إجراءات مصرية صارمة تستبق قافلة الصمود

السلطات المصرية أوقفت نحو مئتي ناشط أجنبي بمطار القاهرة وفنادق بالعاصمة قبل انطلاق ما سمي بـ"المسيرة العالمية إلى غزة".
الجمعة 2025/06/13
إيقاف نشطاء أجانب وصلوا إلى مطار القاهرة

القاهرة - لا تريد السلطات المصرية ترك أمر قوافل ومسيرات كسر الحصار على قطاع غزة للصدفة، بعد وصول معلومات إليها حول محاولة اتخاذ هذه القضية ذريعة لممارسة ضغوط على القاهرة، وإجبارها على فتح الحدود مع القطاع، دون اعتبار للأوضاع العسكرية الملتهبة، أو أي تحرك إسرائيلي يمكن أن يقابله نشطاء من دول مختلفة، إذا وصلوا إلى مدينة رفح المصرية واقتربوا من نظيرتها الفلسطينية.

وتسير إجراءات القاهرة الصارمة على خطين متوازيين لمنع حدوث مفاجآت قد تضطرها إلى مواجهة مخاطر في توقيت بالغ الحساسية على الحدود مع قطاع غزة، الأول: أمني من خلال توفير المزيد من ضبط الحدود مع ليبيا، ورفع حالة الاستنفار في المدن المصرية التي استقبلت أو يمكن أن تستقبل نشطاء من دول مختلفة، جوا وبرا وبحرا.

والخط الثاني: دبلوماسي عبر التواصل مع دول يحمل هؤلاء جنسيتها، مع وضع ضوابط قانونية صارمة أعلنتها وزارة الخارجية لمن يريدون دخول البلاد والحصول على تصاريح من السفارات المعنية في الدول التي يخرج منها النشطاء.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” عن وجود أسماء وعناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين من دول عدة، مندسة في صفوف النشطاء القادمين إلى مصر، وبعض المغرر بهم سياسيا أقنعوا بأن هذه الوسيلة يمكن أن تفضح إسرائيل أمام العالم، بينما الهدف الخفي هو إحراج النظام المصري، حال دخلوا البلاد ووصلوا إلى رفح أو منعوا من الدخول، وفي الحالتين تستعد آلة إعلامية، تقودها شبكة الجزيرة، لإقامة الحجة على مصر وإدانتها، وليس إسرائيل التي تقوم بتقتيل الفلسطينيين.

وأضافت المصادر ذاتها أن مصر غير مستعدة للمتاجرة بمعاناة غزة، وقدمت أكثر من 70 في المئة من المساعدات التي دخلت القطاع، ومواقفها ضد التهجير واضحة، وتصديها لخطط إسرائيل والولايات المتحدة معلن، ما كلف الدولة ثمنا باهظا، اقتصاديا وسياسيا، وغير مستعدة لدفع ثمن أمني جديد.

وما توافر لدى الأجهزة الأمنية المصرية من معلومات دقيقة جمعتها أو خبرات اكتسبتها يجعلها لا تترك هذه الأمور للصدفة، ويفرض عليها اتخاذ كل الاستعدادات لمنع مواجهة مأزق أو الدخول في أزمة ثم تسعى للبحث عن وسائل لحلها، وقد تواجه قافلة الصمود التي انطلقت من تونس متاعب لوجستية في شرق ليبيا.

وأكدت المصادر لـ"العرب" أن هذه النوعية من القضايا الحيوية تتعامل معها القاهرة بصرامة كبيرة، ولا تتركها لمزايدات بعض النشطاء، أو مناورات جماعة الإخوان التي لديها ثأر مزدوج مع النظام المصري (أمني وسياسي)، وتحاول تضخيم دور القافلة وحرفه عن مساره الإنساني المعلن إلى آخر سياسي خفي، في وقت تعيش فيه المنطقة على فوهة بركان يمكن أن ينفجر في أي لحظة ويقلب الأوضاع رأسا على عقب، كما تشهد العلاقات بين مصر وإسرائيل توترات مختلفة.

نصر سالم: الهدف الخفي من قافلة الصمود هو إحراج الدولة المصرية
نصر سالم: الهدف الخفي من قافلة الصمود هو إحراج الدولة المصرية

وأوقفت السلطات المصرية الخميس نحو مئتي ناشط أجنبي بمطار القاهرة وفنادق بالعاصمة قبل انطلاق ما سمي بـ”المسيرة العالمية إلى غزة” وتدعو إلى كسر الحصار. وقال المتحدث باسم المسيرة سيف أبوكشك إن الموقوفين يحملون الجنسيات الأميركية والأسترالية والهولندية والفرنسية والإسبانية والمغربية والجزائرية.

وأعلن عدد من النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي عزمهم على الوصول إلى الحدود المصرية مع غزة عند معبر رفح، من أجل المطالبة بإدخال المساعدات الإنسانية وإنهاء الحصار الإسرائيلي، من خلال مسيرات وقوافل، من أوروبا وشمال أفريقيا.

وقال أستاذ العلوم الإستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية التابعة للجيش المصري اللواء نصر سالم إن الموقف الذي اتخذته القاهرة بشأن تنظيم دخول القافلة يتسم بالحكمة، ويتماشى مع إرادة الشعب الذي يرفض فرض الصراع عليه مع إسرائيل أو أي طرف آخر، في وقت تسعى فيه الدولة لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.

وأوضح سالم في تصريح لـ”العرب” أنه حال كانت رغبة القافلة إدخال المساعدات يمكن إرسالها إلى ميناء العريش وتضاف إلى أطنان المساعدات التي تنتظر الفرصة لدخول غزة، ومصر لن تنتظر لتصبح حدودها خارج السيطرة، وأي مجموعة تريد دخول الأراضي المصرية بلا تنسيق مع الأجهزة المعنية تسعى لفرض موقفها دون أن تدرك تبعات تعامل إسرائيل، حال اخترق النشطاء الحدود، وفي تلك الحالة لن تقف القاهرة متفرجة.

ولفت إلى أن الهدف الخفي هو إحراج الدولة المصرية لتبدو في موقف رافض للضغط على إسرائيل، وقد يحرجها ذلك في غياب وجود حماية وتأمين كافيين للقافلة أو جرى الاعتداء عليها من قبل إسرائيل، وكان يمكن تنظيم مظاهرات أمام السفارات الإسرائيلية والأميركية في الدول التي جاء منها النشطاء. ووصلت القافلة المعروفة بـ”الصمود لكسر الحصار عن غزة” الخميس إلى مدينة مصراتة الليبية، وناشدت السلطات المصرية تسهيل مرورها إلى رفح المتاخمة لغزة.

وذكر المتحدث باسم القافلة الشعبية نبيل الشنوفي “نحن الآن على مشارف مصراتة، وسنمر إلى (مدن) سرت وبني وليد ثم بنغازي”، في شرق ليبيا، وأنهم راسلوا السفارة المصرية في تونس، وسلموا قائمة بأسماء المشاركين عند مقابلة سفير مصر في تونس، وتم توضيح أهدافهم، وعبَّروا عن استعدادهم للقيام بأي شيء يوصي به الطرف المصري لتسهيل عملية المرور إلى مدينة رفح.

وأعربت مصر في بيان لوزارة الخارجية الأربعاء عن تمسكها بالضوابط التنظيمية لزيارة المنطقة الحدودية المحاذية لقطاع غزة، لضمان أمن الوفود الزائرة، مرحبة بالمواقف الرسمية والشعبية الداعمة للحقوق الفلسطينية، والرافضة للحصار والتجويع والانتهاكات الإسرائيلية السافرة والممنهجة بحق الشعب الفلسطيني في غزة.

وشددت القاهرة على ضرورة الحصول على موافقات رسمية مسبقة لإتمام زيارات الوفود الأجنبية للمنطقة الحدودية المحاذية لغزة بمدينة العريش ومعبر رفح. وتقوم الآلية المصرية المتبعة في مثل هذه الأمور، على التقدم بطلب رسمي للسفارات المصرية في الخارج، أو من خلال الطلبات المقدمة من السفارات الأجنبية في القاهرة، أو ممثلي المنظمات إلى وزارة الخارجية.

وتضم القافلة أكثر من 1500 ناشط من دول مغاربية، ضمن تحرك شعبي تضامني لدعم الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة. وحذرت السفارة الإسبانية في القاهرة عبر حساباتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي الخميس من المشاركة في أي مظاهرات أو مسيرات غير مرخصة داخل الأراضي المصرية، لأن المشاركة في مثل هذه الفعاليات “مخالفة صريحة للقانون”.

2