أين اختفت الأحزاب التونسية

تونس - بعد فوز الرئيس التونسي قيس سعيد بولاية رئاسية جديدة مدتها 5 سنوات في انتخابات 6 أكتوبر الماضي، يبدو أن الأحزاب السياسية انكفأت على نفسها فتراجعت أنشطتها بشكل لافت.
ولم تنظم جبهة الخلاص الوطني، أهم مكونات المعارضة، منذ الانتخابات سوى وقفة تضامنية واحدة مع “السياسيين” المعتقلين بمناسبة اليوم العالمي للدفاع عن حقوق الإنسان.
أما الأحزاب الأخرى فلم يصدر عنها سوى بيانات متعلقة بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة بدعم أميركي أو مواقف حول إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا.
وحقق سعيد فوزا ساحقا خلال انتخابات أكتوبر حاصدا 90.69 في المئة من أصوات المقترعين، مقابل حصول المرشح المستقل العياشي زمال على 7.35 في المئة، ومرشح حركة الشعب زهير المغزاوي على 1.97 في المئة.
واعتبر المدير العام السابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية طارق الكحلاوي أن “هناك حالة من الدهشة السياسية العامة بعد الانتخابات الرئاسية من كل الأطراف.”
وأضاف أن “بعض الأحزاب ترى في الحدث السوري رافعة لنشاطها، لكنه ليس محددا للداخل التونسي.”
وفي 8 ديسمبر الجاري سيطرت فصائل المعارضة السورية على العاصمة دمشق، وأنهت 61 عاما من حكام نظام حزب البعث الدموي و53 سنة من حكم عائلة الأسد.
وتابع الكحلاوي “بيانات بعض الأحزاب بعد سيطرة جبهة تحرير الشام على دمشق، والتي تحاول استيراد حرارة الحدث السوري إلى تونس لتدفئة البرود السياسي، غير واقعية.”
وبخصوص تأثيرات الانتخابات الأخيرة على الوضع الحزبي في تونس، اعتبر أن “هناك حالة صدمة، فالأطراف السياسية كان لديها توجهان تجاه الانتخابات، التجاهل ثم المقاطعة، وهي مواقف تتقاطع مع عدم أخذ الانتخابات الرئاسية بجدية،” لافتا إلى أنه “حتى مَن شارك، شارك بتأخر ومَن قاطع لم يكن يعرف ماذا يفعل، والاثنان تفاجآ بعدد المصوتين في الانتخابات لصالح سعيد الذي بلغ 2.4 مليون صوت، وهناك تعليقات من سياسيين تسخر من الشعب على هذا الاختيار، لكن الأمر كان يعكس مأزقا للسياسيين، وليس فهما ومحاولة للتدارك.”
وأضاف بأن “الأحزاب تركت أمر الانتخابات الرئاسية إلى آخر لحظة ولم يتم التفاعل مع الموضوع إلا في مايو ويونيو، وكان الأمر متأخرا جدا.”
وحول ما إذا كان “صمت” المعارضة الراهنة يعكس دخولها فترة تأمل، رأى الكحلاوي أنها “ليست فترة تأمل وإعادة ترتيب البيت، بل هي إحباط ومشكلة نفسية سياسية.”
الأحزاب تركت أمر الانتخابات الرئاسية إلى آخر لحظة ولم يتم التفاعل مع الموضوع إلا في مايو ويونيو، وكان الأمر متأخرا جدا
وأضاف “هناك أكثر من ملف يمكن أن تطرحه المعارضة مثل الميزانية (العامة للدولة) وأزمة فقدان (شح) بعض المواد الأساسية، وغياب (رقابة) المحكمة الدستورية في قانون المالية الجديد.”
وتابع “حتى من داخل منظومة 25 يوليو (المساندة للرئيس سعيد) هناك ارتفاع وتيرة معارضة.”
وفي 25 يوليو 2021 بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية، شملت حل مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على دستور الثورة (عام 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق،” بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد “تصحيحا لمسار ثورة 2011،” التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
وحول انتقال الصمت تجاه أوضاع تونس من الأحزاب إلى المنظمات الفاعلة، قال الكحلاوي إن “أوضاع الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر نقابة) اليوم تعتبر من أحدث مظاهر إحباط النخبة السياسية والنقابية.”
وأردف “المنظمات الكبرى غائبة تماما، واتحاد الفلاحين يعاني عدم استقرار في القيادة، واتحاد الشغل لديه أزمة سياسية خطيرة منذ مجلسه الوطني (سبتمبر الماضي)، والآن خرجت للعلن (أزمة اتحاد الشغل) بعد أن دعا الاتحاد الجهوي بصفاقس (أكبر الاتحادات الجهوية بالمنظمة) و5 أعضاء من المكتب التنفيذي إلى مؤتمر استثنائي لتجديد القيادة.”
أوضاع الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم تعتبر من أحدث مظاهر إحباط النخبة السياسية والنقابية
أما عضو المكتب السياسي المكلف بالإعلام في حركة الشعب أسامة عويدات فاعتبر أن القول بنهاية الأحزاب وأنها أصيبت بدهشة “غير دقيق، فالأحزاب السياسية ما زالت ناشطة.”
وأضاف “في حركة الشعب ما زلنا ننشط، والدليل في مجلس النواب كانت لنا مقترحات لها صدى في وسائل الإعلام والساحة الشعبية، مثل مقترح استيراد السيارات من الخارج، والعمل الحزبي متواصل.. صحيح بعد فترة الانتخابات لا بد لنا من تقييم وأن نقوم بمراجعات إن لزم الأمر، ولذلك العمل في الحزب كان مقسما، النواب (11 نائبا للحركة من أصل 153 بمجلس نواب الشعب) لهم مَن يساعدهم في النظر في القوانين المطروحة على المجلس، لتكون لهم مقترحات قوانين وتكون لنا إستراتيجية في العمل.”
وزاد “وبالنسبة إلى العمل الحزبي والهيكلة صارت مرحلة تقييمية بعد الانتخابات الرئاسية، وبناء عليها تم رسم تصور سنتصرف وفقه على المدى القريب وعلى المدى الإستراتيجي،” مشددا على أن “العمل الحزبي لم يمت، لأننا ما زلنا متمسكين بأنه هناك مكتسبات تحققت لا يمكن التخلي عنها في علاقة بالتعددية وحرية العمل السياسي والكثير من المكاسب التي أتت بعد الثورة (14 يناير 2011)، لذلك سنبقى متمسكين بأنه لا يمكن أن تكون هناك حياة سياسية دون أحزاب.”
وحول مواجهة الأوضاع الناجمة عن الانتخابات الرئاسية، قال عويدات “هذا متروك للندوة السنوية للحركة، والتي ستنعقد في فبراير المقبل، وهي التي سترسم الخط السياسي الجديد للحركة.”
وأكد أنه “لا يمكن أن نرى حياة سياسية دون أحزاب، لكن في نفس الوقت لا بد من التفكير في آليات جديدة حتى تنتصر (الأحزاب) لأهداف كبرى بحث عنها الشعب التونسي في علاقة بالعدالة الاجتماعية ودور الدولة، وبما يخفف صعوبة العيش على المواطن التونسي،” مضيفا أن “أي عمل سياسي إذا لم يضع على رأس جدول أعماله اهتمامات الناس، ستكون العملية السياسية الناتجة عنه عملية فاسدة.”
وتابع بالقول إنه “إذا أردنا الانطلاق في العمل الحزبي من جديد، يجب أن تكون أهداف الناس وانتظاراتهم على رأس جدول الأعمال، وذلك اتعاظا من أخطاء الماضي.”