إجراءات سعودية تعزز مرونة تدفق الاستثمار الأجنبي

نظام الأعمال الجديد يهدف إلى قمع البيروقراطية مع تصاعد سباق الأموال الخارجية في المنطقة.
الثلاثاء 2024/09/03
خلف الشعارات أعمال تنموية ضخمة

تسعى السعودية إلى تقليص البيروقراطية وتسهيل ضخ المستثمرين الأجانب للأموال في السوق المحلية، في أحدث جهودها لترسيخ نفسها كمركز استثماري رئيسي في الشرق الأوسط وسط منافسة شديدة مع جيرانها، وخاصة من إمارتي دبي وأبوظبي.

الرياض - يتابع المحللون والخبراء الإجراءات السعودية الجديدة التي تحاول الحكومة من خلالها تسهيل استقطاب الأموال الباحثة عن قنوات مرنة للاستثمار في البلد الخليجي الطامح إلى تحقيق بنود رؤيته الطموحة لتغيير شكل الاقتصاد المعتمد على النفط.

وتخطط الحكومة لتقديم “عملية تسجيل لمرة واحدة” جديدة للمستثمرين بموجب قواعد محدثة، وهو ما يلغي الحاجة إلى العديد من التراخيص والموافقات المسبقة.

وبحسب ما ذكرته وزارة الاستثمار الاثنين في بيان لوكالة بلومبيرغ، فإن القواعد هدفها “الحد بشكل كبير من الأعمال الورقية والعقبات البيروقراطية”.

كما سيوفر القانون المحدث، الذي أُعلن عنه في أغسطس الماضي، ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في عام 2025، معاملة متساوية للأجانب والسكان المحليين، وحرية إدارة الاستثمارات وإعادة الأموال، والقدرة على استئناف العقوبات والانتهاكات.

وبالإضافة إلى ذلك، من المقرر أن يتمتع المستثمرون بالمزيد من المرونة في كيفية اختيارهم لحل النزاعات، بما في ذلك القيام بذلك خارج المحكمة.

غراهام كوب: التطبيق العملي للتحديثات في بيئة الأعمال هو كل شيء
غراهام كوب: التطبيق العملي للتحديثات في بيئة الأعمال هو كل شيء

والشهر الماضي، أعلنت الحكومة عن لوائح جديدة تهدف إلى تعزيز الشفافية وتبسيط عملية الاستثمار في السوق المحلية، وذلك في إطار جهودها لجذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية ضمن أجندة 2030.

ووافق مجلس الوزراء على نظام محدث للاستثمار، من المفترض أن يعزز حقوق المستثمرين من خلال “ضمان سيادة القانون، وتوفير معاملة عادلة، وضمان حرية تحويل الأموال دون تأخير”.

وهذا بالضبط ما يهدف إليه قادة البلاد في سعيهم لجذب مليارات الدولارات من رؤوس الأموال الجديدة لتنويع مصادر الاقتصاد بعيدا عن الوقود الأحفوري.

وتأتي هذه التغييرات في الوقت الذي تكافح فيه السعودية لتحقيق أهدافها الخاصة لجذب نوع الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي يشكل أهمية بالغة لأجندة رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030 لتنويع الاقتصاد السعودي بعيدا عن النفط.

ويحذر المستثمرون الأجانب وشركات المحاماة من أن نجاح التدابير الجديدة سيعتمد على كيفية تنفيذ القوانين. وقالت وزارة الاستثمار إنها “تخطط لنشر تفاصيل هذه القواعد للتشاور العام بحلول أواخر سبتمبر” الحالي.

وقال غراهام كوب، الشريك في شركة بينسنت ماسونز، ومقرها لندن، لبلومبيرغ إن “التطبيق العملي هو كل شيء”.

وأضاف “بمجرد أن نرى اللوائح التنفيذية وكيفية تنفيذها عمليا سنكون قادرين بشكل أفضل على الحكم على ما إذا كان قانون الاستثمار الجديد واللوائح سيكون لهما بالفعل كل التأثير الإيجابي”.

ورغم جهوده، يواجه أكبر اقتصاد عربي منافسة شديدة من مراكز مثل دبي وأبوظبي، والتي لديها مراكز مالية على مستوى عالمي، واللوائح الصديقة للأعمال والتي ساعدت في جذب الاستثمار الأجنبي والشركات العالمية والمواهب لسنوات.

100

مليار دولار حجم رؤوس الأموال الأجنبية التي تستهدفها السعودية بحلول عام 2030

واستقبلت السعودية ما يزيد قليلا عن 19 مليار دولار من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في العام الماضي، وفقا لحساباتها الخاصة.

وكان هذا أعلى من المتوسط السنوي البالغ 17 مليار دولار من عام 2017 إلى عام 2022، لكنه أقل من هدف العام البالغ 22 مليار دولار. وبحلول عام 2030، تأمل الحكومة أن ينمو الرقم إلى أكثر من 100 مليار دولار سنويا.

وفي حين يرى شق من المحللين أن هذا بعيد المنال في الوقت الحالي، فإن خفض البيروقراطية سيكون خطوة أولى لتحقيق الأهداف.

وقالت كاسيدي ليون، المديرة الإدارية لشركة استخبارات وأبحاث الأسواق الناشئة، إن “التحدي الرئيسي الذي يواجه الوافدين الجدد هو عملية شاقة تتطلب الذهاب إلى وكالات حكومية متعددة للحصول على الموافقات”.

وأضافت ليون التي تعمل مع المسؤولين التنفيذيين في مجال الاستثمارات الأجنبية في الشركة “هذا يأخذ من وقتهم في الإعداد. ينصب الكثير من تركيزهم على محاولة اجتياز هذه العملية الأولية”.

كما أن المزيد من الأموال الأجنبية قد تعمل على تحسين مالية السعودية، في وقت يقال فيه إن بعض المشاريع الرائدة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تعاني من قيود التمويل.

وتواجه السعودية ثلاث سنوات أخرى على الأقل من العجز في الميزانية السنوية في ظل تراجع قيود إنتاج النفط ضمن تحالف أوبك+، وقد تعمل اللوائح الجديدة على تعزيز الإيرادات غير النفطية وتساعد في تقليصه، وفقا لشركة المحاماة بي.أل.كي بارتنارز.

كاسيدي ليون: تركيز المستثمرين ينصب في محاولة اجتياز عدة عراقيل
كاسيدي ليون: تركيز المستثمرين ينصب في محاولة اجتياز عدة عراقيل

ومر سعيد كيوان، الذي يدير عمليات الشرق الأوسط لشركة التكنولوجيا الأميركية كونفيرجينت، مؤخرا بعملية الحصول على ترخيص للعمل في السعودية. وقال إنه يتطلب “الاستعداد المسبق” ومعرفة الوكالات التي يجب التحدث معها لمتطلبات محددة.

وكجزء من الإصلاح، تعتزم الوزارة معالجة مثل هذه المخاوف من خلال إنشاء مراكز خدمة مخصصة.

وقالت عوميرة علي، الشريكة في شركة المحاماة دينتونس، إن القواعد الجديدة قد توفر “محطة واحدة” للمستثمرين. وقالت لبلومبيرغ “إذا كان هناك قدر أقل بكثير من البيروقراطية، فقد يحدث ذلك فرقا”.

وترى علي أن من بين العناصر الأخرى البارزة في القانون الجديد ما يتوقع أن يكون قائمة أضيق من القيود المفروضة على أنشطة الاستثمار.

وتبدو شركة إيفا فارما للرعاية الصحية، التي تعمل في الشرق الأوسط وأفريقيا وافتتحت مكتبا في الرياض العام الماضي، متفائلة بأن الإصلاحات ستساعد في تسريع عملية إنشاء مرافق التصنيع وتسريع الجدول الزمني لإنتاجها.

لكن كريم ناشد، الرئيس المالي للشركة، قال إن “التنفيذ السريع للقانون الجديد مع إرشادات واضحة وقابلة للتنفيذ” سيكون ضروريا.

ومنذ إعلان الرؤية في أبريل 2016، اتخذت السعودية عدة خطوات لجذب الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك إصدار تأشيرات مخصصة للمستثمرين، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة ذات معدلات ضريبية أقل، وإدخال قوانين جديدة تتعلق بالمعاملات المدنية والإفلاس.

وفي ديسمبر الماضي، دخل أول قانون مدني مكتوب في السعودية حيز التنفيذ، ليحل محل نظام يتمتع فيه القضاة بسلطة تقديرية كاملة في الفصل في المنازعات التجارية استرشادا بالشريعة الإسلامية.

ويأتي إقراره بعد خمس سنوات من دخول نظام الإفلاس حيز التنفيذ والذي بدأ في تغيير شكل وطبيعة الاستثمار في البلاد ويعطيه قوة وصلابة كان يفتقدها طيلة عقود.

10