إدريس المريني.. سينمائي يجمع بين الإخراج والإنتاج والكتابة

الرباط- يشكل توثيق السير الذاتية لرواد السينما المغربية خطوة أساسية في الحفاظ على ذاكرة هذا الفن العريق وتاريخه. هؤلاء الرواد، الذين أسسوا لأرشيف سينمائي غني ومتنوع عبر عقود من الإبداع، لا يزالون يواصلون منافسة الأجيال الشابة بقوة، ويثبتون بأن الخبرة والابتكار يمكن أن يسيرا جنبا إلى جنب.
إن توثيق مسيرة الرواد الفنية لا يساهم فقط في تقدير إرثهم السينمائي، بل يتيح للأجيال الصاعدة فرصة التعرف على تجاربهم الغنية، والاستفادة من رؤاهم الفنية التي ساهمت في تطوير السينما المغربية من حيث المحتوى والإنتاج والتوجه الفني.
توثيق مسيرة الرواد
من بين هؤلاء الرواد، نجد المخرج المغربي المتعدد في الفنون السينمائية والبرامج الثقافية والأشرطة التلفزيونية إدريس المريني، الذي استطاع الجمع بين مختلف الأشكال الفنية بأسلوب فريد يجمع بين الإبداع والتقنية العالية، وهذا النوع من المخرجين قدم بصمة واضحة في تاريخ السينما المغربية.
لم يقتصر عمل المريني على الإخراج السينمائي فقط، بل امتد إلى إنتاج برامج ثقافية رفيعة المستوى وأشرطة تلفزيونية استثنائية، إنه من الفنانين الذين يعتبر توثيق سيرتهم الذاتية وسيلة للحفاظ على إرث غني ومتنوع، بما يمثلونه من منارة للأجيال القادمة التي تسعى لتعلم فنون السينما والإنتاج الإعلامي، من خلال الاستفادة من تجربة هؤلاء الرواد الذين جمعوا بين الأصالة والتجديد، وبين التجربة والشغف الدائمين.
ولد المخرج السينمائي والتلفزيوني إدريس المريني بمدينة سلا، وبدأ مسيرته الأكاديمية بدراسة الآداب الحديثة، ثم انتقل إلى دراسة الاتصال السمعي البصري في إحدى الجامعات الألمانية في هامبورغ، حيث تخرج بامتياز، وعمل لفترة كمساعد في إحدى القنوات التلفزيونية الألمانية، ثم عاد بعد تخرجه إلى المغرب ليبدأ مساره المهني كموظف في التلفزيون المغربي في الإنتاج والإخراج.
تدرج في مناصب عدة داخل القنوات الوطنية، حيث أشرف على إدارة الإنتاج في القناة المغربية وشغل أيضا منصب مستشار وزير الاتصال لفترة، ليعود إلى القناة الوطنية كمدير للقناة الفضائية المغربية، وبعد تقاعده من الإدارة أسس شركة للإنتاج الفني.
ساهم المريني في إنتاج وإخراج عدة برامج فنية وثقافية منها سهرة لفرقة “ناس الغيوان”، كما أنتج أولى الأغاني المصورة بالألوان في العالم العربي “قارئة الفنجان” لعبدالحليم حافظ، كما أخرج أفلاما وثائقية بارزة تناولت موضوعات مختلفة منها برنامج خاص بالقوات المسلحة الملكية، ومهرجان الموسيقى الروحية بفاس، بالإضافة إلى وثائقي دولي حول مسجد الحسن الثاني، المعلم الكبير بمناسبة افتتاحه من طرف العاهل المغربي الملك الراحل الحسن الثاني.
ومن أشهر ما قدمه المريني من برامج ثقافية وفنية كبرنامج “وثيقة” والذي كان يستضيف شخصيات وازنة في مجالات مختلفة، كما سعى المخرج المغربي إلى تقديم تجارب فنية متميزة، من خلال سهرات فنية ثقافية تحتفي بالفن بشكل عام والموسيقى بشكل خاص كالسهرة العائلية “نغموتاي” (نغم وشاي) والتي أسرت قلوب المشاهدين المغاربة على مدار أكثر من عشر سنوات، وأنتج أيضا برنامج “الصالون الثقافي” وهو عرض حواري يُبث على قناة DW-TV العربية بالتعاون مع القناة المغربية، حيث يلتقي الفنانون والمثقفون من أوروبا والمغرب لمناقشة القضايا الثقافية والفنية الحالية.
يتفرد إدريس المريني بتوثيق الأحداث الوطنية المهمة، ويُقدم الصورة المغربية للعالم من خلال أعماله، ما يجعله من أبرز الشخصيات في المشهد الإعلامي المغربي وأحد الأسماء اللامعة في مجال الإخراج والإنتاج السمعي البصري في المغرب، ويتمتع بمسيرة فنية حافلة تجمع بين السينما والتلفزيون، حيث يبدع في تقديم أعمال تُبرز عمق الثقافة المغربية وتاريخها، ويسهم المريني بإبداعاته في تعدد الفنون السينمائية، ما يجعله أحد الرواد في هذا المجال. نال العديد من الجوائز والتكريمات داخل المغرب وخارجه والتي تعكس جودة أعماله وإبداعه.
أفلام ناجحة
بتعاون مع القناة الوطنية SNRT أنتج المريني وأخرج مجموعة من الأفلام التلفزيونية الناجحة، منها “ليلة غير عادية”، و”الخطيب” و”القطار المتوجه إلى” و”العد العكسي” و”لبنى وعمي لخضر” و”فرحة” ثم “غلطة عمري”.
كذلك أخرج أفلاما سينمائية مميزة، من أبرزها فيلم “بامو” الحائز على جائزة أحسن عمل بمهرجان القاهرة الدولي، والذي مزج فيه المريني بين الرومانسية والنضال الوطني ضد الاحتلال الأجنبي، مستعرضا قوة الروح البشرية في مواجهة الصعاب، والتي تعبر عن عمق الإبداع وتنوعه.
كما حقق فيلم “العربي” نجاحا كبيرا، حيث يروي حياة العربي بن بارك أسطورة كرة القدم المغربية المعروف بلقب “اللؤلؤة السوداء”، والذي أثرى كرة القدم الفرنسية والإسبانية بموهبته الاستثنائية. وقد حظي الفيلم بالجائزة الكبرى في مهرجان “رادو” في الكاميرون، وحظي بتكريمات في مهرجانات دولية متعددة، حيث تم اختياره للمشاركة في مهرجان مالمو بالسويد ومهرجان كاروس بفرنسا، ومهرجان السينما في روتردام.
· عمل المريني لم يقتصر على الإخراج السينمائي بل امتد إلى إنتاج برامج ثقافية وأشرطة تلفزيونية رفيعة المستوى
وحقق فيلم “عايدة” الذي يحكي رجوع يهودية مغربية إلى وطنها الأصلي، نجاحات كبيرة في المهرجانات الدولية، بحيث حصل على عدد من الجوائز بالمهرجان الوطني بطنجة ومهرجان “السينما والهجرة” بأغادير وكذلك في مهرجان الفيلم الدولي بالداخلة بالسويد وإيطاليا وكندا.
وتم ترشيح فيلم “عايدة” لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، ما يؤكد تأثيره الكبير على المستوى العالمي.
كما أنتج وأخرج شريطا كوميديا بعنوان “لحنش” ليقدم بذلك رؤية كوميدية ناقدة للمجتمع المغربي، إذ يسخر من الشر ويحتفي بالخير كقيمة نهائية وقد حظي الفيلم بإقبال كبير واستمرت عروضه (بوكس أوفيس) بالقاعات السينمائية مدة سنتين.
وأخيرا قدم المريني شريطا سينمائيا فلسفيا بعنوان “جبل موسى”، والذي يعكس إرادة الإنسان في مواجهة تحديات الحياة، مبرزا الحب اللامشروط والإيثار كقوى دافعة نحو التغيير الإيجابي، وقد حاز الفيلم على عدة جوائز وطنية ودولية بالإضافة إلى استحسان النقاد كأول عمل يتناول موضوعا متعلقا بالدين والفلسفة.
فنان لا يهدأ
· مسيرة فنية حافلة تجمع بين السينما والتلفزيون لمخرج أبدع في تقديم أعمال تبرز عمق الثقافة المغربية وتاريخها
لم يتوقف إبداع المريني عند السينما والتلفزيون، بل امتد إلى مجال التأليف والنشر، حيث قدم كتبا فنية من النوع الجميل مثل “سلا المدينة الألفية” بصور رائعة وتنسيق ممتاز، وهو ثمرة جهد جماعي امتد لعدة سنوات بالتعاون مع باحثين وأساتذة مرموقين.
ونفس الشيء كان بالنسبة إلى كتاب “مثلث سوس وأكادير” عن جنوب المغرب، وكتاب “غرفة المستشارين”، الذي “يستعرض 50 عاما من العمل البرلماني في المغرب وتطور الممارسة البرلمانية في العالم”، إذ كان هذا الكتاب موضوعا للندوة الدولية التي أُقيمت في الرباط بمناسبة الذكرى الخمسين للبرلمان المغربي.
كما أخرج المريني فيلما مؤسسيا احتفالا بمرور خمسين عاما على البرلمان المغربي.
وقد شملت أعمال المخرج أيضا مشاركات بارزة في المهام الدولية، مثل تمثيله للمغرب بصفته عضوا في لجنة التحكيم الدولية لجائزة اليابان للبرامج التعليمية في طوكيو.
نشاطات إدريس المريني لا تهدأ ولا يمكن حصرها في مجال بعينه، فقد أشرف على أعمال التزيين في التلفزة المغربية بباريس، وشارك في دورة تدريبية حول البرامج الثقافية للصحافيين في قطر، كما كان أيضا ممثلا للتلفزيون المغربي في مهرجان القاهرة الدولي للتلفزيون، وشارك في اللجنة العليا للتنسيق بين القنوات الفضائية العربية في دبي، بالإضافة إلى ذلك شارك في ندوة حول أمن المعلومات وأثره في تصحيح المفاهيم الخاطئة في السعودية، وأشرف على برنامج “الصالون الثقافي” المشترك بين قناة “المغربية” وقناة DW الألمانية في برلين. وقام المريني بإنتاج فيلم وثائقي يعرض هذه الظاهرة من خلال عمل فني.
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |