إسرائيل الحليف الإستراتيجي والصديق المهمش

إذا ما غصنا في عالم المؤامرات السري أكثر سنلاحظ أن الموقف الإيراني السلبي من حليفتها حركة حماس جعل نتنياهو متأكدا مئة في المئة من أن حربا إقليمية لن تقع في المنطقة بسبب ما يفعله.
الجمعة 2025/05/23
من يحكم من؟

حين جُنّت إسرائيل بعدما حدث في السابع من أكتوبر 2023 وجد بنيامين نتنياهو فرصته الذهبية؛ أولا للتخلص من الضغوط الداخلية التي كانت تدفع في اتجاه عزله سياسيا، وثانيا لتحقيق حلمه في أن يكون بطل شعب إسرائيل الجديد الذي يقاتل من أجل أن يكون المستقبل أكثر أمانا، من خلال إنهاء الخطر الذي كان يتجدد دوريا بسبب وجود حركة حماس في غزة وحزب الله جنوب لبنان على الحدود الشمالية لدولته.

لقد نجح نتنياهو في تحييد خصومه السياسيين في الداخل وإخماد أصواتهم كما أنه اتبع سياسة الاقتلاع تجاه أعدائه في الخارج فكانت التصفيات والاغتيالات الفردية والجماعية سلاحه الذي عزز من خلاله حرب الإبادة التي شنها على كل ما يعتقد أنه على صلة بحماس وحزب الله من البشر والمباني والمؤسسات، بحيث لم يعد يفرّق بين مقر لحزب الله ومستشفى في غزة. حرب هي في حقيقتها لم تكن ردا دفاعيا أوجبه الخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبه الجناح العسكري في حماس بقدر ما هي استمرار للنهج الصهيوني القائم أصلا على القتل الممنهج لكل ما هو فلسطيني. “أقتل فلسطينيا” ذلك هو الشعار الذي يربي الإسرائيليون أطفالهم عليه.

غير أن نتنياهو ما كان له أن يفتح أبواب الجحيم كلها لولا الدعم الذي تلقاه في وقت قياسي من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي قاطبة والتي فتح عدد منها مخازن سلاحه من أجل أن تكون تلك الحرب أكثر ضراوة وأشد قسوة. ناهيك عن صمت المحور العالمي المقابل الذي يستند أصلا على جداري الصين وروسيا.

وإذا ما غصنا في عالم المؤامرات السري أكثر سنلاحظ أن الموقف الإيراني السلبي من حليفتها حركة حماس حيث صار الإيرانيون يؤكدون براءتهم من طوفان الأقصى كان قد جعل نتنياهو متأكدا مئة في المئة من أن حربا إقليمية لن تقع في المنطقة بسبب ما يفعله. لم تتعرض إسرائيل عبر أكثر من سنة ونصف السنة وبعد سقوط عشرات الألوف من المدنيين في غزة التي محي الجزء الأكبر من ملامحها المدنية لأيّ نوع من المساءلة القانونية في مجلس الأمن الدولي ولا في المنظمات التابعة للأمم المتحدة. الاستثناء الوحيد حدث في المحكمة الجنائية الدولية التي اتهمت قادة إسرائيل وحماس سوية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ذلك حدث غير مسبوق.

◄ نتنياهو نجح في تحييد خصومه في الداخل وإخماد أصواتهم واتبع سياسة الاقتلاع تجاه أعدائه في الخارج فكانت التصفيات والاغتيالات الفردية والجماعية سلاحه الذي عزز من خلاله حرب الإبادة

وعلى الرغم من أن نتنياهو قد أنهى مهمته في إخراج حركة حماس وحزب الله من الحرب بعد إلحاق هزيمة بهما ستجعل من الصعب أن يتجدد خطرهما في وقت قريب فإنه لا يزال مستمرا في حربه بحجة استمرار حركة حماس في احتجاز عدد من الرهائن. تلك حجة واهية في ظل عزوف حكومة إسرائيل عن التفاوض مع حركة حماس التي عرضت مؤخرا تنازلها عن حكم غزة مقابل إيقاف الحرب. ذلك كله لم يكن مؤثرا في صنع معادلات سياسية جديدة من شأنها أن تردع إسرائيل ورئيس حكومتها.

ترامب وحده كان قادرا على إحداث خضة في المشهد العالمي الذي تقع غزة في قلبه، من جهة ما تمثله من مأساة إنسانية. ذهب الرئيس الأميركي إلى السعودية وقطر والإمارات. ما علاقة تلك الزيارة بإسرائيل وحربها في غزة؟ أولا، شعرت إسرائيل أنها قد هُمّشت أثناء تلك الزيارة. ذلك لأنها لم تشملها. ثانيا، اجتازت دول أوروبية مرحلة ترددها بسبب تصريحات ترامب المحبة للعرب فغيّرت موقفها وصارت تطالب إسرائيل بوقف حربها فورا. أما ترامب نفسه فإنه لم يعد قادرا على تحمّل ما يجري.

وكما يبدو فإن نتنياهو أدرك أن استهجانه لزيارة ترامب للدول العربية لن يكون نافعا في مواجهة إجماع أوروبي على المطالبة بوقف الحرب. ذلك ما دفعه إلى إرسال وفد دائم إلى الدوحة لاستئناف المفاوضات مع حماس. ذلك ما يعني أنه نفض يديه من إمكانية الضغط على الإدارة الأميركية وهو ما كان في أوقات سابقة على يقين من أنه يجدي نفعا. بل إن الكثير من المحللين كانوا قد استسلموا لفكرة أن إسرائيل هي التي تحكم أميركا وليس العكس.

لقد تغيّر العالم وتغيرت معادلاته السياسية. وإذا ما كانت سياسة إيران قد هيأت لإسرائيل أسباب حرب الإبادة التي شنتها على غزة فإن السياسة العربية تدفع الآن في اتجاه سلام غير مسبوق، تكون الولايات المتحدة هي رائدته متبوعة بدول الاتحاد الأوروبي. ذلك ما يعني أن المنطقة تعيش الآن في ظل مناخ سياسي جديد عنوانه السلام الأميركي. غير أن حقيقته تكمن في مسعى عربي للبحث عن حلول عادلة للقضية الفلسطينية.

8