إدارة بايدن تلعب آخر أوراقها لتحقيق اختراق في ملف التطبيع قبل الانتخابات

عزف أميركي على الوتر الأمني الحساس للسعودية لإزالة ترددّها إزاء تطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
الثلاثاء 2024/04/30
كل طرف يعرف جيدا ما يطلبه الطرف الآخر

تسريع مسار تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب والذي بات حاجة سياسية لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، قد يغدو بنفس القدر حاجة للسعودية إذا أصبح وسيلة لحصولها على ما ترغب فيه من ضمانات أميركية فعلية لأمنها واستقرارها، وهو الأمر الذي أخذته واشنطن بعين الاعتبار في تكتيكها لإزالة آخر مظاهر تردد المملكة إزاء التطبيع.

الرياض - كشف وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الإثنين في العاصمة السعودية الرياض، عن الخطوط العريضة لخطة إدارة بايدن لدفع مسار تطبيع العلاقات بين المملكة وإسرائيل بعد أن تعثّر جرّاء التصعيد الجاري في المنطقة بسبب الحرب الدائرة بين الدولة العبرية وحركة حماس الفلسطينية منذ أكتوبر الماضي.

وطرح بلينكن معادلة واضحة قوامها التطبيع بين السعودية وإسرائيل في مقابل اتفاق أمني بين واشنطن والرياض قال الوزير الأميركي إنّ العمل عليه يشارف على الانتهاء.

ولم يوضّح بلينكن تفاصيل الاتّفاق لكنّه أضاف قوله في تصريحات أدلى بها على هامش مشاركته في الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في الرياض “أعتقد أن العمل الذي تقوم به السعودية والولايات المتحدة معا في ما يتعلق باتفاقياتنا، قد يكون قريبا جدا من الاكتمال”.

وتكشف هذه المعادلة – الصفقة حاجة إدارة بايدن لإبرام اتفاق بين إسرائيل والسعودية على تطبيع العلاقات بينهما في أجل معقول لا يتعدى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة حتى يكون بيد بايدن والديمقراطيين ورقة تضاهي في قيمتها إنجاز خصومه الجمهوريين وتحديدا الرئيس السابق دونالد ترامب الذي سبق له أنّ رعى إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل، وكلّ من دولة الإمارات ومملكة البحرين والمملكة المغربية.

ورغم وجود خلفية تنافس حزبي وراء الحرص الشديد الذي تبديه إدارة بايدن على تسريع خطى التطبيع بين الرياض وتل أبيب، إلاّ أن الأمر يظل هدفا إستراتيجيا للولايات المتّحدة يتجاوز الإدارات المتعاقبة، إذ يضمن لها بسط قدر أكبر من الهدوء في منطقة الشرق الأوسط ويخفف عنها عبء الصراعات فيها، ويساعدها في تأسيس جدار إقليمي متماسك في وجه إيران وطموحاتها في المنطقة.

ولهذا السبب ترافقت إثارة بلينكن لموضوع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، مع دعوته إلى إحكام التكامل الدفاعي بين دول الخليج في مواجهة التهديد الإيراني.

التطبيع بين إسرائيل والدول العربية يخفف عبء صراعات الشرق الأوسط على واشنطن ويتيح تأسيس جبهة متماسكة مضادة لإيران

وبدأ بلينكن زيارته السابعة للشرق الأوسط منذ شنت حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي هجوما غير مسبوق على إسرائيل التي ردت بحملة عسكرية متواصلة في قطاع غزة منذ نحو سبعة أشهر أدت إلى ضغوط متزايدة لوقف إطلاق النار. وهي كذلك رحلة بلينكن الأولى إلى المنطقة منذ تحولت المواجهة غير المباشرة المستمرة منذ عقود بين إسرائيل وإيران إلى العلن منتصف الشهر الجاري، حين أطلقت الجمهورية الإسلامية صواريخ وطائرات مسيّرة صوب مواقع عسكرية في إسرائيل.

وقال بلينكن خلال اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي في العاصمة السعودية الرياض إنّ “هذا الهجوم يسلّط الضوء على التهديد الحاد والمتزايد الذي تمثّله إيران، لكنه يسلط الضوء أيضا على ضرورة العمل معا على الدفاع المتكامل”.

وأوضح بلينكن أنّ الولايات المتحدة ستجري محادثات في الأسابيع المقبلة مع دول المجلس الست حيال دمج الدفاع الجوي والصاروخي وتعزيز الأمن البحري. وأضاف أن دول الخليج اختارت من خلال اجتماعها مع الولايات المتحدة “تكاملا أكبر وسلاما أكبر”.

وتتمتع الولايات المتحدة بالفعل بعلاقات عسكرية وثيقة مع دول الخليج لكن شكوكا تسرّبت في السنوات الأخيرة إلى الشركاء الخليجيين بشأن مدى التزام واشنطن بأمن بلدانهم بعد أن لمسوا مظاهر لتراجع إدارة بايدن عن ذلك الالتزام التاريخي للولايات المتّحدة.

ويبدو أنّ إدارة بايدن أخذت تلك الشكوك بعين الاعتبار عندما اختارت العامل الأمني بوابة لتسريع التطبيع بين إسرائيل والسعودية لعلمها بالمرتبة المتقدّمة التي يحتلّها موضوع الأمن والاستقرار في سلّم اهتمامات صانع القرار في المملكة.

ويشغل موضوع الأمن صدارة مشاغل القيادة السعودية بفعل بروز مخاطر وتهديدات جديدة، لا تتمثّل فقط في تطور ترسانة الغريمة إيران من  الطائرات المسيرة والصواريخ العابرة، لكنّها تتجاوز ذلك إلى سقوط تلك الأسلحة الفعالة وقليلة التلكفة في أيدي ميليشيات غير منضبطة في كل من العراق واليمن، حيث سبق للسعودية أن خبرت خطورتها من خلال هجمات الحوثيين على أراضيها وأبرزها الهجوم على منشآت النفط في أبقيق سنة 2019.

إثارة بلينكن لموضوع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية ترافقت مع دعوته إلى إحكام التكامل الدفاعي بين دول الخليج في مواجهة التهديد الإيراني

وما يضاعف قلق السعودية أن بروز تلك المخاطر جاء بالتوازي مع تراجع أميركي واضح في الالتزام بأمن بلدان المنطقة، وهو التوجّه الذي تريد الرياض وقفه باستخدام ورقة التطبيع التي لا تخلو من قيمة بالنسبة لإدارة جو بايدن الساعية إلى تحقيق خرق دبلوماسي يحسب في رصيدها.

ويقول مراقبون إن السعودية لن تقبل بأقل من ضمانات ملزمة للولايات المتحدة بحمايتها إذا تعرضت لهجوم مثل ضرب مواقعها النفطية من قبل الحوثيين بالصواريخ.

وقال بلينكن إن المنطقة أمامها خيار بشأن مستقبلها بما في ذلك “مستقبل مليء بالانقسامات والدمار والعنف وعدم الاستقرار الدائم”.

ولم تعترف السعودية بإسرائيل قط، ولم تنضم إلى اتفاقات أبراهام المبرمة عام 2020 بوساطة أميركية والتي طبّعت بموجبها كل من الإمارات والبحرين العلاقات مع إسرائيل.

وكانت واشنطن تأمل في استغلال احتمال إقامة علاقات مع السعودية لتشجيع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التوصل إلى تسوية رغم معارضته الشرسة لقيام دولة فلسطينية تراها الولايات المتحدة حلا طويل الأمد عقب انتهاء الحرب في غزة.

وعلى الطرف المقابل لم تعد السعودية تبدي اعتراضا من حيث المبدأ على إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، ولكنّها بدت من خلال تصريحات كبار مسؤوليها بصدد العمل على تحسين شروط التفاوض على المسألة وتحصيل أكبر قدر ممكن من المكاسب من ورائها.

ولا يستبعد مراقبون أنّ يكون الشروع في خطوات عملية لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل قد أصبح بالنسبة للرياض مسألة وقت، ورهن استعادة الهدوء في المنطقة بانتهاء الحرب الدامية في غّزة وتهدئة المشاعر المتفجّرة التي خلفتها لدى الرأي العام العربي والاسلامي.

موضوع الأمن يشغل صدارة مشاغل القيادة السعودية بفعل بروز مخاطر وتهديدات جديدة

ويرى هؤلاء أنّه بإيجاد مخرج مناسب من الحرب في غزّة وحصول المملكة على ما تريده من الولايات المتّحدة من التزام فعلي ملموس تجاه أمنها واستقرارها، لن يكون هناك أي عائق أمام إقدام الرياض على إقامة علاقات طبيعية مع تل بيب.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن من المتوقع “في القريب العاجل” إبرام اتفاقات ثنائية بين المملكة والولايات المتحدة.

وأضاف في معرض إجابته عن سؤال حول المفاوضات بين الرياض وواشنطن حول اتفاق أمني إنّ “معظم العمل تم إنجازه بالفعل. ولدينا الخطوط العريضة لما نعتقد أنه يجب أن يحدث على الجبهة الفلسطينية”.

ومؤخّرا أصبحت السعودية التي سبق لها أن أطلقت سنة 2002 في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز مبادرة السلام العربية مع إسرائيل تربط بشكل واضح في خطابها الرسمي بين موضوعي التطبيع وحلّ القضية الفلسطينية، وهو بحسب المراقبين يمثل بحدّ ذاته تطورا في موقف المملكة باتّجاه تجاوز الرفض المبدئي لأي تقارب مع الدولة العبرية.

وقال الأمير فيصل بن فرحان “يجب وضع مسار واضح ذي مصداقية للوصول لإقامة دولة فلسطينية”، مؤكّدا الحاجة “لوضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني وإيجاد مسار سياسي واضح وحقيقي”.

وخلال فترة ما قبل السابع من أكتوبر بدا للحظة أنّ تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بمثابة تحصيل حاصل ومسألة وقت.

وسمحت المملكة آنذاك لإسرائيليين بدخول أراضيها للمشاركة في مناسبتين إحداهما رياضية والثانية ثقافية، في خطوة اعتبرها مراقبون مرتبطة بجس نبض المواطن السعودي وتعويده تدريجيا على وجود الإسرائيليين من مسؤولين وغيرهم داخل المملكة.

وفي إطار ذلك استقبلت الرياض في شهر يوليو الماضي أعضاء فريق إسرائيلي للمشاركة في مهرجان “غيمرز 8″ للألعاب الإلكترونية.

وفي شهر سبتمبر الماضي حضر وفد رسمي إسرائيلي اجتماعا في الرياض لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو بناء على دعوة وجّهتها له المنظمة.

لكنّ هذا الزخم تلاشى إثر شنّ حركة حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في أكتوبر الماضي ما أشعل فتيل الحرب الراهنة بين الدولة العبرية والحركة الفلسطينية، وخلق رأيا عاما سعوديا وعربيا – إسلاميا كارها لإسرائيل، ولم يعد بإمكان السعودية ذات المكانة الدينية الاسثنائية في محيطها تجاهله والقفز عليه.

3