إسرائيل تلوح بالقوة وجنبلاط بالدبلوماسية لحماية دروز سوريا

نتنياهو يعلن استهداف "متطرفين" يهددون دروز صحنايا، فيما يدعو جنبلاط لوقف فوري لإطلاق النار، وحماية المدنيين، وحل الأزمة بوحدة سوريا.
الأربعاء 2025/04/30
أجندات متباينة لحماية الطائفة الرزية

القدس/بيروت – برز تباين حاد في الرسائل والمواقف بين إسرائيل ولبنان بشأن حماية الطائفة الدرزية في سوريا في أعقاب تصاعد وتيرة العنف الطائفي وامتداده إلى مناطق جديدة قرب دمشق، مخلفا 13 قتيلا على الأقل.

فبينما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل شنت غارة جوية الأربعاء على "مجموعة متطرفة" قرب دمشق لتوجيه "رسالة حازمة" إلى السلطات في سوريا لحماية الطائفة الدرزية، قاد وليد جنبلاط الزعيم الدرزي اللبناني رئيس الحزب الاشتراكي اللبناني تحركات دبلوماسية مكثفة لوقف إطلاق النار في المنطقة ذاتها.

وجاء التصعيد ضد الأقلية الدرزية بعد أكثر من شهر على أعمال عنف دامية في منطقة الساحل السوري قتل خلالها نحو 1700 شخص غالبيتهم العظمى من العلويين، سلطت الضوء على التحديات التي تواجهها إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع، في سعيها لتثبيت حكمها ورسم أطر العلاقة مع مختلف المكونات عقب إطاحة حكم الرئيس بشار الأسد في ديسمبر.

واندلعت الاشتباكات الأخيرة في مدينة جرمانا ذات الأغلبية الدرزية والمسيحية، إثر انتشار تسجيل صوتي مسيء للنبي محمد، وامتدت لتطال منطقة صحنايا القريبة من دمشق والتي يقطنها كذلك دروز ومسيحيون.

وفي هذا السياق، أعلن نتنياهو في بيان صادر عن مكتبه "نفذ الجيش الإسرائيلي عملية تحذيرية واستهدف مجموعة متطرفة كانت تستعد لشن هجوم على السكان الدروز في بلدة صحنايا، في محيط دمشق بسوريا".

وأضاف البيان "تم نقل رسالة حازمة إلى النظام السوري، إسرائيل تتوقع منهم التحرك لمنع الإضرار بالطائفة الدرزية".

ويتوزّع الدروز بين لبنان وإسرائيل والجولان المحتل وسوريا، حيث تشكل محافظة السويداء في الجنوب معقلهم الرئيسي.

وسبق لإسرائيل التي تسهل زيارات دينية لمشايخ دروز سوريين الى أراضيها في الفترة الأخيرة، أن هددت بالتدخل لحماية دروز سوريا إثر مواجهات محدودة شهدتها منطقة جرمانا مطلع مارس.

واستهدفت اسرائيل منذ إطاحة الاسد، بمئات الضربات، الترسانة العسكرية السورية ونفذت عمليات توغل في جنوب سوريا، ما دفع السلطة الانتقالية مرارا الى دعوة المجتمع الدولي للضغط على اسرائيل للانسحاب ووقف استهدافها للأراضي السورية.

وأوقعت الاشتباكات التي بدأت ليلا في صحنايا 13 قتيلا على الاقل وفق السلطات والمرصد السوري لحقوق الانسان.

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن مصدر أمني في دمشق قوله إن "مجموعات خارجة عن القانون من منطقة أشرفية صحنايا" هاجمت "حاجزا يتبع لإدارة الأمن العام مساء أمس (الثلاثاء)، ما أسفر عن إصابة ثلاثة عناصر إصابات متفاوتة".

وأفادت بانتشار مجموعات أخرى بشكل متزامن "بين الأراضي الزراعية وإطلاق النار على آليات المدنيين وآليات إدارة الأمن العام على الطرق".

وأسفر ذلك وفق وزارة الصحة عن سقوط "11 شهيدا".

وقال مدير العلاقات العامة في وزارة الإعلام علي الرفاعي لصحافيين إن بين القتلى خمسة عناصر من الأمن العام استهدفوا "بأعمال قنص"، إضافة الى ستة أشخاص من درعا (جنوب) كانوا داخل سيارة استهدفتها تلك المجموعات.

وأحصى المرصد السوري من جهته مقتل اثنين من المسلحين المحليين في صحنايا.

وبحسب المرصد، استُخدمت خلال الاشتباكات بين "مسلحين مرتبطين بالسلطة ومقاتلين دروز من أبناء المنطقة، الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وسط مخاوف من تفاقم الوضع الإنساني".

وجاء التصعيد في صحنايا غداة اشتباكات مماثلة في منطقة جرمانا المجاورة لدمشق أيضا، أسفرت عن مقتل 17 شخصا بحسب حصيلة جديدة للمرصد، بينهم ثمانية من المقاتلين الدروز وتسعة من المسلحين "المهاجمين المرتبطين بالسلطة".

وتمّ الأربعاء تشييع المقاتلين السبعة في جرمانا، ورفع بعض المشاركين راية الدروز الملونة ورددوا هتافات عدة بينها "عز البلاد رجالها"، بمشاركة مقاتلين مدججين بأسلحتهم.

وتزامنت الغارة الإسرائيلية الأربعاء مع إحياء الدولة العبرية ذكرى قتلاها العسكريين، وهو توقيت يحمل دلالات رمزية بالنسبة لإسرائيل.

وقد استغل نتنياهو هذه المناسبة قائلا "في يوم ذكرى جنود الجيش الإسرائيلي، نُكرم المساهمة الكبيرة للطائفة الدرزية في أمن إسرائيل ... نُولي أهمية كبرى للوفاء بالتزامنا تجاه الطائفة الدرزية في إسرائيل وحماية إخوانهم في سوريا".

وأضاف بلهجة حازمة "لن تسمح إسرائيل بإلحاق الأذى بالطائفة الدرزية في سوريا وذلك انطلاقا من التزامنا العميق تجاه إخواننا الدروز في إسرائيل الذين تربطهم علاقات عائلية وتاريخية بإخوانهم في سوريا".

وفي تباين مع الإعلان الإسرائيلي، أعلن الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، اليوم الأربعاء، عن إجراء اتصالات مكثفة ضمن مساعيه العاجلة لوقف إطلاق النار في محافظة ريف دمشق جنوب سوريا، وتحديدا في منطقة أشرفية صحنايا التي استهدفتها الغارة الإسرائيلية.

وذكر بيان صادر عن الحزب الاشتراكي اللبناني أن جنبلاط أجرى سلسلة اتصالات مكثفة شملت أطرافا إقليمية ودولية فاعلة في الأزمة السورية، بما في ذلك الإدارة السورية نفسها، وتركيا، والسعودية، وقطر، والأردن.

وقد طالب جنبلاط خلال هذه الاتصالات بـ"السعي إلى وقف إطلاق النار الفوري في منطقة أشرفية صحنايا لوقف حمام الدم" وحماية المدنيين من المزيد من العنف، كما طالب أيضا بمعالجة الأمور "انطلاقاً من منطق الدولة ووحدة سوريا بجميع مكوناتها". وهو ما يمثل اختلافا جوهريا مع النهج الإسرائيلي الذي يبدو أنه يركز على حماية الطائفة الدرزية بشكل منفرد من خلال تدخل عسكري مباشر.

وأوضح البيان أنه نتيجة للاتصالات "جرى الاتفاق على وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ منذ نصف ساعة"، وهو ما يشير إلى نجاح مبدئي لمساعي جنبلاط الدبلوماسية في تهدئة الأوضاع المتوترة في المنطقة.

وفي السياق ذاته، أعلن شيخ عقل الدروز في لبنان سامي أبو المنى، في بيان، إجراءه اتصالات رفيعة المستوى مع القيادة السياسية المحلية والخارجية "لتطويق الأحداث الدامية" في سوريا.

في السياق ذاته، أعلن شيخ عقل الدروز في لبنان سامي أبو المنى، في بيان، إجراءه اتصالات رفيعة المستوى مع القيادة السياسية المحلية والخارجية "لتطويق الأحداث الدامية" في سوريا.

وأوضح أن أبرز الاتصالات أجريت مع مفتي سوريا الشيخ أسامة الرفاعي، ومفتي لبنان الشيخ عبداللطيف دريان، بهدف "استدراك المخاطر جرّاء الحوادث المفتعلة".

وأكد أبوالمنى على أن "أهلنا الشرفاء في جرمانا وأشرفية صحنايا جديرون بالدفاع عن أنفسهم وأعراضهم وأرضهم، وعقلاؤهم قادرون على وأد الفتنة" بحكمتهم وتعقلهم. ودعا شيخ العقل إلى "وأد الفتنة التي يسعى لإشعالها المتربصون بالبلاد شرا"، وفق تعبيره.

وأوضح أن "المشايخ الأجلاّء (..) يهيبون بإخوانهم اتقاء الشر وضبط النفس إلى أقصى الحدود واستنكار كل ما يسيء إلى المقدسات والكرامات، منعا لتدهور الأوضاع وتنقل الفتن على نحو أكبر".

وفي إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها القيادات الدرزية في لبنان لمتابعة الأوضاع في سوريا، دعت الهيئة العامة للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز إلى اجتماع استثنائي يعقد في دار الطائفة في بيروت، اليوم الأربعاء، بحضور رئيس المجلس شيخ العقل أبوالمنى، والزعيم وليد جنبلاط، ووزراء ونواب الطائفة في البرلمان اللبناني، بالإضافة إلى قضاة ومشايخ الطائفة.

ويهدف هذا الاجتماع الطارئ إلى بحث آخر التطورات في سوريا وتقييم الوضع واتخاذ القرارات المناسبة لحماية أبناء الطائفة الدرزية هناك.

ويكشف التباين الواضح بين إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الغارة الجوية ومساعي الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط لوقف إطلاق النار عن اختلاف جوهري في المقاربات والأهداف.

وتوصل ممثلون عن الحكومة السورية ودروز جرمانا ليل الثلاثاء الى اتفاق لاحتواء التصعيد.

ومنذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، تمكن الدروز الى حد كبير من تحييد أنفسهم عن تداعياته. فلم يحملوا إجمالا السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة.

وإثر إطاحة الاسد الذي قدّم نفسه حاميا للأقليات في سوريا، لم يتوصل الدروز الذين ينضوون ضمن مجموعات مسلحة عدة في مناطق تواجدهم الى اتفاق بعد مع السلطات الجديدة للاندماج ضمن قواتها، رغم جهود في هذا السياق.

وحل الشرع الجيش السابق وجمّد عمل عناصره، بينما انضوت الفصائل المسلحة التي نشطت في شمال غرب سوريا ضمن وزارة الدفاع. ويعد جهاز الأمن العام، ذراع الشرع الأمنية في معقله السابق في إدلب، الجهاز الأكثر نفوذا في سوريا اليوم.

ويعد بسط الأمن على كامل سوريا من أبرز التحديات التي يواجهها الشرع، مع وجود مناطق لا تزال عمليا خارج سيطرته، على غرار مناطق سيطرة المقاتلين الاكراد (شمال شرق)، رغم توقيع اتفاق ثنائي معهم.

وتعهدت السلطات الجديدة ضمان أمن الطوائف كافة، وسط مخاوف لدى الأقليات، في وقت يحثّ المجتمع الدولي على إشراك جميع المكونات السورية في المرحلة الانتقالية.