إسرائيل تواصل استهداف قيادات حزب الله مستغلة عجزه عن الرد

يجد حزب الله نفسه مكبلا أمام تواصل العمليات الإسرائيلية التي تستهدف قياداته وفي قلب الضاحية الجنوبية، آخرهم القيادي حسين بدير، المكلف بالملف الفلسطيني في الحزب.
بيروت - نعى حزب الله الثلاثاء القيادي حسين بدير وابنه اللذين قتلا مع شخصين آخرين في غارة إسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية، في ثاني استهداف للمنطقة منذ سريان وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
ويكشف امتناع الحزب المدعوم من إيران عن أي رد على الغارة الإسرائيلية الجديدة، عن تآكل قوة الردع لديه، بعد الضربات القاصمة التي تلقاها خلال العام الماضي. وطالت الضربة التي لم يسبقها أي تحذير ونفّذت فجرا، الطابقين العلويين من مبنى في معقل حزب الله قرب بيروت. وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل أربعة أشخاص بينهم امرأة.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حذّر الأسبوع الماضي من أنّ جيشه “سيضرب في كلّ مكان في لبنان ضدّ أيّ تهديد”، على الرغم من وقف إطلاق النار الذي بدأ تطبيقه في السابع والعشرين من نوفمبر، بعد سنة من مواجهة دامية بين إسرائيل وحزب الله.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان مشترك مع جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) الاثنين إنّ “بدير تعامل مؤخرا مع (حركة) حماس وقاد إرهابيين من حماس وساعدهم على التخطيط والتحضير لهجوم إرهابي ضخم وآني على مدنيين إسرائيليين”، مشيرا إلى أنه “تم ضربه على الفور لإزالة الخطر”، بدون المزيد من التفاصيل.
وكان مصدر مقرّب من حزب الله قال إن الغارة “استهدفت حسين بدير وهو معاون مسؤول الملف الفلسطيني في الحزب وشقيق مسؤول الإعلام الحربي في الحزب”، مشيرا إلى أن الغارة وقعت “أثناء وجوده مع عائلته في منزله” في حي ماضي في الضاحية الجنوبية.
ونعى الحزب بدير وابنه، داعيا مناصريه إلى المشاركة في مراسم تشييع ستقام الأربعاء في ضاحية بيروت. وأوردت الوكالة الوطنية للإعلام أن الغارة أدت كذلك إلى مقتل شاب وشقيقته.
وفي موقع الغارة، شوهد سكان مذعورون يخرجون من منازلهم بملابس النوم بعدما أيقظتهم الضربة. ويقع المبنى المستهدف على بعد أمتار من مبنى دمّر كاملا خلال الحرب التي خرج منها حزب الله ضعيفا إلى حدّ كبير، بعد خسائر كبرى مني بها في العديد والعتاد، ومقتل أمينه العام السابق حسن نصرالله وأبرز قادته العسكريين.
وقال إسماعيل نورالدين أحد قاطني حي ماضي، “كنت بصدد الدخول إلى الحمام حين دوّى انفجار قوي، وتبعه دوي آخر بعد قليل.” وأضاف “بدأ أفراد العائلة يصرخون ولم يقو أي منا على رؤية الآخر بسبب كثافة الغبار” الذي أحدثه عصف القصف.
واعتبر الرئيس اللبناني جوزيف عون أن “التمادي الإسرائيلي في عدوانيته يقتضي منا المزيد من الجهد لمخاطبة أصدقاء لبنان في العالم وحشدهم دعما لحقنا في سيادة كاملة على أرضنا”، معتبرا أن الضربة تشكّل “إنذارا خطيرا حول النيات المبيتة ضد لبنان.”
ورأى رئيس الوزراء نواف سلام أن “العدوان الإسرائيلي” يشكّل “خرقا واضحا للترتيبات الخاصة بوقف الأعمال العدائية” و”انتهاكا صارخا للقرار الأممي 1701″ الذي أنهى في صيف 2006 حربا مدمرة بين حزب الله وإسرائيل، وأعيد التشديد عليه في اتفاق وقف إطلاق النار الأخير.
وقال رئيس البرلمان نبيه بري، حليف حزب الله، إن الغارة “محاولة إسرائيلية بالنار والدماء والدمار لاغتيال القرار الأممي ونسف آليته التنفيذية”، داعيا الأطراف الراعية لاتفاق وقف إطلاق النار، خصوصا الولايات المتحدة وفرنسا، إلى “إرغام الكيان الإسرائيلي على وقف اعتداءاته” على لبنان.
وخلال تفقده موقع الغارة، وصف النائب من حزب الله إبراهيم الموسوي ما جرى بـ”عدوان كبير جدا”، داعيا السلطات اللبنانية إلى أن “تتحرك بأعلى مستوى من الفعالية وأن يحمّلوا المجتمع الدولي مسؤوليته وأن يتخذوا أعلى مستوى من الإجراءات لضمان أمن اللبنانيين.” وقال زميله علي عمار إن “حزب الله يمارس أقصى درجات الصبر والتريث في التعامل مع العدو، إلا أن لهذا الصبر حدودا.”
ونصّ اتفاق وقف إطلاق النار على انسحاب حزب الله من منطقة جنوب نهر الليطاني (ثلاثون كيلومترا من الحدود اللبنانية الإسرائيلية) وتفكيك بناه العسكرية، مع انتشار الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة في المنطقة، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من كل المناطق التي دخل إليها خلال الحرب.
لكن مع انتهاء مهلة انسحابها في الثامن عشر من فبراير، أبقت إسرائيل على قوات في خمسة مرتفعات إستراتيجية تخوّلها الإشراف على مساحات واسعة على جانبي الحدود.
ومذّاك، تواصل إسرائيل شنّ غارات على جنوب لبنان وشرقه تستهدف، وفق قولها، مواقع عسكرية لحزب الله. وتتّهم الدولة اللبنانية بعدم تنفيذ قسطها من الاتفاق والقاضي بتفكيك ترسانة الحزب العسكرية وإبعاده عن الحدود.
ونفذت إسرائيل غارة أولى على الضاحية الجمعة استهدفت مبنى قالت إنّ حزب الله يستخدمه “لتخزين مسيّرات”. وجاءت تلك الغارة عقب إطلاق صاروخين من جنوب لبنان على إسرائيل، في عملية لم تتبنّها أيّ جهة ونفى حزب الله مسؤوليته عنها. وأعلن لبنان توقيف مشتبه بتورطهم في تنفيذ العملية.
إثر تلك الغارة، أكّد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم “لا يمكن أن نقبل بأن تكون هناك معادلة تستبيح فيها إسرائيل لبنان وتسرح وتمرح في أي وقت تريد ونحن نتفرّج عليها. كل شيء له حد.”
لكن محللين يرون أن حزب الله غير قادر حاليا على تحمّل تبعات مواجهة جديدة مع إسرائيل. ويرى الباحث في “أتلانتيك كاونسل” نيكولاس بلانفورد أن “حزب الله لا يستطيع الرد عسكريا، لأنه إذا فعل، فسيعود الإسرائيليون للضرب بقوة أكبر”، معربا عن اعتقاده بأن قدرات “الردع” لدى الحزب “دُمّرت تماما”.
وقال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن إن “إسرائيل على ما يبدو ستواصل اعتماد تفسير موسع لـ’حق الدفاع عن النفس’ كما ورد في اتفاق وقف إطلاق النار”، فيما “لا يملك لبنان الرسمي وسائل للدفاع عن النفس.”
وأضاف “هذا هو الوضع الطبيعي السائد منذ نوفمبر”، لكن ما استجدّ هو أن “العقاب الإسرائيلي لتجاوزات حزب الله المزعومة في الجنوب، أمسى الآن في بيروت.”