إخضاع شركات البث التدفقي لقواعد الإعلام المحلي مسألة وقت

قررت الحكومة البريطانية تطبيق قواعد هيئة مراقبة وسائل الإعلام “أوفكوم” على شركات البث التدفقي والنظر في الشكاوى المقدمة ضد هذه المنصات بعد انتقادات متزايدة لمحتواها، وهو ما حدث في بلدان عديدة مما يجعل تنظيم عمل عمالقة البث التدفقي مسألة وقت.
لندن – تخطط الحكومة البريطانية لتنظيم شركات البث العملاقة مثل “نتفليكس” و”ديزني بلاس” و”أمازون برايم” بنفس الطريقة التي تنظم بها وسائل الإعلام التقليدية مثل “بي.بي.سي” و”آي.تي.في”، واستقبال شكاوى الجمهور بشأن المحتوى الذي تبثه، في بادرة تفتح الباب لتنظيم هذه الشركات في بلدان مختلفة من العالم.
وتتضمن الخطط الحكومية التي سيتم نشرها قريبا، توسيع نفوذ هيئة مراقبة وسائل الإعلام “أوفكوم” لتشمل السيطرة على خدمات البث عند الطلب، مما يسمح لها بالبت في الشكاوى المتعلقة بالتحيز وعدم الدقة.
وبحسب صحيفة “تلغراف” البريطانية، من المقرر أن يقدم وزير الثقافة أوليفر دودن الاقتراح كجزء من قانون البث الجديد.
وتواجه نتفليكس وغيرها من منصات البث التدفقي انتقادات بشأن محتواها الذي لا يتلاءم مع معايير الإعلام في الدول، إضافة إلى سحبها البساط من المنصات التقليدية بسبب إمكانياتها الضخمة، مما يجعلها أشبه بإمبراطوريات تحظى بسطوة كبيرة دون القدرة على ضبط سلوكها.
لكن في نفس الوقت تخشى الحكومات من تقليص شركات البث لإنتاجها المحلي حيث توفر المئات من الوظائف إلى قطاع الإنتاج في المملكة المتحدة.
ونقل تقرير “تلغراف” عن مصدر حكومي قوله “يتعين على الإعلاميين البريطانيين التنافس مع هؤلاء العمالقة بيد واحدة مقيدة خلف ظهورهم. حيث تمتلك هذه الشركات تمويلا كبيرا ولا تخضع للتنظيم إلى حد كبير، مما يترك لها الحرية في فرض تفسيرها للحياة البريطانية”.
وأضاف المصدر “مع وتيرة التغيير وزيادة المنافسة العالمية، يشعر وزير الثقافة أن الوقت قد حان للنظر في كيفية تكافؤ الفرص بين هيئات الإعلام التقليدية وخدمات الفيديو تحت الطلب والتأكد من أن مشهد البث في المملكة المتحدة مناسب للقرن الواحد والعشرين”

أوليفر دودن: مشهد البث البريطاني يجب أن يناسب القرن الحادي والعشرين
وبموجب القواعد الحالية، لا تقع نتفليكس ضمن اختصاص “أوفكوم” لأن مقرها في هولندا. وبدلا من ذلك، تخضع للتنظيم الهولندي حتى على برامجها باللغة الإنجليزية المصممة خصيصا لنسخة المملكة المتحدة من موقعها.
وفي العام الماضي واجهت نتفليكس انتقادات بسبب مشاهد في المسلسل الدرامي”ذا كراون” الذي تناول انهيار الزواج بين الأمير تشارلز وديانا، أميرة ويلز، واحتوى على أخطاء تاريخية.
ودفع هذا جون ويتينغديل وزير الإعلام إلى التساؤل عن سبب عدم التزام شركات البث التدفقي بنفس معايير هيئات البث التقليدية وذلك خلال اجتماع اللجنة المختارة للرقمية والثقافة والإعلام والرياضة.
وتم التعهد بسن تشريع يضمن حصول منصات الخدمة العامة على مكانة بارزة مقارنة بمنصات التلفزيون الذكية.
غير أن بريطانيا ليست الوحيدة التي أبدت انتقادات للمحتوى الذي تبثه نتفليكس.
ففي عام 2019 طلب مدعي عام عمّان من وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية الأردنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف بث أول مسلسل عربي صُوّر في الأردن من إنتاج شبكة «نتفليكس» الأميركية، لتضمنه “مقاطع إباحية”.
وأثيرت ضجة واسعة حول الجهة المخولة بوقف البث، حيث أصدرت هيئة الإعلام في الأردن بيانا أكدت فيه أن “مثل هذا الإنتاج لا يدخل ضمن صلاحياتها في الاطلاع والرقابة على السيناريو، أو الأمور الفنية والتقنية من حيث الإعداد والإنتاج والتمثيل والإخراج، وذلك وفقا لأحكام قانون الإعلام المرئي والمسموع النافذ”.
وكانت تركيا من أوائل الدول التي تتخذ إجراءات لإخضاع شركات البث التدفقي تحت سلطتها، حيث أصدرت تشريعا يجبر نتفليكس وأمازون برايم على الحصول على ترخيص من هيئة تنظيم البث الحكومية في تركيا.
وتتمتع هيئة تنظيم البث في تركيا بصلاحية الإشراف على شركات البث عبر الإنترنت مثل نتفليكس وأمازون والخدمات المحلية “بلو.تي.في” و”بوهو.تي.في”، وفقا للائحة التي دخلت حيز التنفيذ في أغسطس 2019. ومثل هذه الشركات مطالبة بالحصول على ترخيص من الهيئة من أجل البث.
وجاء القانون بعد نزاع بين نتفليكس وهيئة تنظيم البث في تركيا حول دراما كوميدية منتجة محليا تضمنت قصة تدور حول طالب مدرسة ثانوية مثلي الجنس. وهددت هيئة تنظيم البث بحظر نتفليكس إذا رفضت فرض رقابة على موضوع المثلية الجنسية، مما أدى إلى مفاوضات.
نتفليكس حققت نجاحا كبيرا لكونها الأولى في البث عبر الإنترنت، لكن بعد أن اقتحم آخرون الميدان، يبدو أن قواعد اللعبة تغيرت واشتدت المنافسة
ويمكن للهيئة التنظيمية إيقاف خدمة البث في غضون 24 ساعة، بموجب حكم صادر عن المحكمة.
ويبد أن نتفليكس تحاول الخروج من دائرة الرقابة المفروضة على وسائل الإعلام التقليدية في إنتاجاتها المحلية، إلا أنها تورطت في الكثير من المرات بتناول مواضيع جدلية تحمل حساسية اجتماعية أو سياسية أو أخلاقية بالنسبة إلى بعض الفئات، ما جعلها تواجه حملات غاضبة كما حدث في فيلم “مينيون” الفرنسي الذي اعتبره البعض ترويجيا للبدوفيليا والجنس مع الأطفال، ما دفع الشركة للاعتذار. وتقدم نشطاء بعريضة، طالبوا فيها بحذف الفيلم من المنصة، تحت عنوان “استغلال القُصّر”. وكشف الموقع في ما بعد عن بلوغ قيمة خسائر القيمة التسويقية إلى ما يقرب من 9 مليارات دولار أميركي.
ومن المرجح أن تتوالى القرارات الحكومية في دول مختلفة بعد تركيا والمملكة المتحدة، لتنظيم عمل منصات البث التدفقي، وإلزامها بمعايير وسائل الإعلام التقليدية التي تراعي خصوصية كل المجتمعات المحلية وحساسيتها تجاه بعض المواضيع.
وحققت نتفليكس نجاحا كبيرا لكونها الأولى في البث عبر الإنترنت، لكن بعد أن اقتحم آخرون الميدان، يبدو أن قواعد اللعبة تغيرت وانتشرت الكثير من خدمات البث التدفقي واشتدت المنافسة.
وبدأت هيئات الإذاعة والتلفزيون المحلية بإطلاق خدماتها للبث تحت الطلب، ونظرا لأنها خاضعة لقواعد الإعلام المحلية بات من المشروع المطالبة بإخضاع شركات البث التدفقي العالمية لنفس القواعد.