إثيوبيا تضع مصر أمام الأمر الواقع باكتمال ملء سدها العظيم

أنجزت الحكومة الإثيوبية ما وعدت به شعبها لجهة إنهاء مرحلة الملء الرابع والأخير لسد النهضة. وبهذه الخطوة لم يعد بإمكان دولتي المصب، ولاسيما مصر، فعل شيء باستثناء الاستمرار في مفاوضات لا يرجى منها الكثير.
القاهرة - خطت الحكومة الإثيوبية خطوة كبيرة حيال تحويل مشروع سد النهضة إلى حقيقة ثابتة على الأرض والتمسك بالشروط التي وضعتها سلفا، ما يجعل أي عملية تفاوضية مع كل من مصر والسودان تنطلق من قاعدة الأمر الواقع الراهن.
وأثار الإعلان عن الانتهاء من مرحلة الملء الرابع والأخير الأحد الكثير من علامات الاستفهام، حيث وصل معدل المخزون خلف سد النهضة إلى نحو 42 مليار متر مكعب، بينما السعة الإجمالية تصل إلى 74 مليار متر مكعب.
وعلى الرغم من التساؤلات العديدة حول توقف عملية الملأ عند حدود 42 مليار متر مكعب، إلا أن البعض رأى فيه إشارة إثيوبية إيجابية لدولتي المصب، مصر والسودان، تعني أن هناك إمكانية لهدنة يمكن الاستفادة منها في المحادثات المقبلة للتفاهم، خاصة أن أديس أبابا قدمت ما يثبت حسن نواياها ولم تصر على التمادي في مراحل تالية للملء حاليا على الأقل.
وكشفت مصادر مصرية أن إثيوبيا حققت أهدافها الرئيسية من عمليتي الملء والتشغيل بصورة منفردة، وتمكنت من فرض رؤيتها عندما رفضت الانصياع للتوقيع على اتفاق مُلزم الفترة الماضية، ولن يضيرها التوصل إلى صيغة اتفاق عام يحافظ على ما حققته من مكاسب ويلبي جزءا من تطلعات القاهرة والخرطوم.
وأضافت المصادر ذاتها في تصريحات لـ"العرب" أن أديس أبابا نجحت في تنفيذ مشروعها بالطريقة التي تريدها، بينما لا تملك مصر أو السودان خيارات سوى عدم مبارحة طاولة المفاوضات، لأن الغياب عنها أو مقاطعتها لن يكونا مجدييْن لكليهما في ظل الصخب السياسي والإعلامي الذي صاحب عملية الترويج للانتهاء من الملء الرابع والأخير.
وأعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على حسابه الشخصي في منصة إكس الانتهاء من عملية التعبئة الرابعة والأخيرة لسد النهضة بنجاح، قائلا "واجهنا الكثير من التحديات واضطررنا مرارا إلى التراجع، واجهنا تحديا داخليا وضغوطا خارجية"، مؤكدا أن بلاده ستنجز ما تعهدت به.
وعقدت وفود من مصر وإثيوبيا والسودان في القاهرة يومي 27 و28 أغسطس الماضي اجتماعات بهدف التوصل إلى اتفاق يراعي مصالح وشواغل الدول الثلاث، لكنها لم تحرز تقدما ملموسا في القضايا الخلافية. وأعلنت وزارة الري المصرية في التاسع والعشرين من أغسطس انتهاء الجولة الأولى من المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة، وأنها لم تسفر عن تغيرات ملموسة في موقف أديس أبابا، فيما أعلنت إثيوبيا استضافة جولة ثانية في سبتمبر الجاري، لم يتم تحديد موعدها.
وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة نادر نورالدين إن "إعلان إثيوبيا الانتهاء من الملء الرابع لا يؤثر على سير المفاوضات المزمع عقدها في أديس أبابا، وإن الاتفاق بين الوفود الفنية للدول الثلاث أقرّ أن التفاوض على مرحلة ما بعد الملء الرابع، ويتطرق إلى المراحل التالية، بجانب مراحل التشغيل".
وأكد نورالدين في تصريح لـ"العرب" أن إثيوبيا غير مضطرة إلى تقديم تنازلات خلال جولات التفاوض المقبلة، ومن المنتظر أن تخبر أديس أبابا كلا من القاهرة والخرطوم بالمواعيد المسبقة للملء في المرات المقبلة، والتوافق حول خطوات التشغيل بما لا يشكل ضررا مباشرا للدولتين ويسهم في وضع الإجراءات المناسبة بشأن ملء السدود والاستعداد لفترات تراجع منسوب مياه النيل.
ولفت إلى أن المواطنين في مصر لم يتضرروا من الملء الرابع بشكل مباشر، وأن المياه المحجوزة في بحيرة السد العالي في جنوب مصر استطاعت أن تعوض ما يقرب من 15 مليار متر مكعب جرى حجزها في بحيرة سد النهضة. وتتشبث القاهرة باستمرار مساعيها الحثيثة للتوصل "في أقرب فرصة إلى اتفاق قانوني مُلزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد على النحو الذي يراعي المصالح والثوابت المصرية بالحفاظ على أمنها المائي والحيلولة دون إلحاق الضرر به، ويحقق المنفعة للدول الثلاث"، ولم تحدد مصر الآليات الناجزة التي يمكن أن تقودها إلى هذا الهدف.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتفقا في الثالث عشر من يوليو الماضي، على هامش اجتماع استضافته القاهرة خاص بدول جوار السودان، على الانتهاء خلال أربعة أشهر من صياغة اتفاق حول ملء وتشغيل السد.
وتفاخر آبي أحمد بأن المشروع شهد العديد من التحديات ونجح في تجاوزها، وقال على منصة إكس "هناك الكثير من محاولات سحبنا للعودة، لكن كان لدينا تحد داخلي مع ضغوط خارجية. لقد تحملنا كل ما حدث ووصلنا إلى هذا. وصلنا إلى قمة التل وليس نهاية التل. أعتقد أننا سنكمل ما خططنا له الفترة المقبلة. أود أن أغتنم الفرصة لأتعهد بمواصلة دعم السد حتى النهاية".
وحرصت إثيوبيا على تأكيد عدم حيادها عن رؤيتها السياسية والفنية والقانونية، وقال متحدث باسم خارجيتها قبل أيام إن الملء الرابع للسد يتم وفقاً للخطط الموضوعة، وبلاده تسعى للوصول إلى تفاهم مشترك يرضي كل الأطراف. كما أشارت أديس أبابا إلى أنها لن تتنازل عن حقوقها ومصالحها في مياه نهر النيل الأزرق مطلقاً، ولا تسعى للتصعيد مع مصر والسودان.
◙ أديس أبابا نجحت في تنفيذ مشروع سد النهضة بالطريقة التي تريدها، بينما لا تملك القاهرة أو الخرطوم خيارات
وأوضح مستشار وزير المياه والطاقة الإثيوبي محمد العروسي أن بلاده انخرطت في مفاوضات سد النهضة منذ البداية بهدف الوصول إلى حلول مرضية لأطراف الأزمة. وكشفت صور التقطتها بعض الأقمار الاصطناعية أن إثيوبيا انتهت من الملء الرابع لسد النهضة مساء الجمعة الماضية، وظهر وصول المياه إلى الممر الأوسط للسد، والتي عبرت السبت لتبدأ مسيرتها في التدفق نحو السودان ومصر.
وبلغت كمية التخزين في بحيرة سد النهضة حتى الثامن من سبتمبر الجاري نحو 24 مليار متر مكعب عند منسوب 625 مترا فوق سطح البحر، وتعادل 50 في المئة من المتوسط السنوي لتدفق النيل الأزرق.
وقال وزير خارجية مصر سامح شكري في اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي عقد في القاهرة الأربعاء، إن بلاده تتطلع إلى استمرار الجامعة العربية في دعمها فيما يتعلق بقضية سد النهضة، معربا عن رفضه للمواقف المتعنتة في ظل خطوات أحادية الجانب، وملء السد من قبل إثيوبيا.
وعكس كلام شكري حول عدم وجود توجه لدى أديس أبابا للأخذ بالحلول الوسطى المطروحة، التي تلبي مطالب وطموحات الدول الثلاث، عمق الإحباط الذي سيواجهه المفاوض المصري عندما يجلس إلى طاولة المحادثات مع نظيره الإثيوبي.