إسرائيل تضع حزب الله في موقع حرج باغتيال أبرز قادته

بيروت – زادت إسرائيل الضغوط على حزب الله وإحراجه أمام أنصاره في لبنان وضمن “محور المقاومة” في المنطقة باستهداف متواصل لأبرز قادته فيما يكتفي هو ببيانات الوعيد من دون أن يتجاوز قواعد الاشتباك التي التزم بها منذ الثامن من أكتوبر الماضي.
وتُظهر محدودية رد حزب الله على الضربات الإسرائيلية النوعية التي تطال أبرز قادته أنه يبذل كل ما في وسعه للتملص من الحرب حتى لو أدى ذلك إلى تشويه سمعته وانكشاف شعاراته أمام الذين يراهنون عليه ويأملون أن يغير معادلة الصراع مع إسرائيل.
وإلى حد الآن يكتفي حزب الله برد محدود وملتزم بأجندة إيران التي لا تريد توسيع دائرة الحرب بأي شكل من الأشكال؛ فيكفي أن تقف عند التضحية بحركة حماس من دون الامتداد إلى لبنان وسوريا، لما لهذا الخيار من مخاطر وتداعيات على مكاسبها في المنطقة.
استمرار إسرائيل في استهدف قيادة الصف الأول من الحزب قد يدفعه إلى وضع من يلوّح برد قاس دون أن تُرى له نتائج
لكن استمرار إسرائيل في استهدف قيادة الصف الأول من الحزب قد تدفعه إلى وضع شبيه بوضع الإيرانيين في سوريا الذين يلوحون برد قاس في المكان والزمان المحددين من دون أن يأتي هذا الرد، وحتى إن جاء فإنه يكون في شكل مرتبك وغير فعال، مثل رد طهران على استهداف قنصليتها في دمشق بإرسال صواريخ ومسيّرات تم إسقاطها بسهولة من إسرائيل وحلفائها.
وقالت ثلاثة مصادر أمنية إن غارة إسرائيلية على قرية جويا في جنوب لبنان في وقت متأخر من مساء الثلاثاء أدت إلى مقتل ثلاثة مقاتلين وقائد ميداني كبير في حزب الله، وهو طالب عبدالله المعروف باسم الحاج أبوطالب.
وقال أحد المصادر إن أبوطالب هو أبرز عضو في حزب الله يُقتل في المواجهات بين الجماعة وإسرائيل منذ ثمانية أشهر.
وأكد الجيش الإسرائيلي أنه قتل القيادي طالب عبدالله والمقاتلين الثلاثة الآخرين في غارة استهدفت مقر قيادة تابع لحزب الله. وأوضحت المصادر أنه كان قائد الجماعة في المنطقة الوسطى من الشريط الحدودي الجنوبي.
واحتشد الآلاف من أنصار حزب الله في شوارع الضاحية الجنوبية ببيروت، معقل الجماعة، للمشاركة في موكب الجنازة قبل الدفن الأربعاء بجنوب لبنان.
وقال رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله هاشم صفي الدين في كلمة مقتضبة خلال التشييع “إذا كانت رسالة العدو (…) النيل من عزيمتنا لنتراجع عن موقفنا في إسناد المظلومين والمجاهدين والمقاومين في غزة الأبية، فعليه أن يعلم أن جوابنا القطعي (…) سنزيد من عملياتنا شدة وبأسًا وكمّا ونوعا”. وأضاف “جوابنا بعد استشهاد أبوطالب سنزيد من عملياتنا شدة وبأسا وكما ونوعا ولينتظرنا في الميدان”.
لكن كلام صفي الدين، الذي طغى عليه الحماس لامتصاص غضب الأنصار، يتناقض كليا مع خطاب هادئ لنائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم حين قال إن “قرارنا ألا نوسّع المعركة ونحن لا نريد حربا شاملة”، ويُفهم من هذا الكلام أن حزب الله لا ينوي وغير مستعد لخوض حرب يمكن أن تفضي إلى دمار شامل كالذي يحصل حاليا في غزة.
ووجه قاسم إلى حركة حماس رسالة مبطنة يفيد مضمونها بأن حزب الله لا يقدر على أكثر من التقيد بقواعد الاشتباك الراهنة بهدف إلهاء إسرائيل، وفق ما تطلبه إيران، وأن على الحركة أن تقرر ما إذا كانت ستستمر في حرب غير متكافئة تنتهي إلى تفكيكها أم ستقبل بتهدئة دون مكاسب سياسية وقد تفضي إلى إخراجها من حكم القطاع.
ويرى الباحث في مركز مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط مايكل يونغ أن حزب الله وإسرائيل لا يريدان الحرب ويخوضان “تصعيدا بضوابط”، مشيرا إلى أنّ “تلويح حزب الله في الأيام الأخيرة باستخدام أسلحة على نطاق واسع هو بمثابة محاولة لإخبار الإسرائيليين بأننا قادرون أيضا على التصعيد”.
وقال مصدر أمني في لبنان إن حزب الله أطلق أكثر من 100 صاروخ ردا على مقتل أبوطالب، واصفا ذلك بأنه إحدى أكبر الهجمات الصاروخية التي تنفذها الجماعة منذ بدأت الاشتباكات في أكتوبر.
وأعلن حزب الله أنه شن خمس هجمات على الأقل تشمل هجمة بصواريخ موجهة استهدفت مصنعا إسرائيليا للصناعات العسكرية، وذلك ردا على ما وصفه بعملية اغتيال نفذتها إسرائيل في جويا.
وقال إنه هاجم مقرات عسكرية إسرائيلية في عين زيتيم وعميعاد، ووحدة مراقبة جوية عسكرية إسرائيلية في قاعدة ميرون، وأطلق في كل حالة العشرات من صواريخ كاتيوشا.
وذكر الجيش الإسرائيلي أن طائراته قصفت عددا من مواقع إطلاق الصواريخ في جنوب لبنان الأربعاء بعد إطلاق قذائف صوب شمال إسرائيل.
وقال الجيش في وقت سابق إن حزب الله أطلق وابلا يقدّر بـ50 صاروخا من جنوب لبنان على هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل.
وفي إعلان آخر قالت إسرائيل إنها رصدت نحو 90 مقذوفا قادما من لبنان تسنى اعتراض عدد منها وسقط الباقي في عدة مواقع بشمال إسرائيل متسببا في اشتعال حرائق في عدد من المناطق.
وقالت المصادر في لبنان، طالبة عدم نشر أسمائها، إن أبوطالب كان أرفع مكانة من وسام الطويل القيادي الكبير بحزب الله الذي قتل في غارة إسرائيلية في يناير. ووصفت حركة حماس طالب عبدالله في بيان نعي بأنه قائد كبير. وذكرت المصادر الأمنية أن القتلى الأربعة استُهدفوا على الأرجح خلال اجتماع.
وقُتل نحو 300 من مقاتلي حزب الله، أي أكثر من المقاتلين الذين خسرتهم الجماعة في 2006. وتقول إسرائيل إن الهجمات من لبنان تسببت في مقتل 18 جنديا إسرائيليا و10 مدنيين.
وذكر الجيش الإسرائيلي أنه قتل أكثر من 320 عضوا من حزب الله، من بينهم 100 على الأقل استُهدفوا بعدما جمع عنهم عملاء ميدانيون “معلومات استخباراتية دقيقة”.