إرجاء الولايات المتحدة سحب قواتها يفرمل اندفاعة تركيا وإيران في سوريا

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمدد فترة الانسحاب إلى 4 أشهر، ونتنياهو يعتبر أن خروج واشنطن التدريجي فرصة لتحقيق التسوية السورية.
الأربعاء 2019/01/02
انسحاب بطيء

دمشق - كشفت وسائل إعلام أميركية عن مصادر وصفتها بالمطلعة أن الرئيس دونالد ترامب وافق على تمديد مهلة انسحاب القوات الأميركية من سوريا إلى 4 أشهر، الأمر الذي من شأنه وفق متابعين أن يفرمل اندفاعة قوى إقليمية (تركيا وإيران) لديها طموحات توسّعية في سوريا.

وخلّف قرار الرئيس الأميركي في 19 ديسمبر الماضي بسحب قوات بلاده سريعا من سوريا ردود فعل غاضبة في أوساط الحزب الجمهوري وأيضا من حلفائه الأوروبيين، كما أدى إلى تعميق حالة الانقسام داخل الإدارة الأميركية نفسها حيث أعلن عدد من المسؤولين بينهم وزير الدفاع جيمس ماتيس استقالته من منصبه.

واعتبر كثيرون أن انسحاب الولايات المتحدة بهذا الشكل من شأنه أن يدفع قوى مناوئة إلى المسارعة لملء الفراغ على غرار إيران، كما أنه يعطي رسالة سلبية إلى العالم مفادها تراجع قوة الولايات المتحدة خاصة مع صعود نجم كل من روسيا والصين.

ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مصدر مطلع قوله إن ترامب قبل تمديد فترة الانسحاب إلى أربعة أشهر. وذكرت الصحيفة أن الرئيس تطرّق إلى ذلك أثناء زيارته الأخيرة إلى العراق وتحدثه بشكل سري هناك مع قائد العملية العسكرية ضد داعش الجنرال بول لاكاميرا، ووعده بتوفير عدة أشهر للعسكريين الأميركيين لتنفيذ الانسحاب من سوريا.

وبدا موقف الرئيس الأميركي الاثنين متراجعا في تغريدات له على موقعه على تويتر، حيث تحدث عن انسحاب “بطيء” لقوات بلاده، معتبرا في الوقت نفسه أن إنجازاته في النزاع السوري تجعل منه “بطلا قوميا”.

وقال “نحن نعيد جنودنا ببطء إلى بلادهم ليكونوا مع عائلاتهم، وفي الوقت نفسه نحارب فلول داعش”، في إقرار ضمني بأن تهديد التنظيم الجهادي ما يزال قائما في سوريا على خلاف ما كان صرّح به في معرض إعلانه عن سحب القوات الأميركية، حيث بدا جازما بانتهاء خطر التنظيم.

وأعرب ترامب عن إحباطه من الانتقادات الموجهة إليه بسبب استراتيجيته في سوريا، وانتقد معارضيه والإعلام وقال إنه يجب الاعتراف بإنجازاته. وكتب في تغريدة “لو فعل أي شخص غير دونالد ترامب ما فعلته في سوريا التي كانت في حالة فوضى فاقمها داعش عندما أصبحت رئيسا، لكان بطلا قوميا”.

وأضاف “النتائج أفضل بكثير مما قلت إنها ستكون عليه. لقد خضت الحملة الانتخابية وفق أجندة معارضة للحروب التي لا تنتهي، هل تذكرون”.

ويرى مراقبون أن الضغوط التي تعرّض لها ترامب خلال الأيام الماضية كانت خلف استدارته، خاصة وأن هذا الانسحاب من شأنه أن يجعل حلفاء واشنطن في الداخل في مواجهة غير متكافئة مع قوى إقليمية تسعى للنيل منهم بداعي ما يشكلونه من تهديد لأمنها القومي.

واعتبر ريتشارد سبنسر، مراسل شؤون الشرق الأوسط بصحيفة التايمز، أن تغيير الرئيس الأميركي موعد انسحاب القوات الأميركية تسبب في قلق كبير لقوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي، والتي تدربها وتدعمها القوات الخاصة البريطانية والأميركية والفرنسية.

وينتشر نحو ألفي جندي أميركي في سوريا لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مناطق شاسعة من سوريا والعراق قبل أن يطرد منها خلال السنتين الماضيتين. ولا يزال موجودا في بعض الجيوب الحدودية بين البلدين الجارين.

وقد أحدث قرار ترامب صدمة في صفوف قوات سوريا الديمقراطية وخاصة الوحدات الكردية التي وجدت نفسها في موقف صعب في ظل تهديد تركيا باجتياح شرق الفرات والقضاء عليها.

وتعتبر أنقرة أن الوحدات الكردية هي امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمردا ضدها في جنوب شرق البلاد منذ ثمانينات القرن الماضي.

وعلى خلاف الموقف الروسي وحتى الإيراني حيث بدا الطرفان أكثر حذرا، غمرت حالة من النشوة القيادة التركية التي اعتبرت أن القرار الأميركي هو انتصار لها، وأنه جرى التوصل إليه على إثر الاتصال الهاتفي بين الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره دونالد ترامب.

Thumbnail

وخلال زيارة خاطفة للقوات الأميركية المتمركزة في العراق الأسبوع الماضي، قال ترامب إن الولايات المتحدة لن تكون “شرطي العالم” بعد الآن. وأضاف “نحن في دول لم يسمع بها معظم الناس مطلقا” في إشارة إلى انتشار القوات الأميركية في دول بينها أفغانستان والعراق وسوريا.

وتابع “لا نريد بعد الآن أن تستغلنا أي دولة وتستغل جيشنا العظيم لحمايتها”. ويلقى هذا الرأي إقبالا لدى العديد من الأميركيين، إلا أن المنتقدين ومن بينهم عدد من أقرب حلفاء واشنطن يؤكدون أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تتخلى عن دورها القيادي التقليدي.

والأحد اجتمع السيناتور ليندسي غراهام، وهو واحد من أهم حلفاء ترامب، مع الرئيس الأميركي لدعوته إلى إعادة التفكير في الانسحاب من سوريا. وأكد غراهام أن الرئيس وعد بالبقاء في سوريا حتى القضاء على تنظيم داعش.

وأوضح للصحافيين أمام البيت الأبيض بعدما التقى ترامب ساعتين حول غداء عمل، أن “الرئيس يُدرك أنّنا في حاجة إلى إتمام المهمّة”. وأضاف “أبلغني أمورا لم أكن أعرفها وجعلني ذلك أشعر بارتياح أكبر بشأن مسارنا في سوريا”.

ويرى مراقبون أن قرار ترامب بتخفيف وتيرة سحب القوات الأميركية، من شأنه أن يكبح الاندفاعة التركية في اجتياح شمال سوريا، كما سيشكل دافعا مهما لتسريع التسوية السياسية بين جميع الأطراف المتصارعة على الساحة السورية، فضلا عن كونه سيجعل إيران أكثر حذرا في التمدد في هذا البلد.

وتعهدت الولايات المتحدة وإسرائيل، الثلاثاء، بمواصلة التعاون بشأن سوريا ومواجهة إيران في الشرق الأوسط على الرغم من خطط سحب القوات الأميركية من سوريا.

وشدد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عقب اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العاصمة البرازيلية “أن الانسحاب لا يغير بأي حال أي شيء تفعله هذه الإدارة إلى جانب إسرائيل”، وإن الحملات لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والعدوان الإيراني ستستمر.

وكانت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) قد نقلت عن مسؤول رفيع المستوى قوله في وقت سابق إن نتنياهو نصح ترامب بانسحاب متدرج في سوريا، ويرى نتنياهو في هذا الانسحاب فرصة لتحقيق التسوية السورية.

2