إسرائيل تعوّل على "سخاء" قطر لهدنة طويلة مع حماس

يشكل المال القطري ضمانة الحكومة الإسرائيلية لعدم تفجر الأوضاع في الجبهة الجنوبية في ظل ما تفرضه الجبهة الشمالية من تحديات أمنية مقلقة، رغم الاختراق الحاصل في طبيعة العلاقات الإسرائيلية اللبنانية المتمثل في انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود بين الطرفين.
غزة – تراهن إسرائيل على التمويلات القطرية لتحقيق هدنة مطوّلة مع حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة، وسط حديث عن تحقيق المفاوضات بين الثلاثي خطوات متقدمة، في هذا المسار.
وتسعى الحكومة الإسرائيلية التي يقودها بنيامين نتنياهو إلى سحب فتيل أي توتر مع القطاع، حيث تحتل الجبهة الشمالية الأولوية بالنسبة لها على الصعيد الأمني، وهي تنظر إلى الدعم القطري على أنه السبيل الوحيد لفرملة أي اندفاعة للفصائل الفلسطينية ولاسيما حماس التي تسيطر على القطاع منذ العام 2007.
وكشفت صحيفة “معاريف” الجمعة، عن برنامج مساعدات قطري سخي لقطاع غزة، سيتم بالتنسيق مع إسرائيل. وأفادت الصحيفة الإسرائيلية، أن تل أبيب تولي اهتماما خاصا للتوصل إلى تهدئة طويلة المدى وليس لفترة قصيرة فحسب مع قطاع غزة، مشيرة إلى أن قطر شريك أساسي في المحادثات التي تجري مع حركة حماس ودول أخرى.
وتلجأ حماس متى استشعرت وطأة الضائقة المالية وتراجع السخاء القطري إلى التصعيد مع إسرائيل، الأمر الذي بدأ يثير غضب الدوحة، إلا أنه في كل مرة يسارع المسؤولون الإسرائيليون لإقناع نظرائهم القطريين بوجوب دفع المزيد من الأموال لضمان عدم تفجر الأوضاع.
وكانت قطر لعبت دورا أساسيا في إنهاء جولة التصعيد الأخيرة التي جرت في أغسطس الماضي بين حماس وإسرائيل، حينما قدمت دعما ماليا مجزيا للحركة الإسلامية لوقف إطلاق البالونات الحارقة والصواريخ على المستوطنات القريبة من القطاع.
وكشف رئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة، السفير محمد العمادي، في وقت سابق أن قطر أرسلت ملايين الدولارات إلى غزة لضمان ترسيخ التهدئة التي جرى التوصل إليها في 31 أغسطس.
وتدرك حكومة نتنياهو أن الأموال القطرية حجر الأساس لضمان الهدوء في قطاع غزة، وتقوم من وراء الكواليس ببذل جهود لمنع نشوب مواجهة أخرى مع حماس في القطاع، حيث أنها تعتبر أن أي تصعيد على المدى المنظور لا يخدم مصالحها.
وقال الخبير المصري في الشأن الفلسطيني، طارق فهمي، إن إسرائيل بحاجة إلى الدور القطري كداعم ومصدر سخي لتقديم الأموال إلى حماس، بما يضمن عدم لجوء الحركة لتهديد الغلاف المحيط بالقطاع.
وأضاف فهمي لـ”العرب”، أن ذلك انعكس على طبيعة المباحثات بين السفير محمد العمادي والحكومة الإسرائيلية، التي تركزت على استمرار المساعدات الدورية وضخ أموال جديدة، تضمن عدم إطلاق البالونات الحارقة والصواريخ مجدداً.
وأوضح، أن إسرائيل تدرك أن تدفق الأموال إلى حركة حماس بشكل مستمر يقوّض دور ما تسميه بـ”الفصائل غير المنضبطة” على حدود القطاع، وأن قبضة حماس الأمنية يمكنها الوصول إلى مواقع إطلاق الصواريخ والبالونات قبل إطلاقها والتعامل معها من الداخل، إذا أرادت ذلك.
وأشارت صحيفة “معاريف” في عددها الصادر الجمعة إلى أن القيادات العسكرية والأمنية في إسرائيل من تدفع باتجاه تحقيق تسوية طويلة مع حماس في غزة وليست قصيرة كما جرت العادة، وبأنه جرت في الأسابيع الأخيرة محادثات ولقاءات متعددة مع مسؤولين قطريين، لوضع برنامج دعم كبير للمساعدات الإنسانية، لتحسين الأحوال الاقتصادية في القطاع.
ويقود رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) يوسي كوهين المفاوضات مع الجانب القطري للاتفاق على حزمة مساعدات ضخمة لإنهاء صداع القطاع لفترة طويلة.
ويرى مراقبون أن حكومة نتنياهو تريد أن تركز اهتمامها على الجبهة الشمالية والتحديات التي يفرضها حضور إيران والميليشيات الموالية لها في سوريا وفي لبنان.
وكانت مصادر إعلامية إسرائيلية ذكرت في وقت سابق أن الجيش الإسرائيلي يستعد لإجراء أكبر مناورات له للعام 2020 تحاكي قتالا مع حزب الله اللبناني على الجبهة الشمالية.
وبدأت إسرائيل ولبنان مفاوضات تستهدف ترسيم الحدود البرية والبحرية الأسبوع الجاري، ورغم الأجواء الإيجابية التي تحدث عنها المسؤولون الأميركيون والأمميون، المشاركون في تلك المحادثات، بيد أن متابعين يرون أن تعقيدات عدة تحول دون التوصل إلى اتفاق، لاسيما وأن إيران تحاول من خلال حزب الله توظيف هذه الورقة في عملية لي الذراع المستمرة بينها وبين الولايات المتحدة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخرا إنه لا يمكن الحديث عن سلام مع لبنان في ظل سيطرة حزب الله المدعوم من إيران على هذا البلد.
ويعتقد محللون أن فرضية التصعيد في الجبهة الشمالية تبقى واردة وبقوة، وأن المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل تضع هذا الأمر في الاعتبار ومن هذا المنطلق تريد اليوم التوصل بسرعة لاتفاق مع حماس على هدنة طويلة الأمد.
ولا يخفى أن اعتبارات أخرى تقف خلف مساعي نتنياهو لتكريس الهدوء على الجبهة الجنوبية في ظل الأزمات التي يواجهها زعيم حزب الليكود في الداخل، نتيجة قضايا الفساد والاتهامات التي تلاحقه بسوء إدارة أزمة تفشي جائحة فايروس كورونا. وأظهر استطلاع للرأي نشر الجمعة، أن 54 في المئة من الإسرائيليين باتوا يفضلون غياب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن الحياة السياسية.
وكانت إسرائيل شهدت في الأسابيع الماضية احتجاجات صاخبة تتطالب باستقالة نتنياهو، ضمت شرائح وتوجهات سياسية مختلفة، حتى تلك التي كانت في إحدى الفترات أحد خزاناته الشعبية على غرار اليهود المتدينين.
وقال الخبير المصري طارق فهمي إن حكومة نتيناهو، تسعى إلى تهدئة الأوضاع في غزة مع توالي الأزمات الداخلية، وعلى وقع تعدد إجراءات سحب الثقة منها، والتفرغ لمواجهة انتشار فايروس كورونا في ظل إجراءات الإغلاق، والانتظار لما ستؤول إليه الانتخابات الأميركية المقبلة.
ولفت إلى أن إسرائيل لا تريد تمرير صفقة الأسرى في الوقت الحالي، وأن عملية التهدئة التي تحدثت عنها مؤخراً لم تشر إلى ذلك، كما أن حماس لا تسعى إلى التوصل إلى تهدئة دائمة تجعلها قد تخسر المال القطري الذي تحصل عليه كلما صعدت عمليات إطلاق البالونات الحارقة، ولذلك فكل طرف لديه مصلحة نفعية من الوساطة القطرية التي لا تتوفر لها مقاومات للاستمرارية على المدى الطويل، على خلاف ما يجري الحديث عنه.