أيّ تحديات تفرضها الجرائم المالية على النظام المصرفي اللبناني

كيفية تعامل الحكومة مع حزب الله ومؤسسته القرض الحسن ستحدد مسألة ما إذا كانت تستطيع تلبية معايير مجموعة العمل المالي.
الأربعاء 2025/03/05
تفشي الفساد المالي

بيروت – تواجه الحكومة اللبنانية الجديدة تحديات كبيرة في معالجة مشكلة الفساد والجرائم المالية، وتهيئة المناخ المساعد على تنفيذ الإصلاحات المالية الأساسية لتأمين القروض الأجنبية الحيوية لإعادة الإعمار، وفي الوقت نفسه استعادة ثقة اللبنانيين بالقطاع المصرفي، وهي أولوية ملحة لتثبيت الاستقرار في الداخل.

وقد وصف وزير لبناني سابق الوضع المالي في لبنان بقوله “نحن نسير نحو الهاوية، لكن حافة الهاوية تستمر في التحرك.”

ومنذ بداية الأزمة قبل سنوات فرضت البنوك ضوابط غير رسمية على رأس المال لمنع النزيف، وهو ما قيّد وصول أصحاب الحسابات إلى أموالهم وتمتعهم بالتحويلات الدولية. وانهارت الليرة اللبنانية بعد ذلك، وخسرت أكثر من 98 في المئة من قيمتها، وتقرر في النهاية فصلها عن الدولار.

الأزمة المالية قوضت قدرة الدولة على صرف رواتب الموظفين الحكوميين، ما أثر على إنفاذ القانون والسلطة القضائية

ودُمّرت معاشات التقاعد والمدخرات وارتفعت مستويات الفقر. وأفلست أغلب البنوك، حيث تكبدت خسائر تجاوزت 72 مليار دولار، وانخفض عدد الحسابات المصرفية بأكثر من النصف بين 2020 و2023.

ويرى بول كوكرين، في تقرير لموقع “عرب دايجست”، أنه مع الضعف الشديد للقطاع المصرفي ظهر اقتصاد قائم على النقد إلى جانب طرق أقل تقليدية وغير منظمة لتحويل الأموال، بما في ذلك العملات المشفرة، والحركات النقدية بالجملة، وخدمات الظل المصرفية، واعتماد جمعية القرض الحسن التابعة لحزب الله.

كما قوضت الأزمة المالية قدرة الدولة على صرف رواتب الموظفين الحكوميين، ما أثر على إنفاذ القانون والسلطة القضائية.

وثار خلال الأزمة المالية غضب شعبي واسع النطاق موجه نحو البنوك والمؤسسات، وتعالت الدعوات المنادية بوجوب القيام بالإصلاحات المالية والمساءلة.

وأصبح رياض سلامة، حاكم البنك المركزي لفترة طويلة (1993 – 2023)، اسما محوريا في الانتقادات، حيث اتُهم بغسل الأموال والفساد وتقويض سيادة القانون.

وواجه لبنان ضغوطا إضافية عندما أصبح على القائمة الرمادية التي حددتها مجموعة العمل المالي بسبب عدم كفاية تدابير مكافحة غسل الأموال.

ححخ

ومع وصول حكومة جديدة إلى السلطة، وبعد جمود دام عامين، أكد الرئيس جوزيف عون أن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان لبنان قادرا على إصلاح ممارساته. وشملت تصريحات عون تعهدا بأن التدخل في سير القضاء ممنوع، وأنه لن تكون هناك حماية للمجرمين أو الفاسدين.

ويشير تعيين نواف سلام، القاضي السابق في محكمة العدل الدولية، رئيسا للوزراء إلى أن السلطة القضائية قد تحظى باحترام أكبر تحت قيادته. ومن ناحية أخرى يتمتع المحامي بول مرقص، وزير الإعلام، بخبرة في مكافحة غسل الأموال. وألّف كتبا حول هذا الموضوع.

لبنان واجه ضغوطا إضافية عندما أصبح على القائمة الرمادية التي حددتها مجموعة العمل المالي بسبب عدم كفاية تدابير مكافحة غسل الأموال

وعلى الرغم من وجود أعضاء مستقلين وتكنوقراط في البرلمان، وهو ما قد يمثل تقدما، لا تزال الأحزاب السياسية الطائفية متجذرة بقوة، وتواصل تقسيم البلاد من خلال شبكات المحسوبية والسيطرة على الوزارات لخدمة مصالحها ومصالح حلفائها. فعلى سبيل المثال تتولى حركة أمل، حليفة حزب الله، قيادة وزارة المالية حاليا.

كما أن كيفية تعامل الحكومة اللبنانية مع دور حزب الله داخل البلاد -وسط وقف إطلاق النار غير المستقر مع إسرائيل، فضلا عن الإجراءات التي قد تتخذها إدارة دونالد ترامب- ستحدد بشكل كبير مسألة ما إذا كانت بيروت قادرة على تلبية معايير مجموعة العمل المالي.

وحذف البرلمان عبارة “المقاومة المسلحة” من بياناته الوزارية للمرة الأولى منذ 25 عاما، ما يشير إلى تحول محتمل في السياسة. ومع ذلك لم يُتّخذ أي إجراء ضد مؤسسة القرض الحسن. وكما أشار مصدر في البنك المركزي، فإن المؤسسة لا تزال غير خاضعة للتنظيم، وهو أمر “جنوني”.

وقد اكتسبت مؤسسة القرض الحسن، التي أدرجها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية على لائحة العقوبات في 2007، مكانة بارزة خلال الأزمة المالية من خلال توفير الدولارات للمودعين. وعلى الرغم من الضربات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت 32 من فروعها في 2024، شهدت البلاد إعادة فتح أكثر من نصفها منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي.

ويخلص كوكرين إلى أنه ما لم ينفّذ لبنان إصلاحات مالية ويضمن وجود قضاء مستقل وفعّال ويزدْ من الشفافية، فسيواجه صعوبات في تأمين القروض اللازمة لإعادة الإعمار والخروج من القائمة الرمادية التي وضعتها مجموعة العمل المالي.

 

اقرأ أيضا:

        • السعودية ليست مستعجلة لضخ أموال للبنان في انتظار أن يفي العهد الجديد بالتزاماته

1