إثارة الميركاتو بدأت مبكرا بين عمالقة أوروبا

رحيل زيدان ووداع كونتي عنوانان في ثورة انتقالات المدربين.
الأحد 2021/05/30
زيدان وكونتي عميدا سوق الانتقالات

يتواصل رحيل  المدربين لاسيما منهم من توّجوا مع فرقهم بالدوريات الكبرى هذا الموسم، وكان آخرهم زين الدين زيدان وذلك بعد أيام معدودة على تنازل النادي الملكي عن لقبه بطلا للدوري المحلي لصالح جاره أتلتيكو مدريد. ويأتي الحديث عن استقالة زيدان بعد موسم مخيّب خرج منه الريال خالي الوفاض محليا وقاريا. كذاك أنطونيو كونتي الذي أعلن ناديه إنتر ميلان رحيله رسميا بعد أن قضى في تدريب النيراتزوري موسمين، حيث تولى المسؤولية في صيف 2019 ليقود الفريق للقب الدوري في الموسم المنتهي.

مدريد – عاش أحباء كرة القدم الأوروبية على وقع ثورة كبرى في انتقالات المدربين، كان آخرها إعلان ريال مدريد الإسباني رحيل زين الدين زيدان عن تدريب الفريق الملكي، لتتردد الأنباء حول احتمال الاستعانة بماسيمليانو أليغري لخلافة المدرب الفرنسي.

انقلبت الأمور رأسا على عقب في العديد من الأندية الأوروبية عقب نهاية موسم 2020-2021، فكانت البداية بإعلان انفصال أنطونيو كونتي عن إنتر ميلان بعد أيام قليلة من التتويج ببطولة الدوري الإيطالي، تلاها غموض موقف أندريا بيرلو في يوفنتوس بعد النتائج المخيبة للآمال للسيدة العجوز في الموسم المنقضي.

إثارة الميركاتو بدأت مبكرا، في فترة الانتقالات الصيفية الماضية لم يتسن للفرق سد حاجاتها بشكل طبيعي، بسبب التأثيرات المالية الخاصة بفايروس كورونا، لكن هذا الميركاتو بلا شك سيكون الأشرس والأقوى بين مختلف الفرق الأوروبية. الميركاتو لن يكون شرسا في ما يخص تدعيم الفرق باللاعبين، بل أيضا سيكون شرسا في ما يخص المدربين، فهناك الكثير من المدربين يتلقون العروض يوميا، هناك من يفكر وهناك من يضع عينه على ناد معين.

قبل نادي ريال مدريد الإسباني استقالة زين الدين زيدان من منصبه كمدرب للفريق، بعد أيام من تجريده من لقب الليغا من قبل جاره أتلتيكو، ليستبق زيزو نهاية عقده في عام 2022. وقال النادي الملكي في بيان إن “ريال مدريد يعلن أن زين الدين زيدان قرر إنهاء ولايته الحالية كمدرب لنادينا”، مؤكدا المعلومات التي تداولتها الصحافة الإسبانية خلال الأيام الماضية.

وإذ أشار إلى أنه يحترم قراره، قال النادي إن “زيدان هو أحد أعظم أساطير ريال مدريد وأسطورته تتجاوز ما كان عليه كمدرب ولاعب لنادينا”. وأضاف البيان أن “ريال مدريد سيبقى منزله دائما”. وبعد وداع مظفّر كلاعب في العام 2006، ثم رحيله الأول كمدرب في مايو 2018، بعد خمسة أيام من فوزه بدوري أبطال أوروبا لثلاث مرات متتالية في إنجاز غير مسبوق، يترك زيدان ريال مدريد للمرة الثالثة بأرقام باهتة وموسم خال من أي لقب. فإلى جانب خسارة لقب الدوري، أقصي ريال مدريد من دوري الأبطال الموسم الحالي في نصف النهائي على يد تشيلسي الإنجليزي.

صانع الألعاب الساحر والذي تحوّل إلى مدرب ناجح، غالبا ما وجد نفسه تحت مقصلة قرارات لا يمكن التنبؤ بها، حتى موعد رحيله عن ريال مدريد. هذا الفنان المبدع في خداع المنافس داخل المستطيل الأخضر عندما كان لاعبا وأيقونة كرة القدم الفرنسية، بقي في سن الـ48 عاما وفيا لعاداته. هذا الجانب المثير للقلق هو أحد ثوابت مسيرته كلاعب، وهو سمة من سمات موهبة غير عادية أبهرت عالم الكرة المستديرة وفاجأته دائما.

الاتجاه المعاكس

Thumbnail

أسدل الستار على مسرحية نهائي 2006 عندما وجه “بطل الرواية”زيدان نطحة للمدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي تلقى على إثرها بطاقة حمراء وانتهت معها مسيرته كلاعب. وفي حياته الثانية، وتحديدا كمدرب زرع زيدان الطرق بالاتجاه المعاكس. كان بإمكانه بكل بساطة أن يستمتع بشهرته وبمردوه المالي من شراكاته الإعلانية، إلاّ أنه فضّل أن يتدرب مجددا وأن يدرس ويكسب بجدارة ما رافقه من سمعة سيئة. أعلن زيزو العام الماضي “أوقفت دراستي باكرا، وكان عليّ أن أحضّر نفسي. لقد قمت بعمل جيد قبل أن أنغمس (في التدريب) لأني اليوم أجد التعقيد في أن تكون فعالا”.

وبعدما قرر البقاء في مدريد مع أولاده الأربعة الذين يدافعون جمعيهم عن القميص الأبيض، تنقل زيدان في جميع المناصب الإدارية في الريال: مستشار الرئيس، المدير الرياضي، مدرب مساعد ومدرب التشكيلة الرديفة، ليحين موعد جلوسه في يناير 2016 على مقاعد تدريب الفريق الأوّل على الرغم من قلّة خبرته. من تكهن حينها بهذا القدر للشاب “يزيد”، كما يحب عدد من المقربين منه تسميته، والذي كان يركل الكرات الأولى أمام المجمع السكني في كاستيلان، وهي مقاطعة صغيرة في مرسيليا مكتظة بعمال الأرصفة والعائدين من الجزائر؟

تبدّلت حياة هذا الشاب من عائلة مؤلفة من خمسة أطفال ووالدين ينحدران من منطقة القبائل في شمال الجزائر، خلال أمسية 12 يوليو 1998 عندما قاد بضربتين رأسيتين فرنسا إلى قمة الكرة المستديرة بالفوز على البرازيل 3-0. وفي سن الـ26 عاما بات زيزو معبود الجماهير المحتفلة بالفوز في جادة الشانزليزيه والشاهدة على إنجازات منتخب “الأزرق والأبيض والأحمر”، قبل أن تعم الاحتفالات الساحة نفسها بعد عامين عقب الفوز بكأس أوروبا 2000.

في عام 2001 انضم إلى الريال الذي سيصبح “نادي حياتي” كما يقول، بفضل جهود الرئيس فلورنتينو بيريس، ليقدّم للأخير في عام 2002 كأس الدوري الأوروبي بكرة “على الطاير” ساحرة استقرت في مرمى باير ليفركوزن الألماني ومنحته الفوز 2-1. هي بداية “قصة حب جميلة وأبدية”، بحسب كلمات بيريس حينها. بعد مسيرته كلاعب، قرر زيدان أن يخط قدرا جديدا، وكان هذه المرة على مقاعد المدربين أمام دهشة الجميع.

أظهر زيدان قدرات حقيقية في قيادة لاعبين وهالة لا تضاهى، حيث زاد ظهوره الناجح على مقاعد المدربين من عشق الجماهير المدريدية له التي وقفت خلفه وواصلت الثناء لمدربها على الرغم من خروج الريال خالي الوفاض من دون أي لقب في موسم 2020-2021. وبعدما اشتهر باللاعب “الصامت” أمام ميكروفونات وسائل الإعلام، تحول الفائز السابق بالكرة الذهبية إلى أبرع المتحدثين مع ابتسامة أخفت خلفها الكثير من الأسرار وعبارات جاهزة.

وداع مر

ليل الفرنسي يؤكد انفصاله عن المدرب كريستوف جالتير

لفترة طويلة، صُور من قبل منتقديه في إسبانيا على أنه مجرد من “يملي أوراق المباراة”، مع حصوله على مساعدة من القدر وأهداف نجمه السابق البرتغالي كريستيانو رونالدو… ولكن شيئا فشيئا وبعد رحيل “سي آر 7” وعودته مجددا إلى الريال أسكت “زيزو” الألسن البغيضة بفضل نجاحاته ففاز بلقب “الليغا” في عام 2020، قبل أن يقرر الرحيل بعد عام!

طوى أنطونيو كونتي فصلا قصيرا مع إنتر اختتمه بإعادة الفريق إلى عرش كرة القدم الإيطالية بعد 11 عاما، لرفضه سياسة التقشف في النادي جراء ما كلّفه موقعه على رأس الجهاز الفني للنيراتسوري. وصل كونتي (51 عاما) إلى ميلانو في مايو من العام 2019 وسيظل المدرب الذي كسر احتكار يوفنتوس على لقب الكالتشيو لتسعة أعوام متتالية وقاد إنتر إلى لقبه التاسع عشر والأول منذ 2010. وأعلن النادي عن مغادرة مدربه إثر “اتفاق متبادل” بين الطرفين، بعد توتر العلاقة مع مجموعة “سونينغ” الصينية المالكة للنادي.

وجاء في بيان على الموقع الرسمي لنادي مدينة ميلانو أن “إنتر يؤكد أنه توصل إلى اتفاق مع أنطونيو

كونتي لإنهاء عقده بالتراضي”، شاكرا إياه على “العمل الاستثنائي الذي قام به وبلغ ذروته مع التتويج باللقب التاسع عشر في الدوري”. وتابع “أنطونيو كونتي سيبقى دائما جزءا من تاريخ نادينا”.

وذكرت الصحافة أنه وفقا للعقد بين الطرفين، لن يُسمح لكونتي بتولي المهام في فريق إيطالي الموسم المقبل. ومن بين الأسماء المطروحة لخلافته مدرب لاتسيو الحالي سيموني إنزاغي ويوفنتوس السابق ماسيميليانو أليغري الذي ارتبط أيضا بالعودة إلى ناديه السابق في تورينو. أما من جهة كونتي، يبدو ريال مدريد الإسباني وتوتنهام الإنجليزي وجهة محتملة.

كونتي طوى فصلا قصيرا مع إنتر اختتمه بإعادة الفريق إلى عرش الكرة الإيطالية بعد 11 عاما، لرفضه سياسة التقشف

وأشارت العديد من التقارير المحلية في اليومين الأخيرين إلى توتر العلاقة بين النادي ومدرب يوفنتوس السابق على خلفية معارضة الأخير لخطة المالكين التي تهدف إلى تقليص الميزانية. من خلال السماح لكونتي بالمغادرة، سيحقق إنتر بعض المدخرات، إذ وفق شبكة “سكاي سبورت”، كان الإيطالي سيحصل على 7 ملايين يورو كتعويض عن آخر سنة من عقده، بينما كان يحصل على راتب سنوي قدره 11 أو 12 مليون يورو.

ويغادر المدرب المتطلب مدينة ميلانو في قمة الكرة الإيطالية بعد فوزه بلقب الدوري المحلي للمرة الرابعة كمدرب، بعد تتويجه ثلاث مرات متتالية مع يوفنتوس بين عامي 2012 و2014، بالإضافة إلى لقب الدوري الإنجليزي مع تشيلسي عام 2017. ورغم توتر العلاقة مع إدارة النادي، فقد سبق أن هدد كونتي بإغلاق الباب في صيف العام 2020، بعد خيبة الخروج من دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا، وحلوله وصيفا للدوري المحلي والدوري الأوروبي خلف إشبيلية الإسباني.

وفي أصل الخلاف بين مجموعة “سونينغ” الصينية المالكة للنادي وكونتي، تكمن الصعوبات المالية الخطيرة التي من شأنها أن تمنع مدرب تشيلسي الإنجليزي السابق من أن يمتلك اللاعبين الذين يعتقد أنه بحاجة إلى خدماتهم لمواصلة رحلة الفوز للفريق. في هذا السياق، تريد المجموعة الصينية توفير أكبر قدر ممكن من الأموال عند شراء لاعبين جدد وتحديد رواتبهم، مع البحث عن قيمة مضافة من خلال بيع أولئك الذين لديهم أعلى قيمة في السوق، وهو نهج يعتبره كونتي غير متوافق مع الرغبة في اللعب على أعلى المستويات في أوروبا.

ونجح مدرب منتخب إيطاليا السابق في نقل ثقافته وأسلوبه إلى النادي وأعاد بناء الفريق بالكامل مع اللاعبين الذين ساهم في تطورّهم أمثال البلجيكي روميلو لوكاكو، نيكولو باريلا، الأرجنتيني لاوتارو مارتينيس وغيرهم، فيما ساعد أمثال الدنماركي كريستيان إريكسن والكرواتي إيفان بيريشيتش لتخطي البدايات الصعبة. ولكن هل سيبقى هؤلاء اللاعبون في النادي الموسم المقبل؟

وقال لوكاكو الذي يصف الحصص التدريبية مع كونتي بأنها أشبه بـ”ساحة حرب، إنه أفضل مدرب في العالم. كانت هناك علاقة قوية بيننا. أريد مدربا مثله، يساعدني كل يوم ويعطيني الدافع”. سجل إنتر الموسم الماضي خسائر تجاوزت 100 مليون يورو، كما أن “سونينغ”، عملاقة توزيع المنتجات الإلكترونية والتي تملك نحو 70 في المئة من أسهم إنتر منذ 2016، هي نفسها في حالة تذبذب مالي خصوصا بسبب تداعيات جائحة فايروس كورونا.

تجربة جديدة

كذلك أعلن ليل الفرنسي انفصاله عن المدرب كريستوف جالتير، المتوج بلقب الدوري الفرنسي منذ أيام، رغم النجاحات التي حققها على المستوى المحلي خلال الموسم المنتهي، حيث أنهى ليل الموسم محققا اللقب برصيد 83 نقطة، بفارق نقطة وحيدة عن باريس سان جيرمان الوصيف برصيد 82 نقطة. بدوره علق كريستوف على رحيله قائلا “أرحل عن ليل بنتيجة مدهشة، أحتاج للتغيير، لا أريد أن أقع في الروتين، مثلما يحدث كثيرا، كما حدث لي في سانت إيتيان الذي دربته بين عامي 2009 و2017”. وواصل “لن اختار أبدا وجهتي المقبلة بناء على الجانب المادي، إذا كنت أريد المعايير المادية لما كنت دربت في أوروبا”.

كما أعلن نادي بايرن ميونخ رحيل مدربه هانزي فليك صاحب السداسية التاريخية التي تحققت لأول مرة في تاريخ النادي العام الماضي، والمتوج مؤخرا بلقب الدوري الألماني أيضا. لكن رحيل فليك جاء بسبب تجربة يرغب هو نفسه في تحقيقها وهي تدريب منتخب ألمانيا بعد مرحلة معلمه يواخيم لوف، الذي عمل لفترة كبيرة مساعدا له قبل تدريب البايرن، ولكنه سيعود هذه المرة الرجل الأول لمنتخب المانشافت.

22