إسرائيل تؤكد تصفية محمد الضيف وحماس تنفي

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل قائد كتائب القسام في ضربة جوية دقيقة الشهر الماضي، وذلك بعد يوم من اغتيال إسماعيل هنية في طهران.
الخميس 2024/08/01
تصفية الضيف واثنين من الحركة في عملية المواصي

القدس - أكد الجيش الاسرائيلي الخميس تصفية قائد الجناح العسكري لحركة حماس محمد الضيف في غارة نفذها في 13 يوليو في منطقة خان يونس بجنوب قطاع غزة، فيما تمسكت الحركة بالنفي مشيرة إلى أنه بخير ويتابع مزاعم إسرائيل باغتياله.

ويأتي تأكيد الجيش لمقتل محمد الضيف (58 عاما) بعد يوم من مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، بغارة نسبت إلى إسرائيل وأثارت مخاوف من توسع النزاع في خضمّ الحرب الدائرة في غزة.

ويعتقد أن إسرائيل بتأكيدها على مقتل الضيف في هذا التوقيت تسعى إلى توجيه ضربة نفسية لحماس ولحلفائها في المنطقة، بعد تأكد مقتل قائد عمليات حزب الله فؤاد شكر في الضاحية جنوب بيروت، وأيضا لإثبات قدرة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تنفيذ وعدها بقتل قادة الحركة الفلسطينية.

وقال الجيش في بيان باللغة العربية نشره على منصّة إكس أنه "بعد التأكد استخباريًا: جيش الدفاع وجهاز الأمن العام قضيا على المدعو محمد الضيف" مؤكدا أن "الطائرات الحربية أغارت بشكل دقيق على المجمع" الذي كان فيه.

من جهته قال وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت على منصة إكس "إن القضاء على محمد الضيف هو خطوة كبيرة على طريق القضاء على حماس كمنظمة عسكرية وحكومية".

واعتبر ان نتائج العملية العسكرية تكشف أن "حماس منظمة في حالة تفكك، وأن على الإرهابيين أن يختاروا بين الاستسلام والموت".

وردا على هذا التأكيد قال القيادي في حركة حماس محمود مرداوي، اليوم الخميس، في تصريح لقناة "العربية" السعودية إن قائد الجناح العسكري للحركة محمد الضيف بخير ويتابع مزاعم إسرائيل باغتياله.

وتابع الجيش في بيانه بأن الضيف هو "الرقم اثنين في حماس وكان من المبادرين والمدبرين لتنفيذ مجزرة السابع أكتوبر الدموية".

وشنت حماس في ذلك النهار هجوما غير مسبوق على إسرائيل أدى إلى مقتل 1195 شخصا معظمهم من المدنيين، بحسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام إسرائيلية.

وردت إسرائيل متوعدة بـ"القضاء" على حماس، وهي تنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمرة على قطاع غزة وهجمات برية أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 39480 شخصا معظمهم أيضا من المدنيين، وفق بيانات وزارة الصحة في القطاع الذي تسيطر عليه حماس.

وكانت إسرائيل أعلنت أن الغارة التي نفذتها في 13 يوليو قتلت رافع سلامة، قائد لواء خان يونس التابع لكتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس. وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة إن الغارة قتلت أكثر من 90 شخصًا، لكن حماس نفت أن يكون الضيف من بينهم.

وقال المتحدث باسم الجيش آنذاك دانيال هاغاري إن سلامة والضيف "كانا يجلسان الواحد بجانب الآخر وقت الغارة"، مضيفا أن حماس "تخفي ما حدث" للثاني.

في المقابل نفى نائب رئيس حركة حماس في غزة خليل الحية مقتل الضيف، قائلا "نقول لنتنياهو إن محمد الضيف يسمعك الآن ويستهزئ بمقولاتك الكاذبة".

الضيف يعتبر هدفا لإسرائيل منذ سنوات عدة
الضيف يعتبر هدفا لإسرائيل منذ سنوات عدة

كان محمد الضيف أحد العقول المدبرة لهجوم السابع من أكتوبر على جنوب إسرائيل، شخصية غامضة لها مسيرة طويلة محاطة بالسرية في الحركة الفلسطينية، وظل مطلوبا من إسرائيل لعقود من الزمن.

وأفلت الضيف قبل ذلك من سبع محاولات إسرائيلية لاغتياله، كان آخرها في عام 2021. وعلى مدى شهور منذ هجوم أكتوبر، يُعتقد أن الضيف كان يوجه العمليات العسكرية لحماس من الأنفاق والشوارع الخلفية في غزة، إلى جانب آخرين من كبار قادة الحركة.

وترقى الضيف في صفوف حماس على مدى أكثر من 30 عاما، إذ طور شبكة الأنفاق وأكسب الحركة خبرة في صنع المتفجرات. وتصدر الضيف قائمة المطلوبين لدى إسرائيل لعقود، ويُتهم بأنه وراء مقتل عشرات الإسرائيليين في تفجيرات انتحارية.

وقالت مصادر في حماس إنه فقد إحدى عينيه وأصيب بجروح خطيرة في إحدى ساقيه في واحدة من محاولات الاغتيال الإسرائيلية. واكتسب نظرا لنجاته من محاولات الاغتيال مكانة البطل الشعبي الفلسطيني.

وخطط الضيف واثنان آخران من قادة حماس في غزة لهجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول الذي تقول الإحصاءات الإسرائيلية إنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز أكثر من 250 رهينة، في أعنف هجوم منذ قيام إسرائيل قبل 75 عاما.

وعقب الهجوم، توعدت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالقضاء على الرجال الثلاثة، وهم يحيى السنوار زعيم حماس في غزة والضيف ونائبه مروان عيسى الذي أعلنت إسرائيل عن مقتله في مارس آذار.

وأطلق الضيف اسم "طوفان الأقصى" على الهجوم في تسجيل صوتي تم بثه بينما كانت حماس تطلق آلاف الصواريخ من قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر تشرين الأول، وأشار إلى أن الهجوم يأتي ردا على "الاقتحامات" الإسرائيلية للمسجد الأقصى.

ووفقا لمصدر مقرب من حماس فقد بدأ الضيف التخطيط للعملية بعد مداهمة للمسجد الأقصى في مايو أيار 2021 فجرت الغضب في العالم العربي والإسلامي.

وقال المصدر إن الهجوم "سببه اللقطات التي أظهرت اقتحام المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وضرب المصلين والاعتداء عليهم، وسحب الشيوخ والشبان إلى خارج المسجد... لقد أشعل هذا الغضب".

وفي ذلك الوقت اتهمت إسرائيل الفلسطينيين بمحاولة التحريض على العنف في القدس، وهو ما نفاه الفلسطينيون.

وتسبب اقتحام المسجد الأقصى في اشتعال حرب بين إسرائيل وحماس استمرت 11 يوما.

لا تتوافر سوى ثلاث صور للضيف، واحدة وهو في العشرينات، والثانية وهو ملثم، والثالثة معتّمة لا تظهر فيها ملامحه، وهي التي تم استخدامها عند بث التسجيل الصوتي في السابع من أكتوبر تشرين الأول.

ونادرا ما كان الضيف (58 عاما) يتحدث ولا يظهر قط في العلن، لذا حينما أعلنت فضائية الأقصى التابعة لحماس أنه سيلقي كلمة يوم السابع من أكتوبر أدرك الفلسطينيون أن الأمر جلل.

وقال الضيف في التسجيل الصوتي "يا أحرار العالم، اليوم ينفجر غضب الأقصى وغضب شعبنا وأمتنا وأحرار العالم... مجاهدينا الأبرار هذا يومكم لتفهموا العدو المجرم أنه قد انتهى زمنه".

وتعتبر إسرائيل ودول غربية حركة حماس المتحالفة مع إيران، وهي حركة دبرت تفجيرات انتحارية في إسرائيل وخاضت معها عدة حروب، جماعة إرهابية تسعى إلى تدمير إسرائيل.

أما بالنسبة للفلسطينيين المناصرين للحركة فإن قادة حماس مقاتلون من أجل التحرر من الاحتلال الإسرائيلي وإبقاء القضية الفلسطينية حية وسط فشل الدبلوماسية الدولية في مساعدتهم.

وقال المصدر المقرب من حماس إن قرار الإعداد للهجوم تم اتخاذه بشكل مشترك بين الضيف قائد هيئة أركان كتائب القسام والسنوار زعيم حماس في غزة، ولكن كان من الواضح أن الضيف هو مهندس الهجوم.

وأضاف "هناك عقلان، ولكن المدبر واحد"، مضيفا أن المعلومات حول العملية لم تكن معروفة سوى لعدد قليل من قادة حماس.

وقال مصدر أمني إسرائيلي إن الضيف شارك بشكل مباشر في التخطيط والجوانب العملياتية للهجوم.

تضمنت الخطة التي وضعها الضيف جهدا طويلا في الخداع. وجرى إيهام إسرائيل بأن حماس لا تأبه بإشعال صراع بل تركز على التنمية الاقتصادية في غزة التي تسيطر عليها.

لكن بينما بدأت إسرائيل في تقديم حوافز اقتصادية للعمال من غزة كان مقاتلو الحركة يتلقون التدريبات على مرأى من الجيش الإسرائيلي في كثير من الأحيان، حسبما قال المصدر المقرب من حماس.

وقال الضيف بصوت هادئ في التسجيل الصوتي إن حماس حذرت إسرائيل مرارا طالبة منها وقف جرائمها بحق الفلسطينيين، وإطلاق سراح السجناء الذين قال إنهم تعرضوا للإيذاء والتعذيب، وكذلك وقف مصادرة الأراضي الفلسطينية.

وأضاف "في ظل الجرائم المتواصلة بحق أهلنا وشعبنا وفي ظل عربدة الاحتلال وتنكره للقوانين والقرارات الدولية وفي ظل الدعم الأمريكي والغربي والصمت الدولي فقد قررنا أن نضع حدا لكل ذلك".

ويقول مسؤولو الصحة في غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية أدت حتى الآن إلى مقتل 39480 فلسطينيا وتحويل أنحاء واسعة من القطاع إلى أنقاض. وتقول إسرائيل إنها تهدف للقضاء على حماس.

وطلب مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في شهر مايو أيار إصدار مذكرات اعتقال بحق الضيف والسنوار وقيادي ثالث في حماس على إثر هجوم السابع من أكتوبر تشرين الأول، كما طلب إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي بسبب الرد الإسرائيلي.

ورفضت كل من إسرائيل وحماس اتهامات المحكمة، واعترضتا على إعلان طلب إصدار مذكرات الاعتقال في اليوم ذاته وكأنه يسوي بين الطرفين رغم أنهما يواجهان اتهامات مختلفة.

وولد الضيف باسم محمد المصري عام 1965 في مخيم خان يونس للاجئين الذي أنشئ بعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، واشتهر باسم محمد الضيف بعد انضمامه إلى حماس خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي تفجرت عام 1987.

وقال مصدر في حماس إن إسرائيل اعتقلت الضيف عام 1989 وقضى نحو 16 شهرا في السجن.

وحصل الضيف على شهادة في العلوم من الجامعة الإسلامية بغزة، حيث درس علوم الفيزياء والكيمياء والأحياء. وأبدى انجذابه للفنون أيضا إذ ترأس لجنة الترفيه بالجامعة وأدى أدوارا في أعمال كوميدية على خشبة المسرح.

وقُتلت زوجته ووليد له كان عمره سبعة أشهر فقط وابنة في الثالثة من عمرها في غارة جوية إسرائيلية في عام 2014.