إذا كنت رجلا اذهب إلى إيران وعش كامرأة

قد يبدو من المريب والباعث على الفزع أن نتصور مجتمعا متشعبا كثير الطوائف والقوميات وتحكمه فئة متعصبة مذهبيا، تذهب مآلاتها إلى أهداف لا تحدها الحدود ولا تعترف بالقومية أو الوطنية، ولا تعترف بالديمقراطية إطلاقا. ثم في هذا المجتمع الذي يكاد يكون مجتمعا دوليا مصغرا تعيش فيه المرأة مكافحة في سبيل تحصيل أبسط حقوقها.
كانت المرأة الإيرانية قد وضعت قدميها في مياه باردة عندما هبت رياح الثورة الإسلامية عام 1979 لأنها كانت تنتظر سقوط دولة الشاه على أحر من الجمر، تلك الدولة التي حكمت إيران طوال أكثر من نصف قرن. ومع أنها كانت تتمتع بحفنة من حقوقها، وتنعم بقسط من الحرية، وتحظى بجزء من الاعتراف، إلا أنها كانت تعيش في حياة تشبه السجن، ذلك لأن النظام الشاهنشاهي كان يفرض عليها اختيار المناسب له، ويجبرها على العيش في هذا السجن وتقديمه على أنه الحياة بطبيعتها، لقد استخدم نظام الشاه المرأة الإيرانية كوعاء يحفظ بها كرامة دولته، وحولها إلى مندوبة لتسويق أهدافه الثورية التي كان يريد بها ضرب الإسلاميين وإفشال مخططاتهم، ودائما ما كان يضعها في قلب ميزانه للمقارنة بينه وبين ما يصفهم بالرجعيين.
إذا كنا رجالا لنذهب إلى إيران ونعش كامرأة معارضة، لنذهب إلى إيران ونعشْ مثل مهسا أميني، حديث نجفي، نيكا شاكرمي.. وأخريات
ولكن بعد نجاح الثورة الإسلامية عام 1979 انقلبت الموازين، وتفاجأت المرأة الإيرانية بأنها قد وقعت في شرنقة لا يمكن الخلاص منها، لأن هذه الرياح الثورية التي هبت كانت ساخنة عندما لفحتها، حيث غطتها بالشادور مباشرة وذلك بقرار صادر عن زعيم الثورة الإسلامية يأمر بضرورة فرض الحجاب على جميع النساء، واعتبار المرأة غير الملتزمة بالحجاب معارضة للثورة.
صدر القرار في نفس العام الذي انتصرت فيه الثورة الإسلامية عام 1979 وذلك في يوم السابع من شهر مارس، وقد كانت الأهوال تتطلب الوقوف في وجه هذا القرار، لأن السكوت سيقضي بأن تعيش المرأة الإيرانية متكفنة بشادورها إلى أجل غير مسمى، فخرجت النساء الإيرانيات إلى شوارع طهران في تظاهرة حاشدة في اليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، وقد تمكنت عناصر الحرس الثوري من قمع المتظاهرين بالقوة المفرطة، إلا أن هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ إلا عام 1983 عندما أقر البرلمان الإيراني الجديد قانون العقوبات الإيراني.
ينص القرار على وجوب ارتداء الحجاب الإسلامي بما يشمل العباءة الإسلامية (الشادور)، وذلك دون تحديد السن، إذ يشمل جميع النساء الصغيرات منهن والكبريات، المسلمات أو غير المسلمات، كما يلزم الرجال بضرورة الاحتشام في الملبس.
ظلت قضية الحجاب في إيران محط خلاف كبير بين رجال الدين ورجال السلطة والمجتمع الإيراني، ولكن دون إشراك المرأة الإيرانية نفسها في هذا الخلاف، غير أن السلطة في الأخير استطاعت بالقوة أن تفرض الحجاب تدريجيا، حتى اضطرت الحكومة عام 2005 إلى استحداث فرقة خاصة بمتابعة انضباط النساء، حيث تأسست شرطة الأخلاق أو ما يعرف بدوريات التوجيه والإرشاد، وهي فرقة تابعة للشرطة الإيرانية مهمتها فرض تطبيق قوانين الاحتشام وارتداء الملابس الإسلامية في الأماكن العامة، كان ذلك في عهد الرئيس محمود أحمدي نجاد بعد أن انتشرت ظاهرة “الحجاب السيء”.

وفي عهد الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي ازداد التمسك بدوريات الإرشاد وتطويرها بالرغم من مطالبات عديدة بإلغائها.
إن الرسالة التي تصلنا من خلال قضية الحجاب في إيران تتلخص في التالي: إذا كانت المرأة غير الملتزمة بحجابها تثير غضب النظام، فهذا يعني أنه نظام مهزوم من الداخل، نظام هش وآيل إلى السقوط في لحظة قد يغضب بها الشارع عن بكرة أبيه لسبب بسيط، وليس غريبا أن تكون قطعة القماش هذه (الحجاب) هي هذا السبب.
ويذكرنا هذا بما قالته الشهبانو فرح ديبا زوجة الشاه محمد رضا بهلوي في لقاء لها بالقاهرة عام 2017 مع لميس الحديدي، حيث أعربت عن رأيها في المرأة الإيرانية قائلة “أنا فخورة جدا بالنساء الإيرانيات، لشجاعتهن بالرغم من كل الإهانات والظلم الذي يتعرضن له، ثمة مقولة على مكتبي في باريس تقول: إذا كنت رجلا اذهب إلى إيران وعش كامرأة”.
وهو ما يعرف عن الشخصية الإيرانية بطبيعتها أنها مجبولة على الصبر وطول البال، حيث يكمن في ذاتها هدوء عميق، وأمل كبير يحفزها على الاستمرار في ديمومة حياتها مهما اشتدت الظروف وحكمت الأقدار، وها هي المرأة الإيرانية تقف وحدها في الشارع معترضة على نظام أكبر مما يتخيل ومطالبة بحقوقها الإنسانية بكل جرأة وقوة، فإذا كنا رجالا لنذهب إلى إيران ونعش كامرأة معارضة، لنذهب إلى إيران ونعشْ مثل مهسا أميني، حديث نجفي، نيكا شاكرمي.. وأخريات.