إخوتنا باعة الكلام

تقول الحكاية، إن سقراط كان جالسا بين تلاميذه وهم يتناقشون في قضايا فلسفية، فإذا بشاب يقترب منهم مزهوا بنفسه ولم يتكلم وهو ينظر إلى الآخرين باستخفاف، حينها قال سقراط جملته الشهيرة “تكلم حتى أراك”.
لا يتكلم المرء من أجل الكلام لذاته، وإلا اعتبر ثرثارا، بل من أجل أن يقول ما ينفع.
فـ”الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام” كما نُقل عن الإمام علي، الذي يُقال أيضا إنه تمنى أن تكون له رقبة بعير لكي لا يخرج الكلام منه مسرعا فيُخطئ هدفه.
وهناك مَن يجد في الكلام نوعا من الفضيحة، فيقول “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب”. أو تلك المقولة التي تحث على الاختصار “خير الكلام ما قلّ ودلّ”.
أما جورج وسوف وهو مطرب سوري يقيم في لبنان، فيقول “كلام الناس لا بيقدم ولا يأخر/ كلام الناس ملامة وغيرة مش أكثر”، ذلك هو كلام الناس، أما حين يُقال “كلام جرايد”، فإن تلك الجملة تعبر عن عدم الثقة بما يكتبه الصحافيون. بمعنى أنه هناك شك في مصداقية ما يُكتب في الصحف.
ولقد وُصف السياسيون في كل العصور بأنهم باعة كلام. ومَن يبيع الكلام لا يشتريه. وفي ذلك تأكيد للمثل الشعبي “أسمع كلامك أصدقك/ أشوف أفعالك أتعجب”.
السياسي تحوم حوله الشبهات حتى وإن كان صادقا. والسياسي يعرف لمَن يبيع كلامه كما لو أنه بضاعة رابحة.
الخاسر هو مَن يصدق أو يريد أن يصدق. ذلك ما يحدث في الحب أيضا. فالعاشق لا يرى ولا يسمع إلا ما يريد أن يراه ويسمعه.
وفي ذلك تقول صباح “كلام كلام كلام بس/ ما بختش منك غير كلام/ علقت قلبي بالهوى/ بكلام بيسرح في الهوا / وحلفت لي حنعيش سوا / سوا سوا/ وأنت أتاريك بياع كلام”.
ومن ظريف أحوال هذه الأغنية أن ملحنها حلمي بكر أشاع أن الحكومة المصرية منعت بث هذه الأغنية بسبب أن الإذاعة العراقية كما قال، كانت تبث تلك الأغنية بعد خطابات الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات.
ولقد تبين في ما بعد أن بكر هو بياع كلام أيضا أو هكذا قيل، فليس هناك ما يؤكد أن الأغنية كانت قد مُنعت.
ومن أكثر أسباب المنع ظرافة ما حدث لفرقة البيتلز البريطانية حين منعت الفلبين تداول أسطواناتها بسبب رفض أعضاء الفرقة تلبية دعوة العشاء التي وجهها لهم رئيس البلاد يومها فرديناند ماركوس.