أين التنمية في الاستعراض المالي للدبيبة؟

انتقادات لطريقة تعامل الحكومة مع الإيرادات الإضافية بتحويلها إلى نقد أجنبي وذهب بدل استثمارها في مشاريع تنموية تحرك الاقتصاد وتخلق الثروة.
الأربعاء 2024/03/20
كثرة الوعود والتصريحات لا تقنع الليبيين

طرابلس- استعرض رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبدالحميد الدبيبة، في كلمة مساء الاثنين، الأموال التي دخلت إلى خزينة الدولة منذ وصوله إلى السلطة. وكان لافتا الحديث عن تعزيز احتياطي البلاد من الذهب والعملة الصعبة، في وقت يعاني فيه الليبيون من تراجع غير مسبوق للقدرة الشرائية.

ولا تتطابق الأرقام الإيجابية للاقتصاد الليبي التي استعرضها الدبيبة مع الوضع المعيشي لليبيين؛ حيث تزايدت معدلات الفقر بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.

جاء حديث الدبيبة كمحاولة للتأكيد على عدم وجود دافع إلى إقرار ضريبة على بيع الدولار كان قد أقرها رئيس البرلمان عقيلة صالح بطلب من محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير، من المرجح أن تضاعف معاناة الليبيين وبالتالي تخلق غضبا شعبيا يبدد الجهود التي بذلها الدبيبة لاستمالة الشارع.

وتعكس مراكمة الأموال في الاحتياطي النقدي للدولة والشروع في شراء الذهب أن هناك أموالا إضافية قد توفرت من عائدات النفط بسبب زيادة أسعار النفط متأثرة بالحرب الأوكرانية والتوترات التي تشهدها المنطقة، بالإضافة إلى الاستقرار النسبي في معدلات الإنتاج الذي تشهده ليبيا خلال السنوات الأخيرة.

الدبيبة يحول عائدات النفط إلى نقد أجنبي وذهب بدل استثمارها في مشاريع تنموية تحرك الاقتصاد وتخلق الثروة

وانتقد مراقبون طريقة تعامل الحكومة مع الإيرادات الإضافية بتحويلها إلى نقد أجنبي وذهب بدل استثمارها في مشاريع تنموية تحرك الاقتصاد وتخلق ثروة إضافية تحرر الدولة من التعويل على النفط.

ويواجه الدبيبة منذ وصوله إلى السلطة تهمة المبالغة في الإنفاق على خطة “عودة الحياة” لإنقاذ برنامج التنمية، والتي أطلقها سنة 2021.

واقتصرت مشاريع الخطة على صيانة وتطوير بعض المنشآت مثل المستشفيات والملاعب وإنشاء بعض الطرق والحدائق العامة وتطوير شبكة الكهرباء.

ويسيطر التذمر على أغلب الليبيين الذين يعانون لتوفير حاجياتهم اليومية بسبب تذبذب سعر الدولار، وهو الوضع المرشح للمزيد من التدهور بعد إقرار ضريبة على شراء الدولار تشير أنباء إلى أن الهدف منها تحقيق عائدات ستخصص للتنمية تتقاسمها حكومتا الشرق والغرب.

ويرى المراقبون أن أولوية الحكومة هي حماية الوضع المعيشي للمواطنين، وهو ما فشلت حكومة الدبيبة في تحقيقه بعد أن دخلت في صدام مع محافظ المصرف المركزي، الذي أصر على تنفيذ قرار عقيلة صالح رغم الجدل الذي أثير حوله.

ووجه المصرف المركزي الثلاثاء تعميما على المصارف التجارية يقضي بتنفيذ القرار رغم رفض الدبيبة وبعض النواب الذين طعنوا في قرار عقيلة صالح.

ويزيد تعجيل مصرف ليبيا المركزي بوضع قرار رئيس مجلس النواب، بخصوص الرسم على سعر الصرف، موضع التنفيذ الوضع تعقيدا، لاسيما وأن أغلب أعضاء مجلس النواب غير موافقين على القرار، فيما أعلنت حكومة الوحدة الوطنية رفضها التام للقرار.

pp

ورفض الدبيبة القانون محذرًا من آثار سلبية يتحمل تبعاتها المواطن الليبي. وقال في كلمة متلفزة خاطب من خلالها الشعب الليبي إن احتياطي ليبيا من النقد الأجنبي بلغ 84 مليار دولار وهو ما يكفيها لسنوات، وإن حكومته سددت كامل الدين العام وصفرته بعد أن ناهز 154 مليار دينار، كما نجحت في تخفيض التضخم بنسبة 5 في المئة عام 2022 وبنسبة 18 في المئة خلال العام الماضي.

وأضاف الدبيبة أن صافي الأصول الأجنبية ارتفع في عام 2023 إلى 404 مليارات دينار بنسبة 16 في المئة عن نهاية 2021، لافتاً إلى أنه لأول مرة منذ 50 سنة تقتني الدولة الليبية 30 طناً من الذهب في يونيو 2023، ما قيمته 2 مليار دولار. وأشار إلى أن حكومته لم تسجل أي عجز وحققت فائضا بـ27 مليار دينار، كما أنها وفرت أكثر من 75 مليار دولار، وهو ما يعادل ما وفرته الحكومات المتعاقبة خلال 6 سنوات.

وأوضح أن فرض رسم على سعر الصرف يؤدي إلى خفض أموال الليبيين بنسبة 26 في المئة، مبرزا أن الدين العام الذي يقصده عقيلة صالح هو الإنفاق الموازي الذي تحدث عنه المصرف المركزي، والإنفاق الموازي لا يمكن أن يظهر، لأنه مجهول المصدر بحسب المصرف المركزي.

وأردف الدبيبة قائلا إن هناك “بنوكا كاملة يملكها أشخاص هم أنفسهم يحصلون على اعتمادات ويأخذون الدولار. ويزورون في مستندات. واللي فاتح (والذي قام بفتح) اعتماد بخمسين مليونا لا يدفع قرشا لأن البنك ملكه أو يملك أغلبية الأسهم، هو مالك البنك ويحصل على قروض من البنك”.

لكن محللين يحمّلونه جزءا من المسؤولية عما يحدث وينظرون إليه كمسؤول عن زيادة نسبة السيولة في السوق بسبب زيادة الإنفاق الحكومي، وهو ما يسعى المصرف المركزي للسيطرة عليه.

pp

وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة مختار الجديد إن المشكلة التي تجاهلها الدبيبة في حديثه، رغم أن بياناتها موجودة في تقارير المصرف المركزي، هي زيادة كمية النقود في السوق بشكل كبير لأنها نقطة تحسب عليه ولأن زيادة عرض النقود سببها الإنفاق الحكومي.

وأضاف في تدوينة على صفحته في فيسبوك “هذه المشكلة يريد الكبير معالجتها من خلال فرض رسوم على سعر الصرف لكن إذا تم استخدامها في ما يقال إنه لأغراض التنمية فهذا يعني إعادة ضخ الأموال في السوق من جديد”.

ويعتقد متابعون للشأن الليبي أن التحالف السابق بين الدبيبة والكبير قد انتهى دون رجعة، وأن العلاقة بينهما دخلت مرحلة القطيعة، مشيرين إلى أن فتح جسور التواصل والتوافق بين محافظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس مجلس النواب يكشف عن وجود أطراف إقليمية ودولية تسند هذا التوافق بين الرجلين على حساب الدبيبة وحكومته.

1