إخلاء قاعدة باغرام يسهل مهمة طالبان في السيطرة على أفغانستان

مع قرب استكمال مغادرة القوات الأجنبية بالكامل لأفغانستان، بات الطريق معبدا أكثر لإحكام حركة طالبان المتمردة سيطرتها على البلاد. ويتخوف مراقبون من انفلات أمني يعصف بالمنطقة فيما يتهم آخرون الإدارة الأميركية بأنها منحت طالبان نصرا دون مقابل وبلا ضمانات.
كابول – يسهل إخلاء القوات الأميركية لقاعدة باغرام العسكرية في كابول وتسليم مهام إدارتها إلى الجيش الأفغاني المتعثر مهمة حركة طالبان في السيطرة على أفغانستان، فيما يخشى عسكريون أميركيون من انفلات أمني يؤسس لحرب أهلية عقب استكمال الانسحاب الأميركي في سبتمبر المقبل.
وشكلت قاعدة باغرام مركزا أساسيا للعمليات الأميركية الاستراتيجية في أفغانستان، إذ انطلقت منها الحرب الطويلة على حركة طالبان وتنظيم القاعدة المتحالف معها في 2001 في أعقاب هجمات 11 سبتمبر.
واستخدم الجيش الأميركي قاعدة باغرام الجوية التي تبعد نحو 60 كيلومترا شمالي كابول لتنسيق ضرباته الجوية ودعمه اللوجيستي لبعثته في أفغانستان.
وتشكل قدرة القوات الأفغانية على المحافظة على سيطرتها في قاعدة باغرام الجوية مسألة محورية في ضمان أمن كابول المجاورة ومواصلة الضغط على حركة طالبان.
وفي الأشهر القليلة الماضية تعرضت باغرام لرشقات صاروخية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما أجج مخاوف من أن يكون المتشددون يفكرون في استهدافها في المستقبل.
وحتى مايو 2021 كان ينتشر في أفغانستان قرابة 9500 جندي أجنبي، يمثل العسكريون الأميركيون أكبر كتيبة بينهم مع 2500 عنصر، فيما تقول تقارير إعلامية إن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ستبقي قرابة 600 عسكري في أفغانستان لحراسة مجمع السفارة الكبير في كابول.
وقال الخبير في شؤون أفغانستان نيشانك موتواني ومقره في أستراليا، إن خروج القوات الأجنبية من قاعدة باغرام “يرمز إلى أن أفغانستان وحيدة وتركت للدفاع عن نفسها في مواجهة هجوم طالبان”.
وأضاف موتواني “بعد وصولهم إلى بلادهم، سيراقب الأميركيون وقوات التحالف ما حاربوا بشدة لبنائه على مدى 20 عاما وهو يحترق من بعيد، ويعرفون أن الرجال والنساء الأفغان الذين حاربوا معهم يخاطرون بفقدان كل شيء”.
وفي أول رد فعل على إخلاء القاعدة، وصف المتحدث باسم حركة طالبان ذبيح الله مجاهد ذلك بأنه “خطوة إيجابية” يمكن أن تساعد البلاد على تحقيق الاستقرار والسلام، مضيفا “سيمهد الانسحاب الكامل الطريق أمام الأفغان ليقرروا مستقبلهم في ما بينهم”. وقال الجنرال الأفغاني المتقاعد أمين الله عامر خيل الجمعة إن انسحاب القوات الأميركية من القاعدة يعني أن القوات الأفغانية لن تتلقى بعد الآن دعما جويا حاسما في الوقت الذي تواجه فيه هجمات مكثفة من مسلحي طالبان في أنحاء البلاد.
وتم الاتفاق مع طالبان على الانسحاب الأميركي خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. وفي مقابل الانسحاب تعهدت طالبان، التي تقاتل لطرد القوات الأجنبية والإطاحة بالحكومة المدعومة من واشنطن، بمنع أي أنشطة إرهابية دولية تنطلق من الأراضي الأفغانية. كما تعهدت الحركة بالدخول في محادثات مع خصومها الأفغان، لكن لم يتم إحراز تقدم يذكر في المفاوضات.
وشنت حركة طالبان هجمات متواصلة في أنحاء أفغانستان في الشهرين الأخيرين وسيطرت على العشرات من الأقاليم، فيما عززت قوات الأمن الأفغانية سيطرتها في محيط المدن الرئيسية.
ولا يستبعد عسكريون اندلاع حرب أهلية في أفغانستان عقب انسحاب القوات الأميركية بالكامل. ومن أجل تفادي هذا السيناريو الذي ستكون له تداعيات إقليمية كارثية، يدعو هؤلاء إلى تأمين الانسحاب بطريقة مدروسة تبقي لواشنطن آليات التحكم في مجريات الأحداث. وحذر الجنرال سكوت ميلر قائد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان الأسبوع الماضي من خطر وقوع حرب أهلية في البلاد، فيما تحقق طالبان مكاسب متسارعة في ميادين المعارك وهو ما قد يقود الجيش الأفغاني إلى الانهيار بعد حرمانه من الدعم اللوجستي الأميركي المرافق عن قرب لعملياته ضد الحركة. وأضاف ميلر “استمرار الأوضاع الأمنية بهذا الشكل ينذر بحتمية اندلاع حرب أهلية في أفغانستان، بعد انسحاب قوات الناتو”، مشددا على أن تزايد موجات العنف يصعّب الحل السياسي.
وطالب الجنرال الأميركي الحكومة الأفغانية بالعمل على بسط نفوذها على المدن والطرق السريعة الرئيسية وترك المناطق الريفية ذات القيمة الاستراتيجية الأقل لطالبان.

وفي اجتماعهما في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، بينما كان الانسحاب الأميركي يمضي قدما، أخبر الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره الأفغاني أشرف غني أن الولايات المتحدة ستواصل دعم بلاده، ووعد بمساعدات إنسانية بقيمة 266 مليون دولار وأخرى أمنية بقيمة 3.3 مليار دولار.
وأعرب غني عن شكره لكنه لا يمكن أن يعيش في الأوهام. إذ أن بايدن يتركه وهو في حالة ضعف شديد، حتى لو لم يكن قد تقطعت به السبل (في الوقت الحالي)، حيث أن قدرة واشنطن على التأثير في الأحداث بمجرد اكتمال الانسحاب الرسمي ستتقلص.
ودون وجود أميركيين على الأرض، سوف يفقد رجال المخابرات أي اتصال مباشر بالأشخاص الذي يزودونهم بالمعلومات، ولن تتمكن قوات العمليات الخاصة من شن غارات إلا في حالات نادرة. ومن المرجح أن يكون أي وصول إلى قواعد في بلدان مجاورة مقيدا بشدة.
ويقول محللون إنه لن تكون للولايات المتحدة القدرة على الحفاظ على ممارسة الضغط الدائم على مثل الجماعات المتمردة مثلما تفعل الآن. ويشير هؤلاء إلى أنه يتعين أن تتمثل الأولويات في عرقلة أي هجمات على الولايات المتحدة وحلفائها، وتدمير القواعد ومعسكرات التدريب التي ربما يتجمع فيها المجندون.
وحتى تحقيق تلك الأهداف الأكثر تواضعا سوف يتطلب مصادر جديدة لمعلومات استخباراتية يتعين تطويرها بسرعة. كما يتعين على الولايات المتحدة أن تستثمر الآن في زيادة القدرات الأفغانية. وفي غياب الدعم القتالي المباشر، يتعين على الولايات المتحدة أن تبذل قصارى جهدها للحفاظ على قدرة الجيش الأفغاني على القتال.
ويتعين على القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي أن تقوم بتدريب القوات الأفغانية خارج البلاد، مع ممارسة الضغط للقيام بإصلاحات لتأسيس جيش أقل حجما وأكثر استدامة.
وينبغي أيضا على الولايات المتحدة أن تعمق العلاقات مع الأشخاص أصحاب النفوذ المحليين وقادة المجموعات العرقية، الذين لديهم أسبابهم الخاصة لمعارضة المتطرفين.