إبراهيم غالي على رأس جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر

فوضى وعراك بالأيدي شهدها المؤتمر بعد انتقادات حادة وجهت لزعيم الجبهة الانفصالية لاستمرار ثقافة التشبث بالكراسي وعدم بسط التقرير المالي.
السبت 2023/01/21
التمديد المتواصل يكشف هشاشة الجبهة الانفصالية

الرباط – كرس المؤتمر السادس عشر لجبهة بوليساريو الانفصالية ولاية جديدة لزعيمها إبراهيم غالي الجمعة على رأس التنظيم الانفصالي، بعد أن ألقت الجزائر بكل ثقلها لدعمه، وذلك وسط انقسامات داخلية وانتقادات حادة وجهها له منافسه بشير مصطفى السيد لاستمرار ثقافة التشبث بالكراسي.

وانتخب غالي (73 عاما) لولاية جديدة مدتها ثلاث سنوات أمينا عاما للجبهة الانفصالية في تصويت شارك فيه 1870 مندوبا في مؤتمر افتتح في 13 يناير في مخيم للاجئين الصحراويين على بعد 175 كيلومترا من مدينة تندوف في جنوب غرب الجزائر، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الصحراوية.

وحصل غالي الذي يشغل منصبه منذ عام 2016 على 69 بالمئة من الأصوات مقابل 31 بالمئة لمنافسه بشير مصطفى السيد، بحسب المصدر نفسه.

وشهد المؤتمر، وفق ما نقلته مصادر إعلامية انفصالية من داخل المخيمات، فوضى كبيرة بعد خطاب بشير مصطفى الذي عدد هزائم قيادة إبراهيم غالي على امتداد الفترة الماضية، كما انتقد استمرار تشبث "الرجل السبعيني" بولاية جديدة على رأس البوليساريو.

وأكدت المصادر أن أنصار إبراهيم غالي حاولوا التدخل من أجل وقف خطاب "المرشح الثاني" بالقوة، وهو ما رد عليه مساندو السيد بالمثل، قبل تدخل أطراف أخرى، يرجح أنها من الأمن الجزائري بزي مدني، لإخراج المتعاركين وإتمام أشغال المؤتمر الذي أجل للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام.

وانتقد السيد استمرار طموح الزعامة لدى الجيل القديم، واعدا بعدم تجاوز ولاية واحدة في حال نجاحه، كما شكلت نقطة عدم بسط التقرير المالي للمؤتمر محطة سجال حاد طالب فيه أنصار السيد بالوضوح.

وكان من المفترض أن تنتهي أشغال المؤتمر في 17 يناير الجاري، لكن تم تمديدها إلى غاية الجمعة، بسبب تفاقم الخلافات الداخلية، في ظل معارضة عدد من المؤتمرين لولاية جديدة لإبراهيم غالي الذي ترشح من جديد لهذا المنصب.

وكشف مؤتمر الجبهة الانفصالية حرص الجزائر على التمديد لغالي بشتى أنواع الدعم بعد التصدع الكبير الذي هز محيطه، حيث ساهم النظام الجزائري في توفير الأمن عبر عناصر تابعين له، لوأد أي تعبير عن الاحتجاج في محيط القاعة التي عقد فيها المؤتمر وسط أجواء من التوتر والسخط في صفوف الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف الذين يعتقدون بقوة أن كثير من قادة الجبهة يتزاحمون على المناصب من أجل مصالحهم المالية، حيث تتزايد ثرواتهم في كل من الجزائر وأوروبا.

ويرغب كثير من سكان مخيم تندوف في التحرر من قبضة قيادة البوليساريو وسلطة الوصاية الجزائرية والانخراط في حياة طبيعية بعيد عن النزاع المفتعل والصراعات العبثية التي يقودها غالي ومن معه.

ونقل موقع "هسبريس" المغربي عن هشام معتضد، الباحث في العلاقات الدولية قوله إن "التمديد المتواصل يترجم الهشاشة التنظيمية للانفصاليين، والتدبير السياسي المتحكم فيه من طرف الجزائر التي تسعى بكل ثقلها إلى تكريس غالي على رأس الجبهة لأسباب أمنية وسياسية مرتبطة بتنفيذ مخطط تدعمه القيادة العسكرية الجزائرية في المخيمات والمنطقة".

وأضاف معتضد أن "هناك ارتباكا كبيرا ومفاوضات عسيرة داخل المخيمات للخروج بحل يحافظ على وحدة البوليساريو، لكن بضمانات تقليدية تتيح للجنرالات الجزائرية التحكم في القرار السياسي والخيار العسكري للجبهة، وهو ما يصطدم بالمعارضة الداخلية والشباب السياسي للبوليساريو الذي يعارض الخط السياسي التدبيري لغالي".

ورأى معتضد أن هدف عشوائية المؤتمر التشويش على خط المعارضة داخل الجبهة، وفتح المجال لتنفيذ خارطة طريق الجهاز العسكري الجزائري، والمتعلقة بالالتزام المطلق والكلي للقيادة المنتخبة بتنفيذ مخطط الجزائر في المنطقة، وتنزيل مشروعها السياسي باسم البوليساريو.

وتابع "مؤتمر البوليساريو يبقى تجمعا سياسيا شكليا ومسرحية تنظيمية لتبرير الهيكل السياسي للبوليساريو بتمويل وإعداد جزائري، من أجل إعطاء صبغة مؤسساتية لهذا التنظيم الذي تسعى جنرالات الجزائر من خلاله إلى خلق نوع من عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة".

ويدور نزاع منذ عقود حول الصحراء المغربية التي يسيطر المغرب على جل ترابها ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيه مقترحا منحها حكما ذاتيا تحت سيادته، في حين تطالب جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر باستقلالها.

وهي سبب رئيسي لتوتر العلاقات بين البلدين المغاربيين حيث قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط منذ صيف 2021.

وخرقت الجبهة قرار وقف إطلاق نار ساري المفعول منذ العام 1991، في منتصف نوفمبر 2020 بعد انتشار القوات المغربية في أقصى جنوب الإقليم لطرد عصابات البوليساريو الذين كانوا يغلقون معبر الكركرات الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا ويعتبرونه غير قانوني لأنه لم يكن موجودا حين تم الاتفاق مع الرباط.

ومنذ ذلك الحين تقول جبهة البوليساريو إنها "في حالة حرب دفاع عن النفس" وأعلنت "منطقة حرب" تشمل كل ما تسميه زورا "أراضي الجمهورية الصحراوية"، بما في ذلك المجال البري والبحري والجوي.

وبعد أن شجع اعتراف الإدارة الأميركية للرئيس السابق دونالد ترامب في نهاية العام 2020 بسيادة المغرب على هذه المنطقة، توظف الرباط منذ ذلك الحين نشاطها الدبلوماسي بشكل متزايد لحشد دعم دول أخرى لمواقفها.

وانعقد المؤتمر السادس عشر للجبهة تحت شعار: "تصعيد النضال من أجل انسحاب المحتل وفرض السيادة الكاملة"، وهو الشعار الذي يرجح أن جنرالات الجيش الجزائري هم من أعدوه في الغرف المغلقة التي تمسك بملف الصحراء.

وتسبب دخول غالي مستشفى في إسبانيا بهوية وجواز سفر مزورين في أبريل 2021 لتلقي العلاج بعد إصابته بفايروس كورونا، في أزمة دبلوماسية كبرى بين مدريد والرباط، بلغت ذروتها بوصول أكثر من عشرة آلاف مهاجر في منتصف مايو إلى جيب سبتة الذي تحتله إسبانيا.

وانتهت هذه الأزمة في مارس الماضي بعدما أعلنت الحكومة الإسبانية دعمها موقف المغرب في قضية الصحراء الغربية، معتبرة أن "مبادرة الحكم الذاتي المُقَدمة في 2007 (من جانب المغرب) هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وصدقية لحل هذا النزاع" بين الرباط وجبهة البوليساريو.