أي تحديات تعترض عودة حمدوك إلى رئاسة الحكومة السودانية

لا يزال خيار عودة رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبدالله حمدوك إلى منصبه مطروحا على الطاولة لتجاوز الأزمة السياسية في البلاد. وتقود الإمارات مدعومة بكل من مصر والسعودية جهودا في سبيل تقريب وجهات النظر في ظل فشل مبادرات عديدة لرأب الصدع.
الخرطوم- ربطت دوائر سياسية سودانية بين الزيارة الرسمية التي بدأها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان لدولة الإمارات العربية الخميس وبين وجود رئيس الحكومة السابق عبدالله حمدوك هناك، وراجت تكهنات حول عقد لقاء بينهما في أبوظبي يمهّد لعودة الأخير لتولي منصب رئيس الوزراء مرة أخرى.
ويظل خيار حمدوك مطروحا على المستوى النظري في ظل عدم قدرة القوى السودانية على تفكيك الأزمة وإخفاق المبادرة التي ترعاها الأمم المتحدة في تحريك المياه، واستمرار منصب رئيس الحكومة شاغرا، ما يمنح سيناريو حمدوك جاذبية.
وتأتي الجاذبية من زيارة البرهان للإمارات واستقرار حمدوك فيها بعد تقديم استقالته في الثاني من يناير الماضي، والدور الإيجابي الذي تقوم به أبوظبي في منع انفلات الأوضاع السياسية والأمنية والحفاظ على وحدة البلاد.

تماضر الطيب: فرص عودة حمدوك ضئيلة في ظل تعقيدات الأزمة
ويرتبط السودان بعلاقات جيدة مع دولة الإمارات التي تبذل جهودا للبحث عن مخرج مناسب للأزمة السياسية في الخرطوم، وتقوم قيادتها بتحركات عديدة لتقريب المسافات بين القوى المختلفة حفاظا على أمن واستقرار السودان.
وجاءت زيارة البرهان في إطار التعاون والتنسيق المستمر بين الخرطوم وأبوظبي، والحرص على تمتين الروابط السياسية والاقتصادية وصيانة المصالح الحيوية.
وأكد المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة العميد الطاهر أبوهاجة الجمعة، أن الإمارات شريك استراتيجي يعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في السودان، وبلاده حريصة على استمرار وترقية العلاقة معها وفتح آفاق التعاون في مختلف المجالات.
ولم يتطرق أبوهاجة من قريب أو بعيد إلى عقد لقاء بين البرهان وحمدوك، موضحا أن الزيارة تهدف إلى بناء وتعزيز التعاون الاستراتيجي والتشاور المتواصل بما يخدم المصالح المشتركة في تحقيق الاستقرار الإقليمي وبلورة رؤية مشتركة لتعاون البلدين اقتصاديا وسياسيا في كل المجالات، وبحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية.
وتحدثت تقارير سودانية عدة عن عقد لقاء جمع البرهان وحمدوك في دولة الإمارات، وأن ثمة مبادرة جديدة لحل الأزمة السودانية تناقش عودة حمدوك إلى الحكم المدني.
وتقترح المبادرة وضع حلول جذرية لتجاوز مشكلة عدم الثقة بين المكونين المدني والعسكري وتشكيل مجلس سيادي برئاسة حمدوك، ومجلس للأمن والدفاع برئاسة البرهان، ومجلس وزاري تكنوقراط يبتعد عن أي ميول حزبية، ومجلس تشريعي يضم في عضويته لجان المقاومة ولجان الحراك الثوري.

الطاهر أبوهاجة: الإمارات شريك استراتيجي يعمل على دعم الانتقال الديمقراطي في السودان
وذكرت وسائل إعلام محلية أن زيارة البرهان للإمارات جزء منها ينصب على هذه المبادرة السياسية المدعومة من ثلاث دول هي: الإمارات والسعودية ومصر، لدراستها وتقديمها للقوى المختلفة كوسيلة لحل الأزمة المتفاقمة التي تعصف بالسودان.
وتزامنت الإشارة إلى عودة حمدوك مع قول رئيس البعثة الأممية بالسودان فولكر بيرتس “إن عودة حمدوك للسلطة شأن سوداني.. لسنا بصدد اختيار رئيس وزراء وليس لدينا مترشحون لهذا المنصب”، وهو ما يشير إلى أن الكرة في ملعب القوى المدنية وليس أي جهة أممية أو إقليمية، فهي التي تملك القبول أو الرفض.
وعبرت قوى سودانية عن عدم ارتياحها لإعادة تعيين حمدوك ، وليس من الصواب أو الحكمة تكرار الأخطاء وأن “تجريب المجرب حاقت به الندامة”، في تلميح إلى أن عودة الرجل للسلطة لن تتمكن من فك الألغاز السودانية.
وبدت الكثير من القوى السياسية كأنها أسقطت من حساباتها حمدوك كرجل الضرورة أو خيار للمرحلة الانتقالية بعد قبوله الاتفاق مع البرهان، الذي قام بانقلاب عسكري في أكتوبر الماضي ومخالفته موقف القوى المدنية التي اعتبرته خرج عن خطها العام عندما وقّع اتفاقا مع رئيس مجلس السيادة.
وقد قبل حمدوك التفاهم السياسي مع البرهان حقنا لإزهاق المزيد من أرواح السودانيين في الشارع، على حدّ قوله، لكن حتى هذا التفسير لم يكن مقنعا لاستعادة دوره المركزي داخل تحالف قوى الحرية والتغيير الذي عصفت به خلافات مكنت رئيس مجلس السيادة من فرض هيمنته على السلطة بشقيها العسكري والمدني.
وطوت الكثير من القوى المدنية صفحة حمدوك بحلوها ومرها، الأمر الذي كشفته الردود السلبية حول ما يمكن وصفه بإشارات جس النبض التي اصطحبتها زيارة البرهان للإمارات لمعرفة توجهات البوصلة في السودان حاليا.
وأشار القيادي بحزب المؤتمر السوداني نورالدين صلاح الدين إلى أن حمدوك “تهاوى وسقط”، والقضية لا تتمحور حول شخص بعينه، لأن هناك سلطة انقلابية من الصعب والمستحيل ائتمانها على مسار التحول الديمقراطي.
وتسبب ابتعاد حمدوك عن رئاسة الحكومة في أزمة للمكونين العسكري والمدني، فالأول لم يستطع منذ استقالته أن يشكل حكومة تلقى قبولا داخليا وخارجيا ويعلم أن فرض قبضته لن يكون مقبولا من الجانبين، بينما يعاني الثاني (المدني) من فراغ في القيادة وتشتت في الرؤى وانقسام في التصورات والاجتهادات، وهو ما يمنح حمدوك قدرا من التعاطف السياسي لدى شريحة تعتقد أنه الخيار الأنسب لهذه المرحلة.
يظل خيار حمدوك مطروحا على المستوى النظري في ظل عدم قدرة القوى السودانية على تفكيك الأزمة وإخفاق المبادرة التي ترعاها الأمم المتحدة في تحريك المياه
ولكن أستاذة العلوم السياسية بجامعة الخرطوم تماضر الطيب لها رؤية مخالفة، حيث قالت إن حمدوك يجيد العمل في المنظمات الدولية والإقليمية وأمضى وقتا طويلا في هياكلها المختلفة وحقق نجاحات وظيفية ملموسة، وشعر بأنه يستطيع التكيف مع الألاعيب السياسية أو مجاراتها بخطط مضادة فآثر الابتعاد بناء على قناعة شخصية.
وأضافت لـ”العرب”، “أن فرص عودة حمدوك ضئيلة في ظل التعقيدات التي تحيط بالأزمة السودانية، وقد جاء في أجواء سياسية كانت مشحونة بزخم الثورة وطموحاتها، وقللت الطعنات السياسية التي تعرض لها من جهات متباينة من منحه الفرصة كاملة للعبور بالبلاد إلى بر الأمان، وإذا كان الإخفاق لازمه وقت اليسر في الحكومتين اللتين شكلهما من قبل فمن الصعوبة أن يلازمه وقت العسر”.