إدامة الخلافات بين الكنة والحماة وسيلة الأزواج لصرف الأنظار عن عيوبهم

تعدّ العلاقة بين الحماة والكنّة من أكثر العلاقات الشائكة في العائلة، حيث تشعر الأم بأنها ستفقد ابنها الذي تعبت في تربيته لسنين طويلة في حين تعتبره زوجته ملكا لها، ما يخلق جوا من التشنّج بينهما. وقد لا يسعى العديد من الأزواج لتبديد تلك الخلافات حتى يشتتوا التركيز على عيوبهم، ما يجعل زوجاتهم يعتقدن أن أي تقصير سببه الحماة وليس أزواجهن.
تونس – يعمد بعض الأزواج إلى تأجيج الخلافات بين زوجاتهم وأمهاتهم رغم أنهم هم سبب المشاكل وذلك حتى يشتتوا التركيز على عيوبهم. وتتنافس الحماة والكنة عادة على إرضاء الزوج وتقديم الأفضل له لكن بطريقة غير مباشرة، فتتحول المنافسة إلى نكايات وخلافات.
وتقول بسمة البوغانمي إن زوجها يعمد إلى إشعال نار الفتنة بينها وبين حماتها خاصة إذا تعلقت المشاكل بأمور مادية. وتضيف أنه عندما تنشب الخلافات بينها وبين زوجها البخيل بسبب المصاريف اليومية تتدخل الحماة وينسحب الزوج، فيتغير اتجاه المشكلة ويصبح الخلاف بينها وبين حماتها. ويرى خبراء العلاقات الأسرية أنه عندما تكون الحالة المادية للزوج محدودة تنشب المشاكل بين الحماة والكنة إذا صرف الرجل المال على جهة أكثر من الأخرى.
ويشير الخبراء إلى أن العلاقة بين الزوجة وأمّ الزوج تسودها التوترات والحساسية، ويرجع السبب في ذلك إلى رغبة كلّ منهما في الاستئثار باهتمام الزوج/ الابن، ومن شأن هذا التوتر أن يؤدي إلى مشاكل عديدة تجعل العلاقة أكثر تعقيدا.
ويؤكد الخبراء أن الرجل يتحمل مسؤولية كبيرة في فض الخلافات وإنهاء التوتر بين والدته وزوجته وتقريب المسافات بينهما حتى لا تشعر الأم بالغيرة ولا الزوجة بالإهمال، لكن بعض الأزواج لا يفعلون ذلك بغاية تأجيج الخلاف بين الطرفين تهربا من المسؤولية وابتعادا عن المشاكل وإخفاء لعيوبهم.
الرجل يتحمل مسؤولية كبيرة في فض الخلافات بين والدته وزوجته، لكن بعض الأزواج لا يفعلون ذلك تهربا من المسؤولية
وتقول ميساء الحمايدي التي تسكن بنفس الشقة مع حماتها إن زوجها لا يتوانى في إظهار عيوبها أمام أمه ما إن تتحدث معه حول موضوع الاستقلال بالسكن والخروج من بيت حماتها والعيش معه في بيت بمفردهما، حتى يتحول الحديث إلى خلاف بينهما فتتدخل الحماة وتكبر المشكلة ولا يتدخل الزوج حتى لا يجد حلا، فيستمر الخلاف بين الطرفين ويغادر الزوج المنزل ولا يطرح موضوع السكن مجددا.
ويرى الدكتور شريف سمور استشاري العلاقات الزوجية بجامعة القاهرة، أنّ الزوجة تكون في كثير من الأحيان ضحيّة تصرّفات زوجها حين يقوم هو بافتعال المشاكل ولا يكون لها أيّ دخل فيها. ولعلّ من ضمنها سهره الطويل مع أصدقائه أيّام العطلات ونهاية الأسبوع، وترك زوجته لوحدها في المنزل، كذلك إهماله لزوجته واعتبارها قطعة من الأثاث، وعدم الأخذ برأيها في تدبير شؤون المنزل، وثورته عليها لأتفه الأسباب، وكذلك كثرة شكوك الزوج تجاه زوجته.
وقال سمور “ينبغي على الزوجة الانتباه وإيجاد حل لكلّ هذه المشاكل عند وجودها وذلك بجلوسها بجانب زوجها في وقت تختاره ويكون فيه مسترخياً وغير مهموم بانشغالاته الكثيرة، ومناقشة المشاكل معه بطريقة إيجابية في أمور يمكن أن تقرّبهما من بعض”.
ويرى الخبراء أنه من المستحسن أن يكون ذلك في غياب الحماة، مشيرين إلى أنه يجب على الزوجة أن تتذكر أن الرجل يتهرّب من صراخ زوجته، ومن فقدانها لأعصابها، لذلك ينصحونها بالهدوء ومناقشة الأمور بإيجابية تامّة معه.
ومن العيوب الشائعة التي يجب أن تحذر المرأة من الوقوع فيها، جلوس الأبناء بشكلٍ دائم مع الأب والأم. ومع أنّ هذا مطلوب وضروري، إلا أنّه يجوز لفترةٍ معيّنة فقط، حيث يجد الزوج والزوجة وقتاً يقضيانه معاً داخل المنزل.
كما ينصح الخبراء بأن تكون العلاقة بين الحماة والكنة متوازنة ووطيدة، مشيرين إلى أن العلاقة المتوازنة والوطيدة بين الحماة والكنة تعود إلى توازن شخصية الحماة وخبرتها في الحياة وحبّها المتوازن والعقلاني للابن وعدم معاناتها من الغيرة التافهة، إضافة إلى النضج العقلي للكنّة إذا كان عمرها فوق 28 عاما. كما أن قوة شخصية الابن تفرض على الطرفين بناء علاقة متوازنة، والاحترام المتبادل بينهما منذ البداية، وعدم تدخل كل منهما في الحياة الخاصة للأخرى.

ويرى الدكتور عفيف سليمي مستشار الحياة الأسرية أن غيرة الحماة من الكنّة ناتجة عن خشيتها من ابتعاد ابنها عنها بعدما كان ملكا لها ولا تشاركها فيه أي امرأة أخرى، ثم جاءت الكنة لتخطفه من بين يديها. وتزداد الصراعات بينهما عندما تفتقد الأم ابنها الذي كان يوليها كل الاهتمام والرعاية، ليتضح لها لاحقاً أن هذا الاهتمام بدأ يتقلص لوجود أخرى يمنحها مقدار الاهتمام نفسه، وهذا سبب آخر لغيرتها، لاسيما إذا استمر ابنها بمدح زوجته أمامها وذكر ميزاتها ومدى حبه لها، فهذا أكثر ما يغضبها.
وبحسب رأي سليمي، فإن هناك أسبابا عديدة ومتنوعة تستدعي غيرة الحماة من كنّتها، كما لكل غيرة قصتها وحيثياتها، شريطة ألا يتم إلقاء اللوم دائما على الحماة، فالكنّة قد تلعب دورًا رئيسيا في إثارة غيرة حماتها، والتباهي بمهاراتها وقدراتها وكيفية إدارة زوجها ومنزلها. لكن يجب على الكنة أن تكون ذكية وأن تتحلى بالهدوء والصبر وتظهر الاحترام والمودة لحماتها، وهذا ما سيدفع الأخرى إلى تغيير طريقتها وتهدئة توترها.
من جهة أخرى يرى خبراء العلاقات الأسرية أن لحرارة الصيف دورا في إذكاء نار الخلافات الزوجية. فقد لاحظ المهتمون بالشؤون الزوجية أن الخلافات بين الأزواج تزداد حدّة في فصل الصيف مقارنة ببقية فصول السنة.
وغالبا ما تكون الخلافات مادية لأن فصل الصيف يتطلب الكثير من المصاريف الإضافية بسبب رغبة أفراد العائلة في الخروج للترفيه عن النفس والاستهلاك خارج البيت الذي يعود مكلفا للغاية ومرهقا للميزانية، ومن هنا تبدأ المشاكل والضغوطات على الزوج خاصة، لتنفجر الخلافات والمشاكل. وتعمد نسبة كبيرة من الأزواج إلى إرسال إيحاءات نكدية واستفزازية لزوجاتهم حتى تنشب الخلافات بين الكنة وحماتها.
ويقول الدكتور صالح الرميح أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود بالرياض إن هناك الحب والكره، والخير والشر والحسد والإيثار، ولكن تختلف نسبة كل من هذه الخصال في الشخص بحسب تربية الرجل وتنشئته الاجتماعية وموروثه ومكتسباته الدينية، فعندما يُعرف عن النساء بأن كيدهن عظيم، هذا لا يعني أن الرجل لا يستطيع أن يكيد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التنكيد، فالرجل قد يتصرف بهذا الشكل لاعتبارات عديدة.