إخوان الأردن يخشون من ارتدادات أزمة كورونا السياسية

حالة من القلق والتوجس تسيطر على جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية جبهة العمل الإسلامي في الأردن، إزاء التوجهات الحكومية التي تنحو أكثر صوب التشدد في ظل هواجس مما قد تخلّفه أزمة تفشي فايروس كورونا من إخلالات اقتصادية عميقة تهدد الاستقرار الاجتماعي للمملكة.
عمان – تستشعر جماعة الإخوان المسلمين حالة من القلق على خلفية إبداء الحكومة الأردنية حزما في التعاطي مع التفلتات لبعض الأطراف، نتيجة الوضع غير المسبوق الذي تمر به المملكة جراء تفشي فايروس كورونا المستجد.
وتخشى الجماعة من أن يقيد التشدد الحكومي حركاتها، وهي التي لطالما راهنت خلال السنوات الأخيرة على توظيف الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، لفرض حضورها في المشهد وإعادة البريق لشعبيتها المتآكلة.
وتراجع دور جماعة الإخوان بشكل واضح منذ العام 2013 جراء الخلافات التي عصفت بأركانها، ما أدى إلى انشقاق عدد بارز من قياداتها وتشكيل كيانات جديدة، وحاولت الجماعة العودة وتصدر المشهد بيد أنها لم تفلح نتيجة انفضاض الأنصار من حولها، زد على ذلك رفع القضاء الأردني الغطاء القانوني عنها.
وترقبُ الجماعة وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي بحذر مشوب بالقلق خطوات الحكومة هذه الأيام، خاصة مع بروز دعوات من هنا وهناك تحثّ على الذهاب في خيار تطبيق الأحكام العرفية لمواجهة تبعات فايروس كورونا الذي وإن تبلي المملكة بلاء حسنا في مواجهته، بيد أن كثيرين يشككون في قدرتها على احتواء تداعياته الاقتصادية وهذا ما يثير هواجس متزايدة من وقوع رجات اجتماعية.
وانتقد حزب جبهة العمل الإسلامي اعتقال عدد من الإعلاميين والناشطين السياسيين، وذكر الحزب “لئن دعمنا كل الجهود الرسمية في مواجهة وباء كورونا الذي يهدد سلامة المجتمع، ودعونا للالتزام بالإجراءات المتعلقة بالحفاظ على السلامة العامة، وضرورة توخي الدقة والمصداقية في نقل الخطاب الإعلامي، فإننا نؤكد ضرورة عدم التوسع بالعمل بقانون الدفاع بما يمس بالحقوق المدنية والسياسية والحريات العامة التي كفلها القانون والدستور”، مجدداً المطالبة بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي.
الأردن مقبل على مرحلة خطيرة قد تفجر موجة احتجاجات تخشى الحكومة من عدم القدرة على ضبطها أو احتوائها
وبموجب قانون الدفاع الذي بدأ العمل به منذ مارس الماضي في سياق احتواء خطر تفشي فايروس كورونا، اعتقلت السلطات الأردنية مؤخرا إعلاميين هما المدير العام لفضائية “رؤيا” فارس الصايغ، ومدير الأخبار فيها محمد الخالدي على خلفية مقابلات تلفزيونية مع مواطنين اشتكوا من تدهور الوضع الاقتصادي بفعل حظر التجوال المفروض كإجراء احترازي من كورونا؛ ما اعتبرته الحكومة “خرقا” لجهودها في مواجهة الجائحة.
موجة الاعتقالات طالت أيضا عددا من النشطاء بينهم النائب السابق المهندس سليم البطاينة الذي ما فتئ يوجّه انتقادات لحكومة عمر الرزاز حيال أسلوب تعاملها مع جائحة كورونا حيث يتهمها باعتماد “الشو” والإثارة في هذه المعركة داعيا في إحدى مقالاته رئيس الوزراء إلى الاستقالة.
وتقول أوساط سياسية أردنية إن الأردن مقبل على مرحلة خطيرة قد تجبره على اتخاذ قرارات مؤلمة اقتصاديا الأمر الذي يخشى أن يفجر موجة احتجاجات تخشى الحكومة من عدم القدرة على ضبطها أو احتوائها.
وتلفت الأوساط إلى أن الحكومة تحاول الاستثمار في قانون الدفاع المعلن لضبط حركة الشارع وإيصال رسائل للمعنيين من القوى السياسية والمجتمعية بينهم جماعة الإخوان بأنها لن تتوانى عن اتخاذ أي إجراءات لفرض الاستقرار.
ولطالما استثمرت جماعة الإخوان في الأزمات الداخلية للدولة، في مساعيها للحصول على تنازلات من الجهات الرسمية، ولئن تبدي الجماعة حاليا حذرا حيال كيفية التعاطي مع الحكومة، بيد أنها تبقى متحفزة لأي تحرك من قبل الأخيرة لاستغلاله خدمة لأهدافها السياسية وفي مقدمتها إثارة الشارع.
وكانت صدرت في 17 مارس إرادة ملكية بالموافقة على قرار مجلس الوزراء، بتفعيل قانون الطوارئ في جميع أنحاء المملكة. وينص الدستور الأردني في المادة 124 على أنه “إذا حدث ما يستدعي الدفاع عن الوطن في حالة وقوع طوارئ فيصدر قانون باسم قانون الدفاع تعطى بموجبه الصلاحية إلى الشخص الذي يعينه القانون لاتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية بما في ذلك صلاحية وقف قوانين الدولة العادية لتأمين الدفاع عن الوطن”.
ويمنح قانون الدفاع الحكومة صلاحيات واسعة من بينها وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والتنقل والإقامة، وإلقاء القبض على المتشبه بهم أو الخطرين على الأمن الوطني والنظام العام واعتقالهم. ووفقا للقانون فللحكومة الحق في مراقبة الرسائل والصحف والمطبوعات والنشرات والرسومات وجميع وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وتعطيلها وإغلاق أماكن إعدادها.
ويقول محللون إن إعلان قانون الدفاع كان ضرورة فرضها الوضع غير المسبوق نتيجة تفشي الوباء لكن ذلك لا يخفي أنه هناك هواجس من أن يتم توجيهه لغايات أبعد من ذلك، في ظل مؤشرات على أنه لن يتم إيقاف العمل به قريبا، لاسيما وأن الوضع الاقتصادي ينحدر للأسوأ وقد تضطر الحكومة إلى فرض تدابير بينها رفع الضرائب لمواجهة خطر الانهيار.
ولا يستبعد المحللون أنه في حال فشلت الإجراءات المتخذة ضمن قانون الدفاع في احتواء تداعيات كورونا اقتصاديا واجتماعيا أن تذهب الدولة في خيار أكثر راديكالية وهو إعلان الأحكام العرفية الذي سبق وأن اعتمد في المملكة لكن لظروف مختلفة في علاقة بالحرب مع إسرائيل. وحذر تقرير نشرته الخارجية الإسرائيلية الاثنين من إمكانية اهتزاز الوضع في الأردن، جراء التبعات الاقتصادية لأزمة كورونا.
وتراقب إسرائيل عن كثب الوضع في الأردن المجاور الذي أبرمت معه في العام 1994 معاهدة للسلام، وتعتبر إسرائيل أن أي اهتزاز داخل المملكة من شأنه أن ينعكس عليها بشكل غير مباشر.
وكان الوزير السابق والخبير الاقتصادي جواد العناني أول من طرح السير في خيار فرض الأحكام العرفية عبر وكالة الأنباء الأردنية الرسمية فيما بدا محاولة لجس نبض الشارع والأطياف السياسية والمجتمعية.
وقال العناني قبل أيام “إن الوضع خطير والأردن يحتاج إلى أحكام عرفية لمدة سنتين للخروج من أزمة الاقتصاد المحلي ما بعد كورونا، واتخاذ إجراءات جراحية في الشأن الاقتصادي تضمن قيام كل جهة بمسؤوليتها، ويجب أن تعلو مصلحة الوطن على مصلحة الأفراد وبتكاتف الجهود سنخرج من هذا النفق المظلم”.
وأثارت هذه الدعوة حالة من الرعب لدى جماعة الإخوان لاسيما وأن وضعها القانوني مهتز، وأعرب الذراع السياسي لها عن رفضه لهذه الخطوة قائلا في بيان إن “قانون الدفاع الذي أعلنته الحكومة وما تضمنه من إجراءات وصلاحيات واسعة كفيل بمواجهة هذه الجائحة العالمية”.
وذكر أن “تطبيق الأحكام العرفية عودة إلى الوراء، وستكون له آثار سلبية على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويفتح الباب أمام انتهاك حقوق المواطنين وحريتهم التي ضمّنها الدستور”.
ويقول المحللون إن مسألة السير في تفعيل قانون الأحكام العرفية ما يزال قيد البحث في الكواليس وأن هناك شقا كبيرا غير متحمس للسير فيه معتبرا أن قانون الدفاع المفعل حاليا كاف لضبط الأمور ومنع تدهور الوضع.