إثيوبيا لا تستبعد احتمالات المواجهة مع مصر

أديس أبابا – دخلت أزمة سد النهضة الإثيوبي مرحلة حرجة، لوحت فيها مصر وإثيوبيا بإمكانية التصعيد في حال اتخذ أحد الجانبين خطوة مرفوضة من الطرف المقابل.
وردت وزارة الخارجية الإثيوبية على تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، مشددة على أنها مستعدة لكل الاحتمالات بما فيها استخدام القوة العسكرية من الجانب المصري.
وقالت إن "الرئيس السيسي كان واضحا عندما تحدث مرتين في عام 2020 عن أن الإجراءات العسكرية ضد إثيوبيا غير واردة، لذا فهذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس ضد القانون الدولي بشأن التهديد باستخدام القوة".
وكان الرئيس المصري وجه الأربعاء تهديدا حادا لإثيوبيا بشأن أزمة المياه المندلعة بين البلدين، واعتبر أن المساس بحصة مصر "خط أحمر".
وقال في تصريحات متلفزة إن انتهاك حقوق مصر المائية من مياه نهر النيل سيحدث عدم استقرار إقليمي، مؤكدا أن "ذراع مصر طويلة وقادرة على مواجهة أي تهديد".
ورغم أنه أعلن تمسكه بمسار التفاوض، قائلا "معركتنا معركة تفاوض والعمل العدائي مرفوض"، إلا أن الرئيس المصري أكد أنه في حال "تأثرت إمداداتنا المائية فإن رد مصر سيتردد صداه في المنطقة".
وعقب ذلك، أعلن الجيش المصري عن تنفيذ تدريب مشترك بين القوات الجوية المصرية والسودانية في قاعدة مروى الجوية تحت اسم "نسور النيل 2".
وهذه أول مرة تلوّح فيها مصر رسميا باستخدام القوة في أزمة سد النهضة، حيث درجت على التمسك بطريق التفاوض دون تلميح بالحل العسكري الذي كانت تروج له أديس أبابا كنوع من التحريض على مصر.
وجاء خطاب السيسي بعد حدوث تقدم واضح في العلاقات مع السودان، ووصل التعاون والتنسيق معه في سد النهضة إلى مستوى متقدم، مثّل ضغطا كبيرا على إثيوبيا، وضيّق الخناق عليها، وزادت الردود الإيجابية التي تلقتها القاهرة من دول حوض النيل أخيرا والتي تنصح بضرورة التوصل إلى اتفاق مُلزم.
واعتبرت الخارجية الإثيوبية أن تهديد الرئيس السيسي ليس جديدا، بل هو تكرار لما فعله رؤساء مصر السابقون، مؤكدة أن أديس أبابا اعتادت استخدام القوة من قبل مصر.
واستشهدت الوزارة الإثيوبية بمواجهاتها مع رؤساء مصر السابقين، وقالت إنه "على الرغم من أن الرئيس السيسي هدد باستخدام القوة لأول مرة، فالرئيس الراحل محمد مرسي هدد إثيوبيا بالفعل أثناء توليه منصبه، وقبله فعل الرئيس الراحل حسني مبارك الشيء نفسه، كما هدد الرئيس الراحل أنور السادات إثيوبيا في عام 1979 مباشرة بعد اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وكان أسوأهم هو الخديوي إسماعيل باشا الذي غزا إثيوبيا في عامي 1875 و1876 وخسر الحرب خسارة لا تصدق".
ووجهت الوزارة اتهامات لمصر بمحاولة زعزعة استقرارها على مدى أكثر من 100 سنة، حيث أشارت إلى أنه "لم يقض أي زعيم مصري ليلة دون محاولة خلق حالة من عدم الاستقرار في إثيوبيا، وما قاله الرئيس السيسي في محافظة السويس هو تأكيد لإثيوبيا على ما تفعله القيادة المصرية منذ أكثر من قرن".
وعلى ضوء ذلك، شددت إثيوبيا على أنها "معتادة على استخدام القوة من مصر وأكثر من مجرد التهديد باستخدامها"، وقالت إنها "ستنتظر وترى بالتزامن مع الاستعداد لجميع الاحتمالات".
وتأتي التصريحات الإثيوبية فيما تتجه الأنظار إلى كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية، التي تتولى رئاسة الاتحاد الأفريقي، حيث تستضيف السبت قمة حاسمة أعلنت الدول الثلاث المشاركة فيها، من أجل التوصل إلى حل قبل بدء المرحلة الثانية من ملء السد.
وفي هذا السياق قالت الخارجية الإثيوبية إنها "تريد من الجميع ألاّ يخطئوا في أنّ جميع الخيارات مطروحة على طاولة إثيوبيا أيضا".
لكن في المقابل، قررت أديس أبابا المضي قدما في الملء الثاني لسد النهضة، بالرغم من تمسك القاهرة والخرطوم بالرفض، حيث أعلنت رئيسة إثيوبيا سهلورق زودي أن بلادها "تستعد للملء الثاني لسد النهضة، باعتباره المشروع المهم للتغلب على الفقر".
واعتبرت زودي في كلمة ألقتها بمناسبة الذكرى العاشرة لمشروع سد النهضة، أنه "المشروع المهم الذي سيحول حياة المواطنين" في إثيوبيا.
وكانت أديس أبابا أبلغت المبعوث الأميركي للسودان دونالد بوث الثلاثاء بأنها ستمضي في عملية الملء الثاني لبحيرة سد النهضة، وأنها جزء من عملية بناء السد التي تخطط لها، في إشارة إلى عدم التنازل عن موقفها وأنها لن تستجيب لموقفيْ مصر والسودان.
ومن المقرر أن تبدأ أديس أبابا الملء الثاني للسد في يوليو المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بعقد اتفاقية تضمن حصتيهما السنوية من مياه نهر النيل البالغة 55.5 مليار متر مكعب، و18.5 مليار متر مكعب على التوالي.
ويقول محللون إن جولة المفاوضات المنعقدة في الكونغو الديمقراطية قد لا تفضي إلى بوادر اتفاق بين الدول الثلاث، وهي لا تتعدى كونها لقاء لبحث إمكانية حدوث تغير في موقف أديس أبابا، وهو ما لم تبد مؤشرات عليه حتى الآن.
وسبق أن أكد وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين، الذي يشارك في مفاوضات السبت، تمسك بلاده بـ"الاستفادة من مشروع سد النهضة، مع الالتزام بعدم إلحاق أي ضرر بمصر والسودان"، معتبرا أن استكمال بناء السد يمثل أولوية قصوى لبلاده، لما له من أهمية تاريخية واقتصادية.
ويستمر الاجتماع ثلاثة أيام، ويشارك فيه وزراء الخارجية ووزراء المياه والري في كل من مصر والسودان وإثيوبيا، فيما تصرّ الخرطوم على مفاوضات تحت إشراف رباعي دولي يضم الاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة والولايات المتحدة، وتعمل تحت قيادة الاتحاد الأفريقي، غير أن إثيوبيا رفضت هذا المقترح واعتبرت أن الاتحاد الأفريقي كاف لرعاية المفاوضات.
وكانت الخرطوم أعلنت أن الوفد السوداني يشارك في المباحثات لتحديد "منهجية التفاوض ومساراته والاتفاق عليها، لضمان إجراء مفاوضات بناءة تتجاوز الجمود الذي لازمها خلال الأشهر الماضية".