إرسال قوات أفريقية خيار مطروح لإنهاء الصراع في السودان

يجري نقاش موسع حول إمكانية إرسال قوات أفريقية إلى السودان، بعد أن فشلت الجهود الإقليمية والدولية في إحراز أي تقدم دبلوماسي، حيث لا تزال الجبهات مشتعلة ولايزال الجيش يعتقد أن بامكانه حسم الصراع لصالحه عسكريا، رغم أن الواقع يقول عكس ذلك.
الخرطوم - بات إرسال قوات أفريقية أحد الخيارات المطروحة للدفع باتجاه إنهاء النزاع المستمر في السودان، بعد أن اصطدمت جميع الجهود الدبلوماسية بتشدد من قبل الجيش السوداني. ولم تتفاعل قيادة الجيش بشكل إيجابي، مع أي من المبادرات الدبلوماسية التي طرحت منذ اندلاع النزاع مع قوات الدعم السريع في أبريل 2023، وآخرها المبادرة الأميركية في جنيف.
وكشفت تصريحات أدلى بها المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو عن نقاش جري مع الاتحاد الأفريقي بشأن تجهيز قوات محايدة لحماية المدنيين من الحرب، عن أن الولايات المتحدة حسمت أمرها بالتحرك لوقف الصراع عبر البوابة الأفريقية التي يمكن أن تلقى قبولاً لدى أطراف سودانية، وتتجاوز تعقيدات الفيتو الروسي أو الصيني، حال جرى طرح التدخل وفقًا للفصل السابع.
وبحث بيرييلو في العاصمة الكينية نيروبي، الأربعاء، اتخاذ خطوات جديدة تتعلق بوقف الصراع ومن بينها فرضية إعداد وتجهيز قوات أفريقية للتدخل، من دون أن يحدد توقيت هذا التدخل.
ومن المتوقع أن يجري خلال الفترة المقبلة التركيز على القضايا الحيوية بالنسبة لكل السودانيين، الذين يسعون للسلام والانتقال السلمي المدني في البلاد. وبرز إجماع دولي واسع، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، لوقف الحرب والعودة إلى مسار الحكم المدني الديمقراطي، وباتت هناك قناعة بأن الضغط على الطرفين المتحاربين في الوقت الراهن غير كافٍ لتحقيق ذلك.
وتشي الخطوات الجارية بأن التدخل العسكري شبه حتمي، حيث يفرض تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان تحركا أكثر فاعلية. وتدرك الولايات المتحدة وجود فراغ وجب سده، وترى بأن صورتها تعرضت للاهتزاز بعد أن فشلت في إرغام الجيش على الجلوس على طاولة المفاوضات في العاصمة السويسرية جنيف.
وأوضح أن تأثير روسيا أكثر قوة من حجم الضغوط التي مارستها، ولعل ذلك يفسر الجولات المكوكية التي قام بها المبعوث الأميركي إلى دول الجوار وهدفت إلى إيصال رسائل للجيش مفادها أن استمراره على موقفه سيقود لتعقيدات عديدة ولن يكون سهلاً عليه تحقيق الحسم العسكري الذي يتخذه ذريعة لعدم وقف الحرب.
ويعكس قرار سلطة خفر السواحل الأميركية بفرض قيود على دخول السفن القادمة من السودان باعتباره من البلدان التي تبين أنها تعاني من قصور في تدابير مكافحة الإرهاب في موانئها كدليل على حجم القلق الذي ينتاب الولايات المتحدة، إذ تتزايد المخاوف بشأن سواحل السودان على البحر الأحمر مع إعادة علاقاته الدبلوماسية مع إيران، واتفاقه السابق مع روسيا بشأن إنشاء قاعدة بحرية على سواحله.
وقالت سلطة خفر السواحل الأميركية، الأربعاء، إن موانئ السودان فشلت في الحفاظ على تدابير فعالة لمكافحة الإرهاب، والرقابة التي تقوم بها السلطات ومراقبة الدخول، ومراقبة الأمن، وبرامج التدريب الأمني، وتدريبات الخطط الأمنية، كلها قاصرة.
وأكد عضو الأمانة العامة لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) كمال بولاد أن حديث المبعوث الأميركي جاء استجابة لتقرير أعدته لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة مؤخرا، والذي رصد معظم تجاوزات خطيرة حدثت منذ بدء الحرب، وأوصى بوجود قوات وصفها بـ”المحايدة لحماية المدنيين”، غير أن ذلك إجراء جزئي من بين جملة من الخطوات التي يجب على المجتمع الدولي اتخاذها للعمل على وقف الحرب.
وأضاف بولاد في تصريح لـ”العرب” أن قرار وقف الحرب عبر توقيع اتفاق متكامل توقع عليه كافة الأطراف يجب أن يكون مقدما على أي قرارات بشأن تدخل قوة إقليمية أو دولية لحماية المدنيين، وفي كل الحالات يجب أن يكون ذلك من خلال الدول الصديقة التي يهمها أمر السودان بهدف مراقبة وقف الحرب وإنهاء العدائيات ثم عودة المدنيين واللاجئين والنازحين إلى بلادهم وفتح الطريق إلى الاستقرار ومخاطبة القضايا السياسية التي تسببت في نشوب الحرب وتأسيس حكم مدني وتداول سلمي للسلطة.
ولفت إلى أن اتجاه الولايات المتحدة للاتحاد الأفريقي يعكس اهتمام بوقف الحرب ودعوته إلى اجتماعات مهمة بهذا الشأن للقوى المدنية خلال الشهر الماضي ولقربه من قضايا السودان، كما أن مشاركة قوة سلام أفريقية يمكن أن يحظى بقبول من السودانيين، غير أن ذلك ليس حلاً جيدا، والتوجه المباشر لوقف الحرب والضغط على الطرفين هو السبيل الأمثل.
وتوجه إلى مدينة بورتسودان، الخميس، أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي بقيادة مصر، التي تسلمت رئاسته هذا الشهر، في أول زيارة من نوعها منذ اندلاع الحرب، بهدف التواصل مع أصحاب المصلحة واستكشاف السبل المؤدية إلى السلام المستدام، في ظل تعويل سوداني على أن تلعب القاهرة دوراً في الحل السياسي ووقف الحرب.
وتوصل الاتحاد الأفريقي في مايو من العام الماضي إلى صيغة بشأن التدخل لحماية المدنيين، تضمنت إدخال قوات أفريقية مدعومة من الأمم المتحدة لتشرف على وقف دائم لإطلاق النار، وإخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن المدن، ونشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الحيوية، ومعالجة الأزمة الإنسانية، والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة.
وقال رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوحدوي صديق أبوفواز إنه رفض أي تدخلات أجنبية في السودان، لكن حال جرى السماح لدخول قوات لحفظ السلام فإن ذلك يجب أن يبقى عقب التوصل لاتفاق سلام كما حدث ذلك من قبل في دارفور، وأن التدخل يدعم مخطط التقسيم، لأن الحرب تشتغل بين طرفين يسيطر كلاهما على مناطق بعينها، وحال حدث هذا التدخل فكل شخص سوف يتمسك بما يسيطر عليه.
وتساءل في تصريح لـ”العرب” كيف سيكون التدخل الدولي في ظل عدم وجود حكومة معترف بها دوليا، وعدم وجود دولة بالمعنى الحقيقي؟، كما أن حكومة الأمر الواقع لم تدع للتدخل وسيكون ذلك أحد أشكال الاستعمار، ما يجعل التفكير يجب أن ينصب حول التوصل لاتفاق يوقف إطلاق النار ثم تبدأ المرحلة الثانية المتعلقة بالمباحثات السياسية وكيفية ضمان تنفيذها.
وسبق أن نفذت الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول أوروبية عملية “شريان الحياة” في العام 1991 بالسودان. وهي عملية إنسانية سعت إلى مساعدة ملايين المحتاجين والعالقين في الحرب. وبعد أربع سنوات من اندلاع الحرب في دارفور في العام 2003، أنشأ مجلس الأمن الدولي في يوليو 2007 بعثة مشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعرفت البعثة اختصاراً بـ “يوناميد” وانتهت مهمتها قبل أربع سنوات.
وأصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2524 الذي قضى بتشكيل بعثة لدعم الانتقال السياسي في السودان عرفت باسم “يونيتامس” برئاسة الدبلوماسي الألماني فولكر بيرتس في يوليو 2020، تضمنت مهامها دعم الانتقال السياسي في السودان وحماية المدنيين، وانتهت مهمتها في ديسمبر 2023.