إخفاء المعاني والتستر بقول غيرها غريزة يشترك فيها البشر

الناقد العماني محمود بن يحيى الكندي يرى أن ظاهرة المسكوت عنه ليست حكرا على لغة دون أخرى.
الثلاثاء 2022/02/15
الصمت لغة أيضا (لوحة للفنان تحسين الزيدي)

مسقط - في كتابه الجديد بعنوان “المسكوت عنها في الخطاب” يقتحم الناقد العماني محمود بن يحيى الكندي خفايا النصوص الأدبية من خلال البحث في ما تسكت عنه وما تضمره في خطابها.

ويرى الناقد أن إشكالية العنوان تبدأ مع ما يتخيله المرء بداية من “أن البحث في المسكوت عنه بحث في ما وراء الخطاب، أو بحث في الميتالغوي، فيكون بمنزلة البحث في ما وراء الطبيعة، إذ كيف نبحث عن مسكوت عنه؟ وهل لنا أن نتبين مسكوتا عنه أغفلته اللغة، ونَفَتْهُ الأذهان من ملفوظها؟ فهو في عالم الغيب عصيّ على الاستدعاء، مستتر عن التجلي”.

ويشير إلى أن جملة المسكوت عنه “مفهوم جامع يمكن أن تدخل فيه معان عدة، وربما توسع فيغدو أوسع من الكلام”، مضيفا أن عنوان كتابه “ينهض على ثلاثية، قوامها: المسكوت عنه، والخطاب، وحرف الجر ‘في’ المفيد للظرفية”.

الكتاب استفاد من الترجمة والنتاج المنسوب إلى شتى المدارس اللسانية والأدبية الحديثة والمعاصرة لبحث ظاهرة المسكوت عنه

ويؤكد الكندي أن “التقابل بين المسكوت عنه والخطاب يبدو تقابلا بين متناقضين، فالمسكوت عنه منسوب إلى السكوت وهو احتباس الصوت وانقطاع الكلام، والخطاب كلام بالمفهوم السوسيري؛ أي اللغة في الاستعمال، ولكن حرف الجر ‘في’ أسقط

السكوت على الكلام، وجعله من جملة سياساته، وشكلا من أشكاله، وبذلك تنضبط حدود بحثنا إذ نبحث عن المسكوت عنه في تلوين الكلام وضروب الخطاب”.

ويضيف الكندي أنه “كان لزاما علينا تخليص مفهوم المسكوت عنه من جميع ما ‘لم يقل’، و ‘ما لا يقال’ و’ما لا يمكن أن يقال’ لأن تحديد مفهوم المسكوت عنه بهذه المقولات لا يعطي مفهوما يمكن توظيفه في دراسة مضبوطة الحدود، ونرى أنه لا نهاية للبحث في المسكوت عنه في إطار تلك المقولات”.

ويرى الناقد أن بحثه “يتنزل في ما تشترك فيه اللغات؛ أي في الكليات اللغوية؛ فظاهرة المسكوت عنه ليست حكرا على لغة دون أخرى؛ فإخفاء المعاني والتستر بقول غيرها كالغريزة، يشترك فيها البشر، فهي في اللغات كافة: فصيحها ودارجها؛ ولذا رأينا أن نستفيد مما أتيح لنا من نظر المفكرين دون إيثار لثقافة على أخرى أو لنتاج على آخر، وأفدنا مما قيل في التراث العربي، وهو غزير غني، كما أفدنا مما أمكننا الإفادة منه في حدود إمكاناتنا من المترجم وغير المترجم من النتاج المنسوب إلى شتى المدارس اللسانية والأدبية الحديثة والمعاصرة”.

وجاء الكتاب، الصادر أخيرا عن دار لبان للنشر، في ثلاثة أبواب، يبحث الأول في قضايا المفهوم والمصطلح، والثاني بعنوان “البنى النحوية المولدة للمسكوت عنه”، للدلالة على إمكانية “أن يكون المسكوت عنه متولدا من بنية الكلام، أو من العدول عن البنية الأصل إلى بنية فرع”.

أما الباب الثالث من الكتاب فيخصصه الناقد للبحث في “الاستراتيجيات المولدة للمسكوت عنه” حيث يعرض المسكوت عنه في وجهه الأدبي، ووجهه الحضاري؛ “فتناولنا إمكان تولده من بنى الأجناس الأدبية، ومنزلته في الاستراتيجيات الكلامية غير المباشرة القائمة على المشابهة كالاستعارة، أو غير المشابهة كالتعريض والكناية، وجعلنا في هذا الباب مبحثا للمسكوت عنه نتيجة إجراء سياسة الانتقاء والاستبعاد في الخطاب، وأفردنا مبحثا لمنزلة المحرمات the taboo من المسكوت عنه”.

13