إجراءات أمنية غير مسبوقة في الخرطوم قبل مظاهرات مناهضة للانقلاب

السلطات السودانية تعلن عطلة رسمية وتغلق جميع الجسور النيلية الرئيسية تحسبا من وصول المحتجين إلى مقر قيادة الجيش.
الأربعاء 2022/04/06
مظاهرة في ذكرى بدء الاعتصام للإطاحة بعمر البشير

الخرطوم - أغلقت السلطات الأمنية السودانية الأربعاء منطقة وسط الخرطوم بالكامل، قبل ساعات على انطلاق تظاهرة السادس من أبريل التي دعت إليها "لجان المقاومة"، لإحياء ذكرى الاعتصام الذي أدى إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير قبل ثلاث سنوات.

وطلبت السلطات من أصحاب المحلات التجارية والمؤسسات إغلاقها ومغادرة المنطقة، كما أغلقت كل الجسور النيلية الحيوية الرابطة بين وسط الخرطوم ومدن أم درمان والخرطوم بحري وشرق النيل، وأبقت على اثنين فقط من الكباري مفتوحة هما الأبعد عن وسط العاصمة.

 وشهدت العاصمة انتشارا أمنيا غير مسبوق تحسبا لوصول المحتجين إلى محيط قيادة الجيش، كما قامت قوات الدعم السريع بوضع ما لا يقل عن 300 سيارة مسلحة حول مقرها الرئيسي، الذي يبعد بنحو أربعة كيلومترات جنوبي القصر الرئاسي.  

والثلاثاء أعلن مجلس الوزراء السوداني أن الأربعاء سيكون عطلة رسمية في كل أنحاء البلاد، فيما يتوقع كثيرون قطع خدمة الإنترنت والاتصالات بالتزامن مع موعد انطلاق مواكب السادس من أبريل.

وتأتي هذه التدابير على خلفية دعوات أطلقتها قوى معارضة سودانية للخروج في مظاهرات حاشدة في ذكرى "ثورة 6 أبريل"، للمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي.

وانضمت قوى سياسية فاعلة إلى دعوات التظاهر، مثل حزب "الأمة القومي" الذي كان يتزعمه الزعيم الراحل الصادق المهدي، إذ وجه قواعده بضرورة المشاركة القوية في مواكب المظاهرات، معتبرا إياها "بمثابة فرض عين وضريبة وطنية واجبة السداد".

وقررت اللجان بالخرطوم التجمع في عدد من النقاط، أهمها شارع المطار والبرلمان بأم درمان، والمؤسسة بالخرطوم بحري، إضافة إلى مناطق أخرى.

وحددت اللجان هدف التظاهرة بإسقاط الحكم العسكري وعودة الحكم المدني للبلاد. واستبقت مدن، مثل القضارف، شرق، وعطبرة، شمال، والضعين، حراك الخرطوم، وخرج الآلاف فيها للمطالبة بتنحي العسكر.

وفي بيان لها، دعت قوى الحرية والتغيير الجميع إلى المشاركة في تظاهرة السادس من أبريل، وأكدت أن "إغلاق الكباري الرابطة بين مدن العاصمة لن يعصم الانقلابيين والانتهازيين وفلول النظام البائد من مصيرهم المحتوم بالسقوط الكامل وفق إرادة شعبنا".

وحذّرت السلطة من معاودة قطع الإنترنت والاتصالات وانتهاك الحريات، "فهي جريمة تضاف إلى قائمة جرائم القتل والقمع والاعتقالات، لن تسقط بالتقادم"، مستنكرة ما وصفته بـ"الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المعتقلون والمعتقلات الشرفاء في زنازين السلطة الانقلابية".

ودعت "الحرية والتغيير" من أسمتهم بـ"شرفاء الأجهزة الأمنية إلى الانحياز لشعبهم ورفض الولوغ في الجرائم باستخدام العنف والقتل والتنكيل بالثائرات والثوار الشرفاء"، مؤكدة أن "عنف السلطة الانقلابية لن يزيد الثوار إلا صمودا، حتى تمام النصر بإسقاط الانقلاب واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي".

وتتزامن هذه الدعوة إلى الاحتجاج في السادس من أبريل مع ذكرى الانتفاضة الشعبية العام 1985، التي أطاحت بالرئيس العسكري جعفر نميري، وأيضا مع الذكرى السنوية الثالثة لبدء اعتصام السودانيين أمام مقر قيادة الجيش بوسط العاصمة في 2019 للمطالبة بإنهاء حكم الرئيس المعزول عمر البشير، الذي تم إسقاطه في الحادي عشر من أبريل 2019 بعدما دام حكمه ثلاثة عقود.

ولم ينجح إسقاط البشير في إقناع المعتصمين بإنهاء اعتصامهم أمام مقر الجيش، بل أصرّوا على المكوث إلى حين تسليم السلطة إلى المدنيين. وفي يونيو 2019 قام رجال يرتدون الزي العسكري بفض الاعتصام، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 128 شخصا، حسب ما أكدت لجنة مستقلة لأطباء السودان.

وبعد تفريق المعتصمين، اتفق المدنيون والعسكريون على فترة انتقالية يديرونها معا حتى تصل البلاد إلى حكم مدني كامل، إلا أن الانقلاب العسكري الذي نفذه البرهان قلب تلك الخطط رأسا على عقب.

ومنذ نُفّذ الانقلاب العسكري وأطيح بالمدنيين من حكم البلاد الانتقالي، تعاني السودان من اضطرابات سياسية واقتصادية عميقة، ويخرج الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع لمناهضة الانقلاب.

السودان

وفي الأسابيع الأخيرة كثف النشطاء السياسيون دعواتهم عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، لتنظيم احتجاجات الأربعاء مستخدمين عددا من الوسوم مثل "#عاصفة 6 أبريل" و"#زلزال 6 أبريل".

ومنذ وقوع الانقلاب يشدد العسكريون قبضتهم على البلاد، خصوصا في طريقة التعامل مع المتظاهرين، حيث سقط حتى الآن 93 قتيلا وجرح المئات خلال الاحتجاجات المناهضة للانقلاب، فيما تشن حملة توقيفات واعتقالات تطول القيادات المدنية البارزة.

كذلك، قطعت الدول الغربية المانحة مساعداتها المالية للسودان حتى يتسلم المدنيون سلطة الحكم الانتقالي.

وفاقمت الأزمة الاقتصادية من ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والسلع الأساسية بشكل كبير منذ الانقلاب.

وحذّر برنامج الأغذية العالمي الشهر الماضي من أن عدد السودانيين الذين يواجهون الجوع الحاد سيتضاعف إلى أكثر من 18 مليونا بحلول سبتمبر 2022.

وتصاعدت معدلات الجريمة وعدم احترام القانون مع تصاعد وتيرة العنف في المناطق النائية بالسودان، خصوصا في إقليم دارفور في غرب البلاد، بحسب ما تقول الأمم المتحدة.

والخميس، وقعت اشتباكات بين قبائل عربية وغير عربية أدت إلى وقوع 45 قتيلا على الأقل في جنوب دارفور.

والجمعة، هدد البرهان بطرد موفد الأمم المتحدة الخاص إلى السودان فولكر بيرتس، بعدما حذّر من تدهور الأزمة في السودان خلال إفادة لمجلس الأمن الدولي.

وأكد البرهان أن "الجيش مستمر في خدمة البلاد بما يحفظ أمنها واستقرارها"، مشيرا إلى أن "البلاد لن تسلم إلا لسلطة أمينة منتخبة يرتضيها كافة الشعب".

وكان بيرتس حذّر من أن السودان يتجه "نحو الانهيار الاقتصادي والأمني"، ما لم تتم العودة إلى المرحلة الانتقالية التي تم الاتفاق عليها بعد إسقاط البشير.

وأكد أن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وكتلة إيغاد (منظمة تضم دول شرق أفريقيا) قررت توحيد جهودها من أجل إطلاق محادثات سياسية في السودان.