إبراهيم كنعان قيادي عوني يغامر باللعب على الحافة

كان لافتا تصريح أمين سر تكتل “لبنان القوي” النائب إبراهيم كنعان خلال الأيام الماضية، وإشارته إلى أن عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أسّس لحالة استقرار على المستويات المؤسساتية والأمنية والاقتصادية. مضيفا إلى أنهم “ذاهبون إلى استعادة الرقابة الفعلية مع أقرارنا بأن الإصلاح لا يتم بين ليلة وضحاها، لكننا نضع أسسه القائمة على العودة إلى كنف الدستور”.
حديث كنعان جاء خلال ندوة اقتصادية في الجامعة اليسوعية. وقد طمأن فيه كنعان اللبنانيين بأن “القلق من الانهيار موجود منذ العام 1990 وأسهمت به الحكومات المتعاقبة، ولكننا بدأنا الإصلاح الفعلي وباتت لدينا موازنة وإصلاحات. والأهم إرادة على الترجمة لكي لا تبقى حبرا على ورق”.
وفي الأمثال الشعبية الدارجة في لبنان يجري استخدام “في كل عرس له قرص” للإشارة إلى شخص لا يغيب عن أي حدث أو يتدخل بأي شأن سواء أكان يخصه أم لا، وهذا المثل يمكن أن يطبّق، إيجابيا، على النائب العوني إبراهيم كنعان، الذي تراه حاضرا ويترك بصمته في كل شأن له علاقة بعهد الرئيس ميشال عون أو بـ”التيار الوطني الحر” الذي يرأسه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل.
استهداف الحريرية السياسية
كنعان تمكّن من التفوق شعبيا في دائرة المتن الشمالي على رئيس حزب “الكتائب” سامي الجميّل الذي كانت تعتبر عائلته وحزبه من القوى الشعبية الأكثر تمثيلا وحضورا في هذه الدائرة، حيث أنه منذ أن أعلن العماد ميشال عون من منفاه الباريسي في العام 2005 عن ترشيح كنعان عن المقعد الماروني بهذه الدائرة، وهو يحصد الأرقام الأعلى ويتصدّر لائحة الفائزين.
لكن بعض الأحداث السياسية التي عاشها كنعان المولود في العام 1962، لا تزال ماثلة للأعيان ولا يمكن نسيانها كما هي الحالة في كتاب “الإبراء المستحيل” الذي جهد طيلة سنوات وبذل أقصى ما يمكنه من أجل توثيق ما يعتبره “التيار الوطني الحر” نهبا منتظما للمال العام وسرقة موصوفة تتعلق بهبات وصلت من الدول العربية إلى لبنان بقيمة 11 مليار دولار، لم تدخل إلى خزينة الدولة اللبنانية أثناء ولاية رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، لا بل إنه هدّد مرارا باسم تياره بهذا الكتاب وجاهر بأنه سيستخدمه لزج “الحريرية السياسية” في السجن.
درس كنعان الحقوق في جامعة القديس يوسف في بيروت، حيث حاز على شهادة في القانون اللبناني، ثم شهادة ماجستير في القانون الدولي الخاص من جامعة باريس الثانية عام 1987، ثم شهادة في القانون الفرنسي. أسّس مكتبا للمحاماة في بيروت وأقام شراكة مع مكاتب للمحاماة في لندن، قبل أن يشارك في العام 2004 في تأسيس مكتب كينيدي وشركاؤه في الرياض، الذي يرعى بصورة مباشرة المصالح البريطانية السعودية المشتركة على جميع الأصعدة القانونية والتجارية.
وهو الأمين العام للمجلس الحقوقي البريطاني للشرق الأوسط والمنسّق العام لمجموعة المحامين الأوروبية – الأميركية ورئيس المركز اللبناني للدراسات القانونية والاقتصادية.
اقتسام كعكة لبنان
غير أن كل السجل القانوني الناجح الذي يتمتع به، لم يشف غليل كنعان الذي كان من مؤسسي جبهة تحرير لبنان – لندن ومن مؤسسي التجمّع اللبناني البريطاني من أجل الحريّة في لبنان، والمنسّق العام للتيّار الوطني الحرّ في بريطانيا، فهو كان يطمح إلى لعب دور سياسي في لبنان، فساهم في تأسيس اللقاء الثلاثي الذي جمع الرئيس أمين الجميّل، العماد ميشال عون والأستاذ دوري شمعون، والذي دعا إلى مقاطعة الانتخابات عام 1996.
وهذا الطموح تمكّن كنعان من تجسيده في العام 2005 بعدما أعلن عون من باريس دعمه لترشيح المحامي اللامع عن المقعد الماروني في دائرة المتن الشمالي، ففاز بلقب “سعادة النائب” ولا يزال يحتفظ بمقعده الذي ترشّح عنه في دورتي العامين 2009 و2018.
وفي الدورة النيابية الأولى التي يدخل فيها كنعان إلى البرلمان، انتخب عضوا في لجنة الإدارة والعدل وفي لجنة حقوق الإنسان، كما انتخب رئيسا للجنة الشباب والرياضة، لكن دوره النيابي والتشريعي لم يبرز إلا بعد انتخابات العام 2009، حيث خسر رئيس لجنة المال والموازنة النيابية سمير عازار المدعوم من رئيس مجلس النواب نبيه بري، مقعده النيابي أمام المرشح العوني في تلك الدائرة زياد أسود، فآلت رئاسة اللجنة النيابية الهامة إلى كنعان الذي، والحق يقال، إنه تمكّن من تحقيق نجاح باهر في إدارته للجنة، وكانت مساهماته في اللجنة جليّة بإصدار الحكومة اللبنانية أول ميزانية عامة في العام 2017 بعد انقطاع استمر منذ العام 2005، قدّمتها حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى في عهد الرئيس عون.
يسجّل لكنعان، أمين سر تكتّل “التغيير والإصلاح” الذي أصبح اليوم يحمل اسم تكتل “لبنان القوي”، نجاحه مع صديقه وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي، في وضع ما سمّي بـ”اتفاق معراب”، أي وثيقة التفاهم التي أنهت عقودا من الصراع المسيحي الداخلي الذي كان قد نشب في العام 1989 عندما شنّ آنذاك عون الذي كان قائدا للجيش اللبناني ورئيسا للحكومة الانتقالية في بعبدا، هجوما عرف باسم “معركة الإلغاء” ضد “القوات اللبنانية” برئاسة الدكتور سمير جعجع، وذلك بهدف بسط السيطرة الكاملة على المنطقة التي كانت تخضع لسلطته أثناء الحرب الأهلية السيّئة الذكر.
لكن السياسة في لبنان “يوم لك وآخر عليك”، فالاتفاق الذي رعاه كنعان لم يصمد كثيرا بعد انتهاء الانتخابات النيابية، فرغم أنه تمكّن من تمهيد الطريق أمام وصول عون إلى قصر بعبدا، إلا أن نتائج الانتخابات التي جاءت مخالفة لحسابات “التيار الحر” من حيث عدد المقاعد التي تمكن حزب “القوات اللبنانية” من الفوز بها، أغلقت آفاق استمراره بعد المطلب المحق “للقوات” بعدد من المقاعد الحكومية يوازي نسبته من عدد مقاعده النيابية.
حيث أنه حصد 4 مقاعد في حكومة الحريري الأولى في عهد عون وكان لديه 8 نواب، فأصبح يطالب بخمسة مقاعد في الحكومة الثانية بعد فوزه بـ15 مقعدا نيابيا، وهذا ما أخرج رئيس “التيار” باسيل من صوابه، فعارض الأمر أشد معارضة وصلت إلى تعليق الاتفاق وتسريبه إلى الإعلام حيث اطلع اللبنانيون كافة على وثيقة صيغت بطريقة اقتسام كل المراكز الرسمية من حصة المسيحيين في البلد بين الفريقين، وهو ما أثار امتعاض باقي اللبنانيين.
ورقة الطلاق السياسي في جيبه
ومع ذلك، ظل كنعان يمارس هوايته المعهودة، فكان يتدخل حيث يلزم الأمر لتصويب الأمور وإعادتها إلى مجراها “غير الطبيعي”، ففي الوقت الذي نعى فيه باسيل الاتفاق، خرج كنعان ليشدّد على أهميته وعدم السماح بسقوط “المصالحة” بين المسيحيين، وهو ما يعتبره إنجازا حققه مع الرياشي وليس مسموحا العودة عنه إلى الوراء.
السياسيون من طراز كنعان، معارضة وموالاة، حالهم هكذا، صوت صارخ حينا وخامد أحيانا، حب إلى حد الهيام، وبغض إلى حد الكراهية، لكن في جميع الأحوال ليس غريبا أن تجد كنعان يغرّد على حسابه الشخصي على موقع تويتر نهاية شهر أكتوبر الماضي، وبمناسبة الذكرى الثانية لانتخاب عون رئيسا للجمهورية، قائلا “ستبقى المحرّر الأول الذي اقترن اسمه بسيادة لبنان وكرامته والمحقق الأول للشراكة الوطنية الفعلية بعد الطائف، والقادر على إصلاح ما أفسده هذا النظام على مدى عقود، لأنك من خارجه”.
لكن لا أحد في لبنان يعرف كيف ستترجم تغريدة كنعان تلك، ولا كيف سيحدث ذلك الذي يتحدث عنه، خاصة بعد تحالف عون مع كل من عارَضهم في الماضي بمسيرته التحريرية، فاللبنانيون تساءلوا لفترة طويلة عما آل إليه “الإبراء المستحيل” الذي صاغ كل حرف وكل رقم فيه كنعان بتقنية المحامي اللامع، خصوصا مع شهر العسل الذي توصّل إليه الرئيسان عون والحريري، وعن هذا الأمر لم يتوان كنعان يوما عن الذهاب بعيدا في دعم “علاقة الزواج” المستجدة، في الوقت الذي أوضح أنه لا يزال يحمل “ورقة الطلاق” في جيبه. لكن سياسة كنعان طيلة السنوات الماضية تقوم على اللعب على الحافة. لعب خطر قد يفشل أي اتفاق سياسي في أي لحظة ودون أي مقدمات.