إسرائيل استهدفت منشآت أسلحة كيمياوية في سوريا خلال العامين الماضيين

القدس - ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الاثنين أن إسرائيل ضربت مرتين منشآت أسلحة كيمياوية في سوريا على مدى العامين الماضيين، في حملة تستهدف منع دمشق من استئناف إنتاج الأسلحة الكيمياوية.
وتنفي الحكومة السورية استخدام أسلحة كيمياوية، ووعدت في 2013 بتسليم أسلحتها الكيمياوية، وهو ما تقول إنها فعلته.
وذكرت الصحيفة أن طائرات إسرائيلية ضربت في الثامن من يونيو ثلاثة أهداف عسكرية بالقرب من العاصمة دمشق ومدينة حمص، وقتل خلال الغارات سبعة جنود سوريين، من بينهم ضابط كبير بدرجة كولونيل.
ونقلت الصحيفة عن خبراء استخباراتيين وأمنيين حاليين وسابقين قولهم إنه على عكس الهجمات العادية السابقة المنسوبة لإسرائيل ضد أهداف إيرانية في سوريا، هذه الهجمات وجهت تجاه منشآت للجيش السوري، وجميعها مرتبطة ببرنامج الأسلحة الكيمياوية، والذي أعلن سابقا أن النظام السوري قام بتفكيكه.
وبحسب الخبراء الاستخباراتيين والأمنيين الحاليين والسابقين الذين تحدثوا مع الصحيفة حول الموضوع، فإن الهجمات في يونيو كانت جزءا من حملة ضد ما تقدره إسرائيل بأنه محاولة من قبل دمشق لاستئناف إنتاج غاز الأعصاب الفتاك.
وأضافت أنه في مارس من العام الماضي استهدفت إسرائيل فيلا ومجمعا لهما علاقة بشراء مواد كيمياوية يمكن استخدامها في غازات الأعصاب.
ولفتت الصحيفة إلى أنه من غير الواضح ما إذا كانت الهجمات قد نجحت بالكامل في تعطيل خطط سوريا.
وأكد أربعة مسؤولين استخباراتيين حاليين وسابقين في دول غربية أن قرار تل أبيب تنفيذ تلك الغارات، جاء بعد الحصول على معلومات دقيقة، تفيد بأن النظام السوري حصل على مواد ولوازم من أجل إعادة إطلاق برنامجه الكيمياوي.
كما أوضحوا أن تلك الغارات عكست قلق الأجهزة الإسرائيلية الكبير من نجاح دمشق قبل عامين في استيراد عناصر كيمياوية تستخدم في إنتاج غاز السارين.
وقال مسؤولان استخباراتيان غربيان إن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يعتزمون أن تكون الضربات استباقية، مما يقضي على قدرات الإنتاج في البلاد قبل أن يتم تصنيع أسلحة فعلية، مشيرين إلى أن أي محاولة لتفجير مخزون موجود من عوامل الأعصاب تخاطر بإطلاق أعمدة من الغازات القاتلة، التي يمكن أن تنتشر في البلدات والقرى المجاورة.
وخلصت تحقيقات متكررة من جانب الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية إلى أن قوات الحكومة السورية استخدمت غاز الأعصاب، السارين، وغاز الكلور في هجمات بين عامي 2015 و2018، ويقول المحققون إنها تسببت في قتل وإصابة الآلاف.
وفي وقت اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، سيطرت دمشق على واحد من أكبر مخزونات الأسلحة الكيمياوية وأكثرها تقدما في العالم، بما في ذلك مئات الأطنان من السارين الثنائي، وهي من أكثر عوامل الحرب الكيمياوية فتكا على الإطلاق.
وأعادت الحكومة السورية استعمال ترسانتها الكيمياوية لاستخدامها في الهجمات ضد المتمردين المناهضين للأسد، وصدمت العالم في أغسطس 2013 بهجوم ضخم بغاز السارين أسفر عن مقتل ما يقدر بـ1400 مدني، معظمهم من النساء والأطفال، في ضواحي دمشق.
وفي مواجهة التهديد بضربة عسكرية من قبل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وافق الأسد على التخلي عن الأسلحة الكيمياوية والسماح للمفتشين الدوليين بالإشراف على تدمير مخزون أسلحته بالكامل، إلى جانب جميع مراكز الإنتاج ومعدات التصنيع.
وفي عملية دولية غير مسبوقة، تم سحب حوالي 1300 طن من العوامل الكيمياوية من سوريا، لتدميرها في محارق على متن سفينة أميركية معدلة بشكل خاص في البحر المتوسط.
ومع ذلك، استمر الأسد في استخدام الأسلحة الكيمياوية، بشكل رئيسي الكلور الكيميائي الصناعي، وهو بديل خام لعوامل الأعصاب الفتاكة، في أكثر من 200 هجوم ضد معاقل المتمردين، كما استمرت الهجمات على الرغم من تحذيرات إدارة أوباما وعلى الرغم من الغارتين الجويتين على منشآت عسكرية سورية بأمر من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وخلص مسؤولو المخابرات الأميركية في وقت لاحق إلى أن الأسد احتفظ أيضا بجزء صغير من مخزونه من السارين، واستخدم بعضا منه في مناسبتين على الأقل بعد عام 2017. ومنذ عام 2018 كانت هناك تقارير عديدة حول جهود سورية مزعومة لتصنيع أسلحة كيمياوية جديدة، لكن دون دليل.
ويلاحظ خبراء الأسلحة أن المزاعم حول البرامج البيولوجية والكيمياوية السرية غالبا ما تكون غير دقيقة، كما اكتشفت وكالات المخابرات الأميركية بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003.
وقال جريج كوبلنتز، الأستاذ المشارك وخبير الدفاع البيولوجي في كلية شار للسياسة والحكومة بجامعة جورج ميسون، "شراء سوريا لهذه المادة الكيميائية، حتى من خلال قنوات السوق السوداء، لا يشير إلى غرض شرير"، مضيفا "في حالة سوريا، يبدو أن المزاعم أكثر مصداقية بسبب السجل الراسخ لنظام الأسد في الغش في التزاماته بموجب المعاهدة".
واستطرد قائلا إن "سوريا تخفي المكونات الرئيسية لبرنامج أسلحتها الكيمياوية منذ أن وقّعت اتفاقية الأسلحة الكيمياوية في 2013".
وأضاف "ربما يكون الأسد قد قرر الحفاظ على أفضل أسلحته كنوع من بوليصة التأمين ضد انهيار النظام، ولكن الآن بعد أن استعادت سوريا السيطرة على معظم أراضيها، من المنطقي أن يرغب نظام الأسد في إعادة بناء برنامج الأسلحة الكيمياوية، ليستخدمه مرة أخرى كرادع استراتيجي ضد خصمه القديم، إسرائيل".
ونفذت إسرائيل المئات من الغارات الجوية في سوريا، إلا أنها قلما اعترفت بذلك رسميا. لكن الحكومات المتعاقبة وعدة مسؤولين إسرائيليين أكدوا أنهم لن يتهاونوا مع الوجود الإيراني أو تسليم أسلحة إلى جماعات حليفة لطهران على الأراضي السورية، معتبرين أن من شأن ذلك تهديد الأمن القومي لبلادهم.