إذا اندلع ربيع عربي آخر، فلن تحل محل تويتر أي منصة أخرى

لا يبدو المستقبل القريب لتويتر مبشرا على الصعيد العالمي، مع التغييرات الجوهرية التي فرضها إيلون ماسك على المنصة، حيث ساهم طرد الآلاف من الموظفين في تقليص مهمة الإشراف على المحتوى المحلي، وتمهيد الطريق للمتصيدين لعرقلة التحديثات الدقيقة من جانب الصحافيين والمتظاهرين.
لندن - منذ أن غيرت احتجاجات الربيع العربي ملامح الشرق الأوسط في عام 2011، أصبح تويتر منصة تواصل اجتماعي حيوية في جميع أنحاء العالم، وطريقة سريعة لوصول المعلومات إلى ملايين من البشر، من رجال الدين إلى الصحافيين إلى الشركات والوزارات الحكومية، لكن استحواذ إيلون ماسك المثير للجدل على الشركة يضع مستقبل “تويتر العالمي” على المحك.
ويقول جوزيف دانا كبير المحررين السابقين في “إكسبوننشال فيو” إن هناك الكثير من التركيز على كيفية تأثير تغييرات ماسك على النقاش السياسي الساخن في الولايات المتحدة إلى درجة نسيان تأثير المنصة على بقية دول العالم.
وتعد تلك غفوة ذات عواقب نظرا إلى شعبية تويتر خارج الولايات المتحدة، ويمكن أن تغرق المنصة التي أصبح الكثيرون يعتمدون عليها في بحر من المحتوى غير المرغوب فيه وغير الخاضع للإشراف، ولا توجد خيارات كثيرة للتعامل مع ذلك التحدي. فهل يمكن أن يكون ذلك أمرا جيدا؟
قد يبدو ذلك المنظور أنه يتوافق مع منصات التواصل الاجتماعي كخدمة عامة للجمهور، ولكنه ليس كذلك. فلم يكن هناك مجال لأن يصبح تويتر أو أي منصة وسائط اجتماعية أخرى مفيدا لعامة الجمهور، حتى لو كانت حكومة الولايات المتحدة -أو أي حكومة أخرى- لتضطلع بدور إشرافي أكبر على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، فهناك ببساطة الكثير من الناس والأعراف الثقافية لا يمكن إقناعهم بتبني الوسطية للحفاظ على مصداقية مثل تلك المنصات.
ولا يبدو المستقبل المنظور لتويتر مبشرا على الصعيد العالمي، فأول شيء فعله ماسك كمالك جديد للمنصة هو طرد الآلاف من الموظفين، وقوبلت تلك الخطوة التي تبدو عدوانية، بازدراء من قنوات كبيرة في وسائل الإعلام الأميركية، ولكن في سياق عمليات تسريح العمال الأكثر شمولا في قطاع التكنولوجيا، فإنها ليست خطوة استثنائية، فقطاع التكنولوجيا كبير جدا والشركات الرائدة تتخلى عن عشرات الآلاف من العمال.
وما يهم بقية العالم هو كيف أدت عملية فصل الموظفين إلى تفريغ مكاتب الاعتدال من العاملين فيها، حيث تشير الأنباء إلى أن مكتب تويتر في غانا، وهو المكتب الوحيد في القارة، لديه فقط موظف واحد. وهذا يعني أن هناك موظفا واحدا في تويتر مسؤولا عن كل أفريقيا، ويحظى تويتر بشعبية كبيرة في القارة السمراء، نظرا إلى أن الخدمة التي يقدمها تعتمد على النصوص، وعليه لا يتطلب استخدام تويتر الكثير من البيانات بعكس المنصات الأخرى مثل تيك توك وإنستغرام.
وتعتبر المكاتب المنتشرة في كل دولة مهمة للإشراف على المحتوى المحلي الذي يحافظ على مصداقية منصات التواصل الاجتماعي. وفي حين أن ماسك قد يتبنى مبدأ حرية التعبير لمستقبل تويتر “يمكن قول أي شيء”، فإن الإشراف على المحتوى أمر حيوي لكيفية عمل وسائل التواصل الاجتماعي واستمرارها في النمو.
وقد استثمرت شركات وسائل التواصل الاجتماعي القليل جدا للرقابة في العديد من الدول، ونتج عن ذلك مخرجات مأساوية في بعض الأحيان.
والجانب الآخر الأقل فهما في ما يخص الإشراف على المحتوى هو القدرة على التخلص من التأثير الحكومي المتشدد، وعلى سبيل المثال الاحتجاجات الأخيرة في الصين ضد سياسات كوفيد – 19 التي فرضت على الشعب، فمع اكتساب الاحتجاجات زخما في جميع أنحاء البلاد، تمكن المتسللون الصينيون من إغراق تويتر بمحتوى غير مرغوب فيه مصمم لعرقلة التحديثات الدقيقة من جانب الصحافيين والمتظاهرين، وانطلقت تلك العملية من دون مواجهة أي صعاب.
ومع استمرار ماسك في التخلص من فرق الإشراف على المحتوى في تويتر، ستكون مثل تلك الإجراءات التي ترعاها الدولة أسهل في التنفيذ وأكثر تكرارا. وإذا كان هناك تكرار للمظاهرات على غرار ما حصل في الربيع العربي في مكان ما من العالم، فهل سيتجه الناشطون والصحافيون إلى تويتر كما فعلوا في عام 2011؟ ربما لا، فعلى الرغم من أن ماسك يتبنى موقفا متطرفا بشأن حرية التعبير، إلا أنه سعى لتقويض عنصر إخفاء الهوية للمستخدمين من خلال حملته لتطهير روبوتات البريد العشوائي في المنصة، كما تلقت شركات ماسك الأخرى، مثل تسلا، إعانات بمليارات من الدولارات من حكومات مثل الولايات المتحدة، لكن نظرا إلى أن تويتر هي شركة خاصة، فلا يوجد ما يمنع ماسك من تسليم بيانات المستخدمين لديه إذا كانت مصادره المالية الأخرى في خطر.
ويرى دانا الذي شغل أيضا منصب رئيس تحرير موقع “إميرج 85″، وهو مركز يستكشف التغيير في الأسواق الناشئة وتأثيره العالمي، أنه للتفكير في مستقبل تويتر، علينا إلقاء نظرة تأملية عميقة على المشهد، فهذه القصة ليست في الواقع حول تويتر أو إيلون ماسك، وتذكرنا القصة التي لا تزال أحداثها تتكشف عن اعتمادنا على الشركات الخاصة التي لا تراعي مصالح الشعوب.
ويمكن أن يكون تويتر اليوم وفيسبوك غدا أو تيك توك الشهر المقبل، لقد تم تصميم تلك المنصات لجمع معلومات المستخدم التي يمكن ترجمتها إلى إيرادات من خلال الإعلانات (أو التطفل الذي ترعاه الدولة كما هو الحال في تيك توك)، لقد تم خداعنا وإيهامنا بفكرة أن تلك المنصات الرقمية سترقى بالإنسانية، وهي فكرة خاطئة. إذا اندلع ربيع عربي آخر في المستقبل القريب، فلن تحل محل تويتر منصة أخرى.
وللوهلة الأولى لا يعد ذلك خبرا رائعا للأشخاص الذين ينظمون أنفسهم من أجل مستقبل أفضل، ولكن ربما يكون ذلك علامة على أننا بحاجة إلى التفكير في ما وراء وسائل التواصل، وربما يجب أن يبدأ التنظيم الاجتماعي بإلقاء نظرة فاحصة على عاداتنا التكنولوجية والاعتماد المفرط على الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي. ربما تكون ملحمة إيلون ماسك المأساوية مع تويتر هي التحذير الذي يحتاجه المجتمع العالمي. فهل نحن على قدر التحدي؟