إثيوبيا تفرض رؤيتها للسلام على متمردي تيغراي

يعكس إلقاء المتمردين في تيغراي للسلاح فرض إثيوبيا لرؤيتها للسلام من أجل توقف القتال مع الإقليم المتمرد. ويفتح اتفاق السلام الذي لا يزال هشا ورهن التزام الطرفين بتعهداتهما الباب أمام طي أحد أكثر النزاعات دموية في أفريقيا.
أديس أبابا - قام وفد حكومي إثيوبي الإثنين بزيارة رسمية لعاصمة تيغراي هي الأولى منذ أكثر من سنتين لهذه المنطقة، ما يشكل خطوة هامة في عملية السلام التي أطلقت في مطلع نوفمبر بعد نزاع دام.
وتوجّه هذا الوفد الرفيع المستوى إلى ميكيلي “للإشراف على تطبيق البنود الرئيسية لاتفاق السلام” المبرم في بريتوريا في الثاني من نوفمبر الماضي بين السلطات ومتمردي تيغراي.
والوفد الذي ترأسه رئيس مجلس النواب تاغيس شافو ضمّ في صفوفه مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي رضوان حسين وعددا من الوزراء، منهم وزير العدل جدعون تيموثيوس ووزيرة النقل والاتصالات داغماويت موغيس ووزير الصناعة ملاكو ألابل، فضلا عن مديري الخطوط الجوية الإثيوبية وشركة الاتصالات “إثيو تليكوم” مفسن تاسيوو وفريهيوت تاميرو.
وصرح غيتاتشو رضا المتحدث باسم سلطات تيغراي أن المسؤولين الحكوميين وكبار رجال الأعمال الذين وصلوا إلى تيغراي صباحا غادروا إلى أديس أبابا في وقت متأخر من بعد الظهر. وقال “لكن الفرق الفنية تبقى هنا”.
وأشاد على تويتر بما اعتبره “خطوة مهمة في اتفاق السلام”، متحدثا عن “مناقشات مثمرة” و”تفاهم مهم”. وأثنى خصوصا على “بادرة الحكومة بإعطاء الضوء الأخضر لإعادة الخدمات التي طال انتظارها” من بنوك واتصالات سلكية ولاسلكية على وجه الخصوص.
الاتفاق ينص على أن تلقي القوات المتمردة السلاح وتعود السلطات الفيدرالية إلى تيغراي ويعاد فتح معابر المنطقة
وقال مكتب إعلام الحكومة إن الزيارة “دليل على أن اتفاق السلام هو في المسار الصحيح ويمضي قدما”.
وأبرمت الحكومة الإثيوبية مع سلطات منطقة تيغراي المتمردة اتفاقا في بريتوريا بجنوب أفريقيا الشهر الماضي بهدف إنهاء حرب استمرت سنتين وأسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتسببت بأزمة إنسانية حادة في المنطقة.
وينصّ الاتفاق في جملة بنوده على أن تلقي القوّات المتمردة السلاح وتعود السلطات الفيدرالية إلى تيغراي ويعاد فتح معابر المنطقة المعزولة عن العالم منذ أكثر من سنة.
وبدأت المعارك في نوفمبر 2020 عندما أوفد رئيس الوزراء آبي أحمد الجيش الفيدرالي لتوقيف مسؤولي المنطقة الذين كانوا يتحدّون سلطته منذ أشهر واتهمهم بشنّ هجمات على قواعد عسكرية فيدرالية.
وحصيلة هذا النزاع الحافل بالفظائع الذي دار جزء كبير منه بعيدا عن الأضواء غير معروفة. غير أن مركز “International Crisis Group” ومنظمة العفو الدولية يعتبرانه “من الأكثر فتكا في العالم”.
ومنذ إبرام الاتفاق، توقّفت المعارك وأعلن المتمرّدون عن سحب 65 في المئة من المقاتلين من خطوط القتال. لكنهم استنكروا استمرار انتشار الجيش الإريتري وقوات من منطقة أمهرة الإثيوبية، وكلاهما دعم الجيش الفيدرالي في النزاع لكن قياداتها لم تشارك في محادثات بريتوريا.
إقليم تيغراي يعيش حالة من الفوضى والخوف والشحّ في سلع أساسية رغم إبرام اتفاق سلام في مطلع نوفمبر
وتتهم سلطات تيغراي وسكان وعمال في المجال الإنساني جيش إريتريا وقوات الأمن وميليشيات من منطقة أمهرة المحاذية لتيغراي من الجنوب بارتكاب فظائع في حقّ المدنيين، من نهب واغتصاب واختطاف وإعدام.
ويقدم الجيش الإريتري الدعم للقوات الإثيوبية مجددا منذ استئناف القتال في الرابع والعشرين من أغسطس ضد متمردي إقليم تيغراي، وهي منطقة في شمال إثيوبيا محاذية لإريتريا التي تشترك معها في حدود طويلة.
وتضطلع إريتريا وهي مقاطعة إثيوبية سابقة استقلت عام 1993 منذ بداية النزاع في نوفمبر 2020 بدور “حاسم” فيه، على خلفية منافسة قديمة مع جارتها تيغراي، وفقا لمراقبين.
ويقول المبعوث الأميركي الخاص في القرن الأفريقي مايك هامر إن وجودها “يذكي النزاع”.
ويقول باتريك فيراس المحاضر في شؤون الجغرافيا السياسية ورئيس جمعية إستراتيجيات أفريقية إن رئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد تحالف مع إريتريا عندما وقع اتفاقية السلام” مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في 2018.
وهذه الاتفاقية التي أكسبت آبي جائزة نوبل للسلام ووضعت حدا لعشرين عاما من النزاع بين البلدين، كانت وفقا له “قبل كل شيء تحالفا مع إريتريا للتدخل المحتمل لاحقا ضد قادة تيغراي”.
ويؤكد فيراس أن “إريتريا فاعل رئيسي في النزاع يعتمد عليه آبي أحمد بشدة”. فمن الناحية العسكرية، يسمح تدخل أسمرة في الشمال جنبا إلى جنب مع القوات الإثيوبية التي نُشرت مؤخرا في إريتريا لآبي أحمد بجعل تيغراي بين نارين، مع مقاتلة القوات الإثيوبية الفيدرالية والإقليمية من الجنوب.

ويؤكد بن هانتر محلل شؤون أفريقيا في معهد تقييم المخاطر فيريسك مابلكروفت “يؤدي الجيش الإريتري دورا حاسما في هذا النزاع” ولكن “بإرسال الآلاف من جنوده إلى إريتريا، وضع آبي مصيره في يدي أفورقي”.
ومنذ إبرام الاتفاق، اجتمع ممثلو السلطات المتمردة والحكومة مرّات عدّة، منها مرتان في العاصمة الكينية نيروبي. وخلال اللقاء الأخير الخميس، اتفقوا على آلية لمراقبة وقف إطلاق النار تسمح أيضا برفع شكاوى في حال ارتكاب انتهاكات في حقّ مدنيين.
وسجّلت المنطقة المحرومة من الكهرباء والاتصالات والخدمات منذ أكثر من سنة انفتاحا خجولا في الأسابيع الأخيرة.
وأعيد ربط ميكيلي بالشبكة الكهربائية الوطنية في السادس من ديسمبر وفي التاسع عشر من نفس الشهر أعلن أكبر بنك في البلد، وهو بنك إثيوبيا التجاري، استئناف عملياته المالية في بعض المدن. كما بدأت عودة الاتصالات الهاتفية.
وعلى الصعيد الإنساني، باتت المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية تصل شيئا فشيئا منذ إبرام الاتفاق لكنها تبقى أدنى بكثير من الاحتياجات.
ورغم إبرام اتفاق سلام في مطلع نوفمبر، فإن إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا يعيش حالة من الفوضى والخوف والشحّ في سلع أساسية، فضلا عن العنف والنهب والطرد على أيدي حلفاء للجيش الفيدرالي، وفق سكان وعاملين في المجال الإنساني.
وتسبب النزاع بتهجير أكثر من مليوني إثيوبي وأغرق مئات الملايين في ظروف تقارب المجاعة، بحسب الأمم المتحدة.
وأظهرت أرقام أممية أن الصراع الممتد على سنتين جعل أكثر من 13.6 مليون شخص يعتمدون تماما على المساعدة الإنسانية في شمال إثيوبيا منهم 5.4 مليون في تيغراي و7 ملايين في أمهرة و1.2 مليون في عفر.