أي مصير للأزمة الليبية في ظل ولاية ترامب الثانية

عندما يقتنع ترامب أن هناك رجلا قويا يستطيع السيطرة على الجغرافيا الليبية ويضع يديه على حقول النفط والحدود ويمكنه تحمل مسؤولية القرارات الحازمة والحاسمة سيكون أول المتصلين به لعقد اتفاق معه.
الأربعاء 2025/01/22
الوضع في ليبيا مفتوح على الغموض

يبدو أن الأوضاع في ليبيا مقبلة على أربع سنوات من الجمود السياسي مع تسجيل بعض التجاذبات الميدانية التي لن تؤثر في الأخير على التوازنات الحالية. الرئيس الأميركي العائد إلى البيت الأبيض، دونالد ترامب، لن يهتم كثيرا بالملف الليبي، ولن يحاول التدخل في مجريات الأحداث في البلاد الواقعة في شمال أفريقيا. قبل سنوات قال إن ليبيا ليست من أولوياته، واليوم ليس في حاجة إلى أن يكرر تلك الكلمات ليكشف عن موقفه خلال ولايته الثانية.

في حال اتفق الفرقاء الليبيون على إخراج بلادهم من النفق بالاعتماد على الخيار الديمقراطي التعددي واحترام إرادة الشعب، فسنوات حكم ترامب قد تكون الفرصة الملائمة. كل المؤشرات تؤكد أنه لن يتدخل لفائدة طرف على حساب آخر. هو في كل الحالات يعتبر نفسه غير مسؤول عن أخطاء الإدارات السابقة بما فيها إدارة أوباما التي أقرت التدخل العسكري المباشر في ليبيا في العام 2011، كما أنه غير مهتم بما سيكون عليه اختيار الناخبين من خلال صناديق الاقتراع.

في أغسطس 2016، وبينما كانت رحى المعارك مع تنظيم داعش تدور في مدينة سرت وضواحيها، قال ترامب في تصريحات ما قبل خوض السباق الرئاسي إنه لا بديل عن قصف ليبيا للقضاء على التنظيم الإرهابي. لكنه بالمقابل اعترف بأن بلاده ما كان لها أن تتدخل في العراق، أو في ليبيا، حتى تطلق الوحش في الشرق الأوسط.

◄ شخصية ترامب المحارب قدمت دعما معنويا كبيرا للجنرال حفتر في بداية الحرب، ثم تخلت عنه عندما فشل في تحقيق هدفه، ومارست الصمت إزاء التدخل التركي في ليبيا

وفي تصريح مستفز، تحدث ترامب عن التدخل العسكري في ليبيا عام 2011 بالقول “كان يجب أن نشترط على الثوار أن نأخذ نصف النفط الليبي مقابل مساعدتهم في حربهم ضد نظام القذافي،” تلك القناعة عبّر عنها في موقف آخر “حين كانت تندلع حرب في القديم، فإن الغنائم تعود إلى المنتصر.”

في أبريل 2017 أوضح ترامب، أنه لا يعتقد أن على الولايات المتحدة مواصلة القيام بدور في تحقيق الاستقرار في ليبيا. وأكد خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإيطالي آنذاك باولو جينتيلوني، عقب اللقاء بينهما في البيت الأبيض “لا أرى دورا لأميركا في ليبيا،” وأضاف”أعتقد أن الولايات المتحدة تقوم حاليا بالعديد من الأدوار، بما فيه الكفاية، في أماكن مختلفة من العالم.”

بعد عامين، وتحديدا في 19 أبريل 2019 أعلن البيت الأبيض أن الرئيس أجرى اتصالا هاتفيا بالقائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر قبل أربعة أيام، وأنه “اعترف بدور حفتر في محاربة الإرهاب وتأمين حقول النفط الليبية، كما ناقش معه الرؤية المشتركة لتحول ليبيا إلى نظام سياسي ديمقراطي مستقر.”

جاء الاتصال بعد أسبوعين من إطلاق عملية “طوفان الكرامة” في الرابع من أبريل 2019، والتي دشنتها قوات الجنرال حفتر في اتجاه المنطقة الغربية بهدف السيطرة على العاصمة طرابلس الخاضعة لسلطة الميليشيات. كانت بدايات العملية تشي بانتصار ساحق للقوات القادمة من الشرق. لكن بعد أشهر عدة تبين أن هدف السيطرة على العاصمة لم يتحقق، لاسيما بعد أن تدخلت تركيا بقوة إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق باستقدام الخبراء الميدانيين واستعمال الطيران المسيّر وتأجير الآلاف من البنادق التي جلبت أنقرة حامليها من شمال غرب سوريا بعقود مناولة تم توقيعها مع سلطات طرابلس.

رغم بعض التوتر الذي شاب العلاقات بينهما، إلا أن ترامب كثيرا ما كانت مواقفه نحو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تمتاز باللين. في العامين 2019 و2020 جرت بينهما اتصالات كثيرة في الوقت الذي كانت فيه المعارك على أشدها في غرب ليبيا. تخلى ترامب عن حفتر بعد أن أدرك عجزه عن تحقيق الفوز الساحق. لم يستنكر التدخل التركي المباشر في ليبيا. كان يعتقد أن اتفاقه مع أردوغان يبقى أفضل بكثير من الاتفاق مع الليبيين. المصالح بين واشنطن وأنقرة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية وإستراتيجية لا يمكن تجاوزها. دور تركيا في الناتو أساسي وغير قابل للمساومة. علاقات تركيا مع إسرائيل تظل رغم كل الخلافات المعلنة رمانة ميزان التوازنات الإقليمية في شرق المتوسط.

◄ في حال اتفق الفرقاء الليبيون على إخراج بلادهم من النفق بالاعتماد على الخيار الديمقراطي التعددي واحترام إرادة الشعب، فسنوات حكم ترامب قد تكون الفرصة الملائمة

هناك حقيقة أخرى تفرض نفسها، وهي التركيبة النفسية للرئيس ترامب، وما تتميز به من تقديس للقوة واحترام للأقوياء. شخصية ترامب المحارب قدمت دعما معنويا كبيرا للجنرال حفتر في بداية الحرب، ثم تخلت عنه عندما فشل في تحقيق هدفه، ومارست الصمت إزاء التدخل التركي في ليبيا. كانت لديه قناعة بأن الصفقة مع أردوغان تبقى أفضل من الصفقة مع فرقاء ليبيين من الصعب جمعهم حول هدف أو موقف.

تعلّق ترامب بالأقوياء يبدو واضحا، وهو لا يهتم بالضعفاء حتى وإن كانت قضاياهم عادلة. يجتمع مع أردوغان في أن كلا منهما يعتقد أنه روح أمته. يمكن التأكيد على ذلك من خلال علاقة الرئيس الأميركي بزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي اجتمع به في سنغافورة في العام 2018، وأكد في يوليو الماضي أنه ينسجم معه. كذلك علاقته اللافتة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أشاد بذكائه، وبالرئيس الصيني شي جينبينغ الذي وصفه بالقويّ والمتمكن. في أبريل 2019 اتصل ترامب بحفتر ليعبر له عن دعمه ومساندته لجهوده في الحرب على الإرهاب، كانت فرصة آنذاك مواتية للجنرال الليبي ليسيطر على مقاليد السلطة في بلاده بقوة السلاح.

عندما يقتنع ترامب أن هناك رجلا قويا يستطيع السيطرة على الجغرافيا الليبية بشكل كامل، ويضع يديه على حقول النفط والحدود البرية، ويمكنه تحمل المسؤولية بخصوص القرارات الحازمة والحاسمة، سيكون أول المتصلين به لعقد اتفاق معه. إلى حد الآن يبدو أن هذا الشخص غير موجود على الساحة.

في الأثناء، لا يزال الوضع الحالي في ليبيا مفتوحا على الغموض. المهندس عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها منذ عامين، يعتبر نفسه محظوظا بوصول ترامب إلى السلطة، حيث إن الإدارة الأميركية لن تضغط عليه من أجل السير في اتجاه التسليم بتشكيل حكومة موحدة تقصيه من منصبه الحالي. مجلسا النواب والدولة يستطيعان تأجيل التوصل إلى الحل السياسي إلى ما يشاءان طالما أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه يساعد الأعضاء المنتخبين في 2012 و2014 على المحافظة على الامتيازات التي ينعمون بها. أمراء الحرب كذلك بإمكانهم الاستمرار في الاستئثار بنصيبهم من الغنيمة. الجنرال حفتر وأبناؤه يمكنهم أن يتأكدوا بأن تكريسهم سلطة الأسرة في مناطق نفوذهم يحقق أهدافه. الدول الإقليمية المتداخلة بدورها ليست في عجلة من أمرها. فأهم ما يهمها في ليبيا حاليا هو إنتاج النفط وتصديره وجني إيراداته والاستفادة منها عبر الحلفاء من الفرقاء الداخليين.

9