إدريس اشويكة.. مخرج وسيناريست يغوص في أعماق المجتمع المغربي

مخرج وسيناريست مغربي يمثل صوتًا مميزًا في السينما المغربية، حيث يسعى من خلال أعماله إلى تناول القضايا الاجتماعية والإنسانية بأسلوب فني مبتكر وهادف.
الأحد 2024/10/13
مازجا بين السينما والتلفزيون والمسرح

إدريس اشويكة هو مخرج وسيناريست مغربي بارز، يُعرف بإسهاماته القيمة في الساحة السينمائية، ولد وترعرع في المغرب، قبل أن يطور تكوينه الأكاديمي في مجال السينما بباريس، ما ساهم في تطوير مهاراته الفنية وقدرته على الابتكار في كتابة السيناريوهات وإخراج الأفلام.

وقدّم اشويكة مجموعة من الأفلام والمشاريع التلفزيونية التي نالت استحسان النقاد والجمهور على حد سواء، إذ تتميز أعماله بتنوّعها، حيث تشمل أفلامًا روائية طويلة وقصيرة، بالإضافة إلى سلسلات وأفلام تلفزيونية، ما يعكس مرونته وقدرته على التكيف مع مختلف أشكال السرد السينمائي.

أفلام متنوعة

بوكس

تركز أعمال إدريس اشويكة على القضايا الاجتماعية والإنسانية، مع تسليط الضوء على التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، حيث تتميز قصصه بعمقها وتعقيد شخصياتها، ما يجعلها قادرة على جذب انتباه المشاهدين وتحفيزهم على التفكير والتأمل في مواضيع ذات أهمية ثقافية واجتماعية.

ولقد حظي إدريس اشويكة بتقدير كبير في الأوساط السينمائية، حيث حصل على عدة جوائز في مهرجانات سينمائية وطنية ودولية، ما يبرهن على تأثيره وإسهاماته الإيجابية في تطوير صناعة السينما المغربية، إذ يسعى من خلال أعماله إلى إغناء الثقافة السينمائية في المغرب وتقديم رسائل قوية تلامس قضايا المجتمع.

بدأت مسيرته المهنية في بداية التسعينات حيث أعد وأنتج للقناة المغربية الأولى البرنامج السينمائي “زوايا” ابتداء من مايو 1994، ثم أخرج سنة 1996 فيلمه التلفزيوني “صمت الليل”، الذي بلغت مدته 122 دقيقة، والذي تم إنتاجه بالتعاون مع التلفزيون المغربي، وفي العام التالي أخرج فيلمًا تلفزيونيًا آخر بعنوان “زرع الرياح”، الذي استمر لمدة 104 دقائق، كما قدّم مسرحية “ليلة رأس العام” التي شهدت مشاركة الممثلين المعروفين محمد مفتاح ورشيد الوالي.

في عام 1999، أخرج إدريس فيلمه الروائي “مبروك”، الذي تم إنتاجه بواسطة شركة زوايا، تدور قصته حول ميلود حرفي مغربي، له صديق عزيز هو الحمار مبروك، وليسينيا، شابة أوروبية ابنة رجل أعمال، تعيش في ظروف صعبة، وهى مخطوبة للشاب أرنولد، يلتقى هؤلاء الأشخاص في سوق مراكش، حيث تعجب ليسينيا بالحمار مبروك الواقف أمام محل ميلود، فتقترح شراء الحمار وتصر على مطلبها. بالإضافة إلى فيلم “ضد التيار” الذي تم إنتاجه أيضًا بالتعاون مع التلفزيون المغربي.

واستمر اشويكة في تقديم أعماله في السنوات التالية، حيث أخرج في عام 2000 فيلمه التلفزيوني “شادية” الذي تم تقديمه باللغة العربية الكلاسيكية، يتناول الفيلم قصة رومانسية مثيرة تدور حول فنان تشكيلي يعاني من ظروف مادية صعبة، ما يعوق تحقيق طموحاته وأحلامه، أثناء معاناته، حيث يلتقي بسيدة ثرية تستغل حاجته إلى المال وتعرض عليه الزواج منها، رغم ما توفّره له من وسائل مادية، لا تكتمل سعادته، إذ يظل يحن إلى “شادية”، امرأة متخيلة يرسمها في لوحاته، وتصبح جزءًا من حياته اليومية.

مع مرور الوقت، يتضح أن تأثير “شادية” على الفنان يزداد عمقًا، مما يثير غيرة زوجته ويزيد من تعقيد علاقتهما، كما يسلط الفيلم الضوء على الصراع بين الطموح الفني والقيود الاجتماعية، ويستعرض التأثيرات النفسية للعواطف المتضاربة في حياة الفنان.

وفي عام 2001 أخرج فيلم “قصر السوق”، حيث يحكي قصة حب تجمع بين أديب وفتاة من بلدته، إلا أن العلاقة لا يكتب لها الاستمرار بسبب رفض عائلة الفتاة المحافظة هذه العلاقة، وقد أرغمتها على الزواج بابن خالتها، وبعد مرور عشر سنوات يعود الأديب لنفس المنطقة ويلتقي من جديد بحبيبته. وفي عام 2002 قدم فيلم “مادو”، وفي عام 2003 أخرج “الطيور على أشكالها تقع”.

السينما والتلفزيون

◄ مبدع يتكيف مع مختلف أشكال السرد السينمائي
مبدع يتكيف مع مختلف أشكال السرد السينمائي

خلال الفترة من 2005 إلى 2007، أخرج إدريس عددًا من الأعمال التلفزيونية والمسرحية، مثل فيلم “علام الخيل”، الذي بلغت مدته 98 دقيقة، يروي الفيلم قصة الفارس “علي” الذي يلقى حتفه في حادث مأساوي، تاركًا ابنه “حمادي” في صدمة نفسية تجعله يفقد النطق، حيث يجد “حمادي” نفسه وحيدًا مع قلادة ترمز إلى الفروسية التي ورثها عن والده.

مع مرور الوقت، تتفاقم حالته النفسية بعد زواج والدته برجل آخر، حسب أعراف القبيلة، مما يعمّق شعوره بالعزلة والضياع، كما يعكس الفيلم صراع “حمادي” مع مشاعر الفقدان والاغتراب وسط تقاليد اجتماعية قاسية، ويبقى إرث والده الفروسي هو الرابط الوحيد الذي يذكّره بماضيه، ثم أنجز فيلمين وثائقيين ضمن سلسلة “نساء، جسدًا وروحًا”، الذي يتناول مواضيع اجتماعية مهمة تهم شخصيات نسوية.

وفي عام 2006 أخرج فيلم “لعبة الحب”، الذي نال جائزة النقد وتنويهًا خاصًا من لجنة التحكيم في مهرجان السينما الفرانكفونية. وفي عام 2009، قدم فيلم “فينك الأيام”، الذي حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان الفيلم الوطني ومهرجان السينما الأفريقية بخريبكة. وتدور أحداث الفيلم حول قصة ستة أصدقاء: ثلاث نساء وثلاثة رجال، والذين يشكلون ثلاث أسر، وبعد سنوات طويلة من تخرجهم من الجامعة، حيث كانوا يعيشون تجربة نضالية مشتركة تخللتها مخاطر الاعتقال والاختطاف، وحياة اجتماعية متمردة على التقاليد والأعراف السائدة في المجتمع.

وتتلقى هذه المجموعة دعوة غامضة للحضور إلى فيلا مطلة على البحر يملكها الزوجان عبدالخالق ورشيدة. في البداية، يظن الجميع أن الدعوة جاءت من رجاء، الطالبة النشطة والمناضلة التي كانت تميزهم خلال سنوات الدراسة، والتي اختفت بشكل مفاجئ بعد مغادرتها الجامعة، وما إن يلتقوا مجددًا حتى تحدث مفاجأة غير متوقعة تغير مجرى اللقاء وتفتح الباب على أسرار مدفونة منذ الماضي. يمزج الفيلم بين عناصر التشويق والغموض، كما يلقي الضوء على العلاقات الإنسانية المعقدة التي تتأثر بالظروف السياسية والاجتماعية.

وأخرج سنة 2015 فيلم “فداء”، وتدور أحداثه في فترة حساسة من التاريخ المغربي، حيث يُظهر كيف أدى نفي الملك محمد الخامس إلى تأجيج غضب وسخط الشعب ضد الاستعمار الفرنسي. ومع تصاعد التوترات، ينضم البطل عبد الرحمن إلى صفوف المنظمة السرية للمقاومة المسلحة التي يديرها محمد الزرقطوني بيد من حديد، إذ يستعرض العمل مواضيع الوطنية والمقاومة، مُسلطًا الضوء على التحديات التي واجهها الشعب المغربي في سعيه نحو الحرية والاستقلال، ويمتد الفيلم على 109 دقائق ويجمع بين تشخيص متميز لفنانين مثل عبدالإله رشيد وربيعة رفيع ومحمد خيي، مما يضفي عمقًا على القصة.

قضايا اجتماعية

◄ منجز الفنان متنوع يشمل أفلاما روائية طويلة وقصيرة بالإضافة إلى سلسلات وأفلام تلفزيونية علاوة على أعمال مسرحية

استمر إدريس اشويكة في تقديم الأعمال التلفزيونية والمسرحية حتى عام 2024، حيث أخرج عددًا من المسرحيات تمزج بين المسرح والسينما مثل “شكون احنا؟”، “باك صاحبي!”، “سوق النسا”… حاليًا، هو بصدد العمل على فيلمه “طحالب”، الذي هو في مرحلة ما بعد الإنتاج.

ويمثل إدريس اشويكة صوتًا مميزًا في السينما المغربية، حيث يسعى من خلال أعماله إلى تناول القضايا الاجتماعية والإنسانية بأسلوب فني مبتكر وهادف، حيث تُعد أعماله تجسيدًا حقيقيًا للإبداع السينمائي المغربي، وتساهم في إثراء الثقافة الفنية في البلاد.

وانتهى المخرج المغربي إدريس اشويكة مؤخرًا من تصوير فيلمه السينمائي الجديد “طحالب”، الذي عالج فيه موضوعًا لم يتم التطرق إليه سابقًا في المغرب، وهو وضعية المرأة في سياق الإرث وتأثير الذكورية على كسب قوت الأسرة في منطقة تعيش على جمع الطحالب وصيد الأسماك، وتم تصوير الفيلم في منطقة الجبهة، وحصل العمل على دعم من صندوق دعم الإنتاج الوطني بقيمة ثلاثة ملايين درهم، ويتميز بمشاركة ثلة من الممثلين والممثلات، منهم يسرى بوحموش، مجيد لكرون، خديجة عدلي، ارقية بنحدو، محمد بوصبع…، مع طاقم تقني يقوده مدير التصوير فاضل اشويكة.

◄ مزج بين السينما والمسرح
مزج بين السينما والمسرح

 

8