إرهابيون في الجزائر.. لاجئون سياسيون في فرنسا

الجزائر - تحصل المدون والناشط السياسي المعارض أمير بوخرص على صفة اللاجئ السياسي في فرنسا بعد سنوات من الانتظار، لينضاف بذلك إلى مدونين وإعلاميين آخرين، بينما صنف في الجزائر منذ صيف العام 2021 في لائحة الإرهابيين المطلوبين للدولة، إلى جانب كيانات أخرى، صنفت أيضا ضمن المنظمات الإرهابية، الأمر الذي يطرح مدى جدية السلطات الفرنسية في التعاون مع نظيرتها الجزائرية في مجال تسليم المطلوبين، ومدى قدرة الدبلوماسية على ملاحقة معارضي السلطة.
وكشف ناشطون سياسيون يقيمون خارج الجزائر عن حصول المدون والناشط السياسي أمير بوخرص (أمير دي زاد)، على صفة اللاجئ السياسي في فرنسا، وهو ما أكده في تسجيل صوتي على شبكات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يعد انتصارا للمعني، على الجهود والمساعي التي بذلتها الحكومة الجزائرية من أجل استلامه من السلطات الفرنسية.
وأصدر القضاء الجزائري عدة مذكرات توقيف دولية من أجل توقيف وتسليم المدون، غير أن فريقا من المحامين خاض معركة قضائية خلال الصيف الماضي، لإبطال مفعول المذكرات المذكورة، وهو ما تم فعلا من طرف محكمة مختصة في باريس، مستندة في ذلك إلى ما وصفته بـ”الأبعاد والخلفيات السياسية”، التي تقف وراء إلحاح السلطات الجزائرية في طلب أمير بوخرص.
◙ سياسة الغلق الإعلامي في الجزائر سمحت ببروز مجموعة من المدونين والإعلاميين في مختلف العواصم الأوروبية
وكانت الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، قد أصدرت في صائفة العام 2021، لائحة بأسماء منظمات وأشخاص تم تصنيفهم في خانة الكيانات الإرهابية والإرهابيين، ومن بينهم المدون أمير بوخرص، وذلك في أعقاب صدور ما يعرف بـ”البند 87 مكرر” من قانون العقوبات الذي أعاد تكييف وتصنيف الأفعال الإرهابية، غداة الحرائق الضخمة التي شهدتها حينها منطقة القبائل، وخلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة، من بينها الجريمة المروعة التي راح ضحيتها الناشط والمتطوع جمال بن إسماعيل.
وضغطت السلطات الجزائرية بقوة على السلطات الفرنسية من أجل تسليمها المدون أمير دي زاد، وناشطين سياسيين معارضين آخرين، ولا يستبعد أن يساهم القرار الأخير بإدراج المدون المذكور في خانة اللاجئين السياسيين الذين يحظون بالحماية الدولية وبعدة امتيازات، في زرع لغم جديد على محور الجزائر – باريس، الباحث عن تطبيع بدأت بوادره تلوح بعد تعيين باريس لسفير لها في الجزائر، وتوجيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوة متجددة للرئيس الجزائري عبدالمجيد لتبون من أجل زيارة فرنسا.
وأصدرت الجزائر أحكاما قضائية مغلظة تترواح بين الإعدام والسجن المؤبد وعقوبة العشرين عاما سجنا نافذة في حق العديد من الناشطين المعارضين للسلطة، لكن استفادة الإعلاميين عبدالرحمن سمار وسيد أحمد بن عطية من اللجوء السياسي في فرنسا، أضفى على نشاط هؤلاء طابعا سياسيا تدعمه منظمات وجمعيات حقوقية، عكس ما تروج له السلطات الجزائرية على أنه نشاط إرهابي يهدد مصالح واستقرار البلاد.
وسمحت سياسة الغلق الإعلامي المطبقة في السنوات الأخيرة على الإعلام المحلي، ببروز مجموعة من المدونين والإعلاميين المنتشرين في مختلف المدن والعواصم الأوروبية، الذين باتوا يشكلون مصدرا أساسيا لكل الأخبار والمعلومات الحساسة، خاصة صراعات الأجنحة السياسية، فضلا عن ربطهم لشبكة علاقات مهمة داخل مفاصل المؤسسات الرسمية تقوم بتزويدهم بمختلف المعلومات والملفات في إطار تصفية الحسابات والصراعات.
وطرح حصول هؤلاء على صفة اللاجئ السياسي، مدى جدية السلطات الفرنسية في التعاون مع نظيرتها الجزائرية، وقدرتها على إقناعها بعزل ملف المطلوبين السياسيين عن ملف العلاقات الثنائية المتراكمة بين البلدين، إلى جانب دور الدبلوماسية والمصالح الأمنية في استقدام هؤلاء الذين يبقون مصدر صداع حقيقي للسلطة، خاصة وأنهم يحوزون قدرة معتبرة على التأثير على توجهات الرأي العام الداخلي.
وكان المدون أمير دي زاد، قد بدأ مسيرته كشاب جزائري “حراق” في مختلف المدن والعواصم الأوروبية منذ سنوات طويلة، قبل أن يدخل على خط النشاط السياسي المعارض للرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، ثم الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، وبينهما المؤسسة العسكرية المؤثرة في إدارة الشأن العام بالبلاد، كما كان أحد المؤثرين في حشد وتجييش احتجاجات الحراك الشعبي (2019 – 2021).
◙ المدون أمير دي زاد بدأ مسيرته كشاب جزائري "حراق" قبل أن يدخل على خط النشاط السياسي المعارض للرئيس الراحل بوتفليقة ثم لعبدالمجيد تبون
ولم يعد النشاط الإرهابي في التعريف الجزائري يقتصر على الجماعات الجهادية والتنظيمات الإسلامية المسلحة، وتم تمديده للأنشطة المهددة لمصالح الدولة وأمن واستقرار البلاد، بما فيها السعي إلى الوصول إلى السلطة خارج القنوات الدستورية، وهو التعريف الذي أثار موجة انتقادات سياسية وحقوقية، واعتبر مطية للتضييق على الحريات وعلى نشاط القوى المعارضة للسلطة.
ويأتي على رأس هؤلاء، حركة استقلال القبائل (ماك)، وحركة رشاد الإسلامية، وتمت متابعة عدة خلايا خلال الأشهر الأخيرة بتهم الصلة مع الحركة الانفصالية، بينما صدرت أحكام مغلظة على زعيمها فرحات مهني، غير أن الأخير يدير نشاطه بكل أريحية في فرنسا حيث يحظى بحماية رسمية، الأمر الذي لا يزال يزعج الجزائريين في مسار أي تسوية سياسية بينهم وبين الفرنسيين.
وكانت الجزائر قد استعادت منذ سنتين عددا من الناشطين والمدونين المعارضين للسلطة، غير أنهم يبقون مطلوبين من الصف الثاني والثالث، في ظل عدم قدرتها على استقدام مطلوبين بارزين كما هو الشأن لبعض الضباط والمسؤولين السابقين وأمير بوخرص.. وغيرهم، حيث استلمت من السلطات الإسبانية ضاطبي الصف محمد عبدالله، ومحمد بن حليمة، ومن ألمانيا منذ أسابيع قليلة يعقوب بلحساني.