أي آفاق للحل السياسي في ليبيا بعد فشل مسار الانتخابات

شروط الترشح للرئاسة نقطة خلاف الفرقاء السياسيين في ليبيا.
الأحد 2022/07/17
الشرخ يتسع

طرابلس - بات أفق ضيق يتراءى أمام أنظار الليبيين، بعد فشل كل الجهود الدافعة إلى إجراء انتخابات كانت لتنهي ثماني سنين من التصحر السياسي.

وقبل عام ونصف العام من الآن، كانت الأمور مختلفة تماما، فقد انتهت الحرب، وانتعشت الآمال بقرب تغيير كل الأجسام السياسية، عقب توقيع “ملتقى الحوار السياسي” الذي شكلته البعثة الأممية “خارطة طريق” ترسم المستقبل السياسي للبلاد (اتفاق جنيف).

وفي أول الأمر، نجح الملتقى في توحيد السلطة التنفيذية بعد سبع سنين من الانقسام السياسي، وأنتج المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، إلا أن المسار لم يكتمل.

وبحسب “اتفاق جنيف” الموقّع بداية 2021، كان من المفترض إجراء انتخابات رئاسية هي “الأولى في تاريخ ليبيا”، مع أخرى تشريعية، يُنَظّما تزامنا يوم الرابع والعشرين من ديسمبر 2021، الذي صادف الذكرى السبعين لاستقلال البلاد.

وبعد أن فُضّ عرس توحيد الحكومة، بدأ فورا صراع ما قبل الانتخابات، وما كادت الهوة بين الفرقاء تضيق، حتى أخذت تتسع من جديد.

فرج دردور: بإمكان ضغوط الشارع الدفع باتجاه التوصل إلى الحل

وبدأ الإشكال حين فشل ملتقى الحوار في التفاهم على قاعدة دستورية وقوانين انتخابية، ليبادر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بصياغة القوانين، إلا أنها رُفضت من رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، بداعي أن عقيلة صادق عليها منفردا دون استشارتهم، أو حتى تصويت النواب عليها.

وكان موطن خلاف الفصيلين بخصوص القوانين يتمحور حول شروط الترشح لرئاسة الدولة، وما لبث أن زاد الخلاف بعد رفض البرلمان لموازنة الحكومة، ثم حجب الثقة عنها وتركها لتسيير الأعمال، الأمر الذي أبت الحكومة تنفيذه، ورفضه مجلس الدولة.

وسمحت القوانين بترشح شخصيات وصفت بالجدلية، على رأسها القائد العام للقوات المسلحة في شرق البلاد خليفة حفتر، وابن العقيد القذافي سيف الإسلام القذافي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، الأمر الذي ألهب الصراع، خاصة في فترة الطعون التي طالت وتشعّبت، وحوصرت خلالها محاكم، وهُدد قضاة، واقتُحمت باحة المفوضية وعمّت الفوضى، إلى أن أعلنت المفوضية قبل يوم على موعد الاقتراع عن استحالة إجراء الانتخابات، بسبب ما سمته بـ”القوة القاهرة”.

وفي تلك الأثناء، كان يدور خلاف دولي حول رئاسة البعثة الأممية، ودفع عدم التفاهم حوله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى اختيار “مهندسة اتفاق جنيف” الأميركية ستيفاني ويليامز كـ”مستشارة خاصة” بشأن ليبيا، على أمل أن تكمل ما بدأته.

ومع مطلع 2022، أعلن البرلمان عن خارطة طريق جديدة، يريد من خلالها “تعديل مسودة الدستور”، وفتح بموجبها “باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة” فاز بها في فبراير وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.

ورُفض فتح المسودة من قبل هيئة الدستور، ورُفضت الحكومة الجديدة من المشري. وتجاهل الدبيبة قرار النواب، وأعلن استمراره إلى حين إجراء الانتخابات… “كان شبه الانقسام يلوح عائدا للديار”.

وكوسيط للحل، سارعت ويليامز إلى إطلاق مبادرة تقضي بـ”اختيار لجنة مشتركة من المجلسين لصياغة القاعدة الانتخابية”، ولكن رفْض النواب وجّه عمل اللجنة نحو “تعديل مواد مسودة الدستور”.

وفي يونيو الماضي أعلنت اللجنة المشتركة اتفاقها على 180 نصا من مواد المسودة، لكنها تعثرت في ذات المطب “شروط الترشح للرئاسة”. وفشل بعد ذلك اجتماع رئيسي المجلسين حول ذات المسألة.

وفي اليوم التالي لإعلان التعثر، خرجت مظاهرات متزامنة وغاضبة في الأقاليم الثلاثة، تطالب بإقصاء المجلسين والحكومتين، والتوجه بأقصى سرعة نحو الانتخابات. ومع موجة الغضب، أقدم متظاهرون في طبرق على اقتحام مقر مجلس النواب وحرق وإتلاف جزء من محتوياته. فإلى أين سيتجه المشهد الليبي بعد كل هذه الأحداث؟

أفق ضيق يتراءى أمام أنظار الليبيين
أفق ضيق يتراءى أمام أنظار الليبيين

ويتوقع الأكاديمي والمحلل السياسي فرج دردور أن يتجه المشهد إلى المزيد من الفوضى.

ويقول “للأسف، حتى الحراك الشبابي الذي حصل لم يجد استجابة من المسؤولين الليبيين، ولا من الأمم المتحدة التي عابت عليهم حرق مقر النواب، ويبدو أنها لا تزال متمسكة بأن مجلسي النواب والدولة جسمان شرعيان”.

ويضيف “الأمر يبدو وكأن الأمم المتحدة تعلم بفشل المجلسين مسبقا، وتصر على تكرار نفس المعطيات التي لن تفرز نتائج مختلفة”.

ويرى دردور أن بإمكان الشارع “الدفع باتجاه الحل، فلا أحد يستطيع تحمّل الضغط الشعبي، ولا أدل على ذلك من بيانات المسؤولين التي أكدت قولا وقوفهم مع المطالب الشعبية، دون تنفيذها، ولهذا، لابد من استمرار الضغط”.

وكان متظاهرون قد طالبوا المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للقضاء بإصدار مراسيم يعلنان فيها “حالة الطوارئ، وحلّ المجلسين والحكومتين، وصياغة قاعدة دستورية تعجل بالانتخابات”، الأمر الذي استبعده الباحث في الشأن السياسي والدستوري محمد محفوظ بقوله “ليس هناك دعم دولي لأي خطوات معينة، ومن دونه لن يتحقق شيء. وحتى الحديث عن تسلّم المجلس الرئاسي للأمور بعيد عن التطبيق”.

واستحضر محفوظ حديث السفير الأميركي مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي عقب المطالب الشعبية، الذي قال فيه “لا يوجد كيان سياسي واحد يتمتع بالسيطرة المشروعة في جميع أنحاء ليبيا. وأي جهد لفرض حل أحادي الجانب سيؤدي إلى العنف، فالحوار والتسوية بين الفاعلين الرئيسيين هما اللذان يحدّدان معالم الطريق للانتخابات والاستقرار السياسي”.

قوانين الترشح للرئاسة سمحت بترشح شخصيات وصفت بالجدلية، على رأسها خليفة حفتر، وسيف الإسلام القذافي، وعبدالحميد الدبيبة، الأمر الذي ألهب الصراع

وليس هذا فقط، فالرئاسي، وفق رأي  دردور، “أضعف من أن يقوم بهذه الخطوة”.

واستدرك مفصلا “الرئاسي لا يمتلك حتى الكاريزما، وأعضاؤه يحسبون الوضع جيدا، ويريدون أن يكونوا بمنأى عن الأزمة، حتى يبقوا أطول وقت في السلطة، وكأنهم رمانة الميزان”.

ويؤكد دردور أن “القانون يخوّل الرئاسي بالتحرك وتلبية المطالب الشعبية، فهو يقوم مقام رئيس الدولة، وبإمكانه استخدام قانون الأمن القومي للتخلص من كل السلطات الحالية، ولو فعل، فسيلقى التأييد الشعبي. ولكن ضعفه يحول دون ذلك”.

وأما بخصوص المجلس الأعلى للقضاء، فيرى دردور أنه “منقسم أيضا”. ويوضح قائلا “استطاع عقيلة أن يزرع فريقا من المستشارين كوّن منهم مجلس القضاء، مع استمرار المجلس القديم في العمل، وبالتالي أي مجلس قضاء ستؤول إليه الأمور؟”.

ويطرح دردور وجهين للحل: الأول يتم من خلال “تشكيل مجلس من عمداء البلديات”، لأنهم منتخبون وأكثر التصاقا بالناس ويمثلون كل البلاد.

والثاني أن “تشرف حكومة الدبيبة مع مفوضية الانتخابات على إجراء انتخابات برلمانية فقط، يستعينون فيها بقوانين انتخابية سابقة كالتي أفرزت المؤتمر الوطني، أو مجلس النواب”. وبغير ذلك، وفق رأيه “ستنتقل البلاد من أزمة إلى أخرى”.

2