن إلغاء قانون أساسي يبقى منطقة مجهولة للمحكمة العليا، لكن المحكمة قد أبدت رأيها في قوانين أساسية من قبل. وفي عام 2021، على سبيل المثال، قيدت القانون الأساسي المتعلق بهوية دولة إسرائيل.

وقالت رئيسة المحكمة العليا أستير حاسوت إن بإمكان المحكمة إلغاء قانون أساسي إذا كان يعرض للخطر المبادئ الديمقراطية، مثل القوانين التي تتعارض مع “انتخابات حرة ونزيهة وحقوق الإنسان الأساسية وفصل السلطات وسيادة القانون واستقلال القضاء”.

وقال مدينا إنه إذا قررت المحكمة إلغاء القانون الجديد، سيكون ذلك رسالة إلى الحكومة أن سلطاتها مقيدة وأنها يجب أن تحصل على توافق أوسع للموافقة على تغيير قانون حالي.

المحكمة قد تحاول الطعن دفاعا عن الديمقراطية، لكن العملية ستكون صعبة بسبب طبيعة النظام القانوني

وأضاف أن هناك “أزمة دستورية قائمة بالفعل. وإذا لم تتدخل المحكمة فالنتيجة ستكون انهيارا في المجتمع الإسرائيلي، وإذا تدخلت، فقد ينتهي الأمر بتغيير الحكومة لمسارها”.

وعلى الرغم من أن المحكمة قد تحاول الطعن في القانون على أسس الدفاع عن الديمقراطية، فإن العملية ستكون صعبة بسبب طبيعة النظام القانوني في إسرائيل.

وقال يوهانان بليسنر رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في القدس إن “إسرائيل في وضع فريد لأنه ليست لدينا إجراءات خاصة للتعديلات الدستورية.. لأنه ليس لدينا دستور” لذلك تلجأ إلى القوانين الأساسية. ويرى أن ذلك يجعل النظام القانوني في إسرائيل “عرضة بشكل خاص للانتهاكات الدستورية”.

ويقول ناثان بانيكوف من المجلس الأطلسي إن نظر المحكمة في القضية وإيجاد سبب لإلغاء القانون يبقى “سؤالا مفتوحا”.

وكتب بانيكوف في تحليل أنه أثناء زيارته إلى إسرائيل، استمع إلى وجهات نظر متضاربة بشأن هذا الأمر، ففي حين استبعد مسؤولون حكوميون أن تلغي المحكمة القانون، توقع مسؤولون في المعارضة أن تفعل ذلك بعد فترة تهدئة، وهو ما قد يدخل البلاد في أزمة دستورية.

وأما داني سيترينوفيتش من مجلس الأطلسي، فرأى أن أي قرار تتخذه سيكون إشكاليا للغاية، ومن ناحية فإن رفض القانون سيؤدي بإسرائيل إلى أزمة دستورية، والموافقة عليه ستؤدي إلى إجراءات غير مسبوقة يمكن أن تقوض جاهزية الجيش، ومن ثم تدخل إسرائيل فترة من عدم اليقين من شأنها الإضرار بأمنها واقتصادها وعلاقاتها الدبلوماسية، وحدوث اضطرابات داخلية لفترة طويلة من الزمن.

وتسببت خطة التعديلات القضائية في إحداث صدع كبير داخل المجتمع الإسرائيلي وقوبلت باحتجاجات غير مسبوقة مستمرة منذ شهور، وأثارت قلق الحلفاء في الخارج على الحياة الديمقراطية، وزعزعت ولاء بعض جنود الاحتياط في الجيش، وفق رويترز.

ويُنظر على نطاق واسع إلى وزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الاقتصاد نير بركات، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست يولي إدلشتاين على أنهم من الشخصيات القادرة على الضغط من أجل التوصل إلى اتفاقات مع المعارضة.

2