إدارة بايدن تتجاهل ضغوطا من الكونغرس تطالب بتطبيق قانون "عداء أميركا" على الجزائر

دعوات أميركية إلى تطبيق عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها مع روسيا.
السبت 2022/10/15
بلينكن يغض الطرف عن لائحة ضد الجزائر

واشنطن - تتجاهل الإدارة الأميركية ضغوط مشرعين في الكونغرس تطالب بفرض عقوبات على الجزائر استنادا إلى قانون “عداء أميركا” الذي أقر قبل نحو ست سنوات، وذلك على خلفية تنامي العلاقات الجزائرية - الروسية في السنوات الأخيرة.

ويعكس هذا التجاهل ازدواجية المعايير لدى إدارة جو بايدن. ففيما تشن هذه الإدارة حملة شرسة على بعض الدول العربية لتقاطع مصالحها الاقتصادية مع موسكو، تغض الطرف عن علاقات متينة لدول أخرى بروسيا تتجاوز البعد الاقتصادي إلى السياسي والعسكري.

وأعلنت السيناتور عن الحزب الجمهوري ليزا ماكلين، في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي عبر موقعها الرسمي، أنها جمعت 27 توقيعا داخل الكونغرس حول رسالة موجهة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تدعوه فيها إلى تطبيق قانون “معاداة أميركا” على الجزائر.

وجاء في الرسالة “كما تعلم، فإن روسيا هي أكبر مورد للأسلحة العسكرية للجزائر، في العام الماضي وحده، أنهت الجزائر صفقة شراء أسلحة مع روسيا بأكثر من 7 مليارات دولار”.

وتابعت ماكلين في رسالتها “في هذه الصفقة، وافقت الجزائر على شراء طائرات مقاتلة روسية متطورة، بينها سوخوي 57 التي لم توافق روسيا على بيعها إلى أي دولة أخرى حتى الآن. مما جعل الجزائر ثالث أكبر متلقٍ للأسلحة الروسية في العالم”.

ودعت بلينكن إلى “تأكيد سلطته وإرسال رسالة مفادها أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع الدعم الدبلوماسي لنظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستبدادي”.

ليزا ماكلين: وافقت الجزائر على شراء طائرات مقاتلة روسية متطورة، بينها سوخوي 57 التي لم توافق روسيا على بيعها إلى أي دولة أخرى

وأقر الكونغرس الأميركي في العام 2017 قانون مكافحة أعداء أميركا، ويتيح القانون للرئيس الأميركي فرض عقوبات على من ينخرطون في صفقة مهمة مع شخص يمثل جزءا من أو يعمل لصالح أو نيابة عن قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين.

وحسب رسالة ماكلين فقد فوض الرئيس سلطة العقوبات إلى وزير الخارجية بالتشاور مع وزير الخزانة.

وسبقت هذه الرسالة أخرى وجهها منتصف سبتمبر الماضي السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى بلينكن أيضا، وتدعو إلى تطبيق العقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها مع روسيا.

وترصد السلطة الجزائرية هذه الدعوات لكنها تتجنب التعليق عليها، كما هو الحال بالنسبة إلى الخارجية الأميركية. بل وفي المقابل، وعلى الصعيد الرسمي يتبادل الجانبان “رسائل ود”.

البداية كانت من استقبال رئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة السفيرة الأميركية لدى بلاده إليزابيث مور أوبين في الرابع عشر من سبتمبر الماضي.

وكان اللقاء بمثابة سابقة، فقائد الجيش نادرا ما يستقبل سفيرا لدولة أخرى، فيما قالت وزارة الدفاع إن اللقاء كان “فرصة للجانبين لتباحث القضايا ذات الاهتمام المشترك والتعاون الثنائي بين البلدين وسبل تدعيمها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين”.

ونشرت السفارة الأميركية حينها بيانا جاء فيه “تشرفت السفيرة أوبين بمناقشة فرص التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والجزائر مع الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي”.

وتوالت بعد هذا اللقاء لقاءات أخرى بين الجانبين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بين وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة ومسؤولين بالخارجية الأميركية.

والتقت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان في الثاني والعشرين من سبتمبر الماضي مع لعمامرة على هامش تلك الاجتماعات.

وقالت شيرمان، عبر تغريدة، إن “اللقاء تناول قضايا الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان وشراكتنا الاقتصادية، وأتطلع إلى مواصلة تعميق علاقتنا القوية والمستدامة”.

وقبلها بيوم واحد، التقى لعمامرة مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى السفيرة باربرا ليف، وقالت الخارجية الأميركية إن “اللقاء ناقش التعاون بين الولايات المتحدة والجزائر بشأن الاستقرار الإقليمي والسلام وقمة جامعة الدول العربية المقبلة بالجزائر في 1 و2 نوفمبر المقبل”.

ووصفت الخارجية الأميركية في البيان الجزائر بأنها “شريك قوي لواشنطن من أجل تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والقارة الأفريقية”.

وفي الخامس من أكتوبر الجاري أعلنت السفيرة الأميركية بالجزائر عقد لقاء مع لعمامرة. ولم تكن هناك مناسبة محددة لعقده. وبينما التزمت الخارجية الجزائرية الصمت عن اللقاء ومضمونه، قالت السفيرة أوبين عبر تغريدة “يسعدني دائما مقابلة وزير الخارجية رمطان لعمامرة ومناقشة العلاقة الثنائية القوية والمتنامية بين الولايات المتحدة والجزائر”.

ولم يختلف تصريح السفيرة عن مضمون تصريحات المسؤولين في الخارجية الأميركية الذين التقى بهم لعمامرة سابقا حول وجود “علاقات قوية ومتينة” بين البلدين.

كما التقت السفيرة أوبين في اليوم نفسه أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الأغلبية في البرلمان والعضو في الحكومة) أبوالفضل بعجي.

وألمح الحزب في بيان إلى رسالة أعضاء الكونغرس بالقول إن بعجي أبلغ السفيرة الأميركية بأن “الجيش الجزائري يُجهز نفسه لحماية الوحدة الوطنية ومراقبة الحدود التي تشهد بؤر توتر من الحدود مع المغرب إلى الحدود مع ليبيا”.

وتجاهل الإعلام المحلي الجزائري رسالة أعضاء الكونغرس باستثناء تعليقات محدودة لصحف التقت في اعتبارها “حملة وراءها جهات معادية للبلاد”.

ونشرت صحيفة “الشروق” (خاصة)، في السادس والعشرين من سبتمير الماضي، مقال رأي للكاتب خيرالدين هني قال فيه إن ما أسماها حملة بدأها السيناتور ماركو روبيو، وهو حسبه مقربا من لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك)، كانت بسبب مواقف الجزائر الرافضة للتطبيع مع إسرائيل.

توفيق بوقاعدة: سبق وأن قدم بايدن لائحة ضد الجزائر حين كان نائبا

ونشرت صحف محلية بيانا للمفكر اللبناني معن بشور مؤسس المنتدى القومي العربي اعتبر فيه أن رسالة أعضاء الكونغرس حملة لممارسة ضغوط على الجزائر بحجة تعاونها مع روسيا، لكنها في حقيقتها تهدف إلى منع الجزائر من لعب دور متزايد عربيا وإسلاميا وأفريقيا وأمميا.

كما أصدر حزب العمال الجزائري (يسار) بيانا تساءل فيه “بأي حق يتدخل نواب أميركيون في شأن بلادنا الداخلي (؟!) منذ متى أصبح البرلمانيون الأميركيون مؤهلين لإملاء العلاقات السياسية والدبلوماسية والمبادلات التجارية وغيرها على الدول الأخرى؟”.

واعتبر أن “هذا التطور السياسي يُشكل اعتداء لا يُطاق على سيادة بلادنا خاصة وأنه يحدث في سياق عالمي يُميّزه تسارع مسار عولمة الحرب في أوكرانيا”.

وأعرب أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة (حكومية) توفيق بوقاعدة في حديث عن اعتقاده بأن “العلاقات الجزائرية – الأميركية لن تتأثر بمثل هذه الرسائل للنواب، خاصة وأنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها تداولها”.

وأضاف أن “هذه اللائحة غير ملزمة أصلا للإدارة الأمريكية.. وحتى الرئيس الحالي جو بايدن أذكر أنه قدم لائحة ضد الجزائر حين كان نائبا عام 1990 بزعم سعيها لامتلاك سلاح نووي، لكن هذا الطلب تم تجاهله”.

واعتبر بوقاعدة أن “العلاقات الجزائرية - الروسية تاريخية وخاصة في المجال العسكري حيث تعد موسكو أهم مصدر لمنظومة الدفاع الجزائرية منذ عقود”، مشيرا إلى أنه لم يسبق أن اعترضت واشنطن على العلاقات الجزائرية - الروسية، كما أن قائمة الدول المستوردة للسلاح الروسي طويلة وعريضة ولا يمكن أن تعاقب أميركا كل هذه الدول”.

4