إدمان الشرق الأوسط على الغاز يعيق التحول النظيف

معدل نمو الطلب السنوي على الكهرباء في دول المنطقة يتراوح بين 7 و10 في المئة.
الثلاثاء 2023/09/12
مشاريع عملاقة، لكنها لا تكفي!

تزايدت ضغوط المنظمات المعنية بالتحول الأخضر على الحكومات العربية لتسريع وتيرة توسيع المشاريع المنتجة للكهرباء من المصادر النظيفة بهدف تخفيف الاعتماد على الغاز الرخيص في تشغيل المحطات، بما يضمن مواكبة النهج العالمي في هذا المجال.

دبي - عززت دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من السعة الإنتاجية للطاقة البديلة بنسبة 50 في المئة خلال العام الماضي، وستزداد على الأرجح بنفس النسبة خلال 2024.

لكن خبراء مركز بحوث للطاقة النظيفة يعتقدون أن هذه السعة ما زالت بحاجة إلى الارتفاع بواقع عشرين ضعفا لاستبدال الغاز الطبيعي الرخيص وتفادي وقوع خسائر اقتصادية مكلفة خلال مرحلة تحول الطاقة.

ويعكس هذا الوضع حقيقة أن بلدان المنطقة العربية لا تزال تدمن استخدام الغاز في تشغيل محطات الكهرباء، وهو أمر يقول خبراء إنه قد يعرقل التحول النظيف الذي تسعى له الحكومات عبر ضخ المليارات من الدولارات في استثمارات جديدة.

دول المنطقة تحتاج إلى زيادة إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة بواقع عشرين ضعفا
دول المنطقة تحتاج إلى زيادة إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة بواقع عشرين ضعفا

وتواجه البلدان العربية العديد من التحديات لتحقيق التحول إلى الطاقات النظيفة بالنظر إلى المشاكل السياسية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية ورأس المال البشري.

وتطارد أغلب حكومات المنطقة هدف تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء والذي بات أحد أبرز الأزمات المزمنة بسبب صعوبة مواكبة الاستثمارات لحجم الاستهلاك، وسط صعوبات مالية خانقة رغم بروز مساع لتخفيف وقع المشكلة من بوابة الطاقة البديلة.

وتشير التقديرات إلى أن معدل نمو الطلب بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتراوح بين 7 و10 في المئة سنويا، مقارنة بخمسة في المئة كمعدل دولي.

وثمة إدراك متزايد للمسؤولين الحكوميين بالمنطقة بأنه لا مناص من اقتفاء أثر الكثير من بلدان العالم في جعل المشاريع المستدامة مصادر لا يمكن الاستغناء عنها في توليد الكهرباء بدل الغاز والفحم.

ودشنت المنطقة مشاريع طاقة شمسية وطاقة رياح بسعة 6.9 غيغاواط منذ مايو 2022، وعلى الأرجح أنها ستنجز 9 غيغاواط أخرى نهاية السنة المقبلة، وفق مركز غلوبال إنرجي مونيتور.

ورغم ذلك، توجد حاجة إلى ما يتجاوز 500 غيغاواط كهرباء نظيفة إضافية لاستبدال عمليات التوليد من محطات النفط والغاز القائمة.

وقال مركز البحوث في تقرير أوردته وكالة بلومبرغ الاثنين إن “السعة الإنتاجية للطاقة المتجددة التي أضيفت العام المنقضي لا تلبي الطموحات نوعا ما بالمقارنة مع نظيراتها من المناطق الأخرى”.

وعززت أميركا الجنوبية، وهي منطقة ذات حجم سكان وناتج محلي إجمالي مشابهين، سعتها الإنتاجية بمقدار 4 أضعاف خلال نفس المدة.

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موطنا لبعض أكبر وأقل منتجي النفط والغاز تكلفة على مستوى العالم، ما يحافظ على جاذبية توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري على الأرجح، بحسب التقرير.

لكن تكاليف مصادر الطاقة المتجددة آخذة في التراجع أيضا وبلغت المنطقة أرقاما قياسية عالمية للطاقة الرخيصة المولدة من تركيبات وحدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يزيد من خطر تحول محطات توليد الكهرباء من النفط والغاز الجديدة إلى أصول مهملة.

في الطريق الصحيح

وتتوقع الهيئة العربية للطاقة المتجددة (أريك) أن يصل حجم الاستثمارات العربية في الطاقة المتجددة إلى أكثر من حوالي 700 مليار دولار بحلول 2040.

وقال أمين عام الهيئة العربية للطاقة المتجددة محمد الطعاني العام الماضي خلال المنتدى الدولي السادس للاستثمار بالطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة “نتوقع ازدياد الطلب على الطاقة الكهربائية إلى أكثر من 300 غيغاواط بحلول العام 2030”.

وقدّرت دراسة نشرتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) العام الماضي أن المنطقة العربية تحتاج حتى عام 2030 إلى تمويل يزيد عن 570 مليار دولار، لتحسين قدرتها على التكيف مع آثار تغير المناخ.

وذكر خبراء اللجنة في تقرير حديث أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتأثر بشدة من ظاهرة تغير المناخ، التي تطال جميع القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن البيئية.

وأشاروا إلى أنه من المتوقع أن تتفاقم هذه الآثار خلال السنوات المقبلة، وتتفاقم معها المخاطر على الأمن والاستقرار، إلا أن الموارد المالية المتاحة للتعامل مع هذا التحدي الهائل غير كافية على الإطلاق.

وقالت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي في ذلك الوقت إن “11 بلدا عربيا قدمت فقط تقديرات لاحتياجاتها المالية لتنفيذ مشاريع متعلقة بالعمل المناخي وفقا لاتفاق باريس”.

وسلّطت دشتي الضوء على أهمية قيام البلدان بتحديد كلفة احتياجاتها، من أجل تلقي التمويل، مضيفة أن “الإسكوا يمكن أن تساعد في تطوير القدرة على القيام بذلك”.

ولطالما حث صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على تطوير الإستراتيجيات والقدرات الوطنية للاستفادة من التمويل الدولي المتاح في الصناديق المناخية.

570

مليار دولار تكلفة التحول المستدام في بلدان المنطقة العربية وفق تقديرات لجنة الإسكوا

وأوضح خبراء المؤسستين الماليتين الدوليتين المانحتين أن هذه الصناديق مصدر لنسبة لا تتعدى 4 في المئة من تمويل المناخ في المنطقة.

وفي 2015، أصدر مؤتمر الأطراف في باريس حينها، قرارا بضرورة قيام الدول الصناعية الأكثر تلويثا في العالم، بجمع 100 مليار دولار سنويا تقدم لدعم الدول النامية والفقيرة المتأثرة بتغير المناخ.

ولكن في نسخة هذا العام، قال خبراء في المناخ إن الاقتصادات النامية بحاجة إلى نصف تريليون دولار سنويا حتى نهاية العقد الحالي، لإدارة ملف المناخ لديها والتحول في مجال الطاقة.

ولا تزال الطاقة المتجددة خصوصا الشمسية والرياح، تساهم بالحد من الذروة ولا تعتبر من الحمل الأساسي عدا الطاقة المائية، مما يجعلها تلقى إقبالا لافتا على استغلالها.

ويختلف ميزان الطاقة في الدول العربية تماما عن الدول الغربية حيث إن العديد من الدول العربية منتجة للنفط والغاز، ويتطلب منها ذلك مزيجا من الطاقة يراعي الاحتياط الإستراتيجي للطاقة التقليدية والتحول إلى الطاقة المتجددة.

وتؤكد سياسات الدول المنتجة للنفط والغاز وخاصة في الخليج أن السباق المتسارع نحو استثمار الطاقات المتجددة سيبقى بعيدا عن منافسة الوقود الأحفوري، الذي سيظل المصدر الرئيسي للطاقة لعقود طويلة.

ولا يزال النفط شريان الحياة الرئيسي في دول الخليج، كونه مصدر نحو 70 في المئة من الإيرادات الحكومية في المنطقة التي شهدت لعقود تدفق أرباح هائلة من عملية بيع “الذهب الأسود”.

ويشير محللون إلى أن هناك علاقة كبيرة بين الطاقة المتجددة والتنمية الاقتصادية، وفرص العمل تستدعي من الدول العربية التحول نحو الطاقة النظيفة وتعزيز فرص الاستثمار في هذا المجال.

10