أيديولوجيا داعش لا تزال بعيدة عن الهزيمة

نهاية التنظيم الإرهابي عسكريا تدفعه إلى الاقتتال على خلافة أبو بكر البغدادي.
الثلاثاء 2019/04/02
رايات لم تغادر العقول

دمشق - مع تلقي تنظيم داعش المزيد من الضربات القاسية وخسارته جميع مناطق سيطرته في العراق وسوريا، فإن أيديولوجية التنظيم لا تزال بعيدة عن الهزيمة، كما أن خلاياه لا تزال تنشط في مناطق عدة من سوريا والعراق مع احتمالات التخطيط لهجمات عنيفة في بعض الدول الأوروبية.

وقد لا تعني الهزيمة العسكرية الكثير لمستقبل تنظيم داعش ووجوده في المدى القريب بالقدر الذي يتهدد هذا الوجود خلافات حادة في أعلى الهيكل التنظيمي على أسس عقائدية ومنهجية، وهي الخلافات الأكثر خطرا، والتي لا يمكن التغافل عن تداعياتها على جسم التنظيم في قاعدته السفلى التي تمثل عماد ديمومته.

وفي معارك الجيب الأخير في منطقة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، تداولت مواقع مقربة من تنظيم داعش دعوات لقيادي شغل مناصب مهمة في التنظيم يدعى أبومحمد الحسيني الهاشمي ضمَّنها كتابا تحت عنوان “كفوا الأيادي عن بيعة البغدادي”، وهي الدعوة الأخطر غير المسبوقة في التنظيم الذي عرف عنه تماسك صفوفه وقلة حالات التمرد أو الانشقاق خلافا للتنظيمات الأخرى، ما يكشف واقع الصراع المحموم داخل التنظيم وفي الصف الأول من قيادته.

وباشر التنظيم الذي خسر آخر منطقة يسيطر عليها في العراق وسوريا بإعلان الرئيس الأميركي في 23 مارس 2019 النصر الكامل على التنظيم، في بث خطاب دعائي عبر النوافذ المتاحة له في وسائل التواصل الاجتماعي يعلن عبرها الالتزام بـ”الحرب الطويلة” وحرب “الاستنزاف” متوعدا بالنصر على “الأعداء” وهزيمتهم في نهاية المطاف.

وسيحاول التنظيم عبر وسائل الإعلام تبني الخطاب الطائفي لحشد دعم المجتمعات السنية في مواجهة الشيعة والغرب لاستعادة مكانته التي خسرها في أوساط تلك المجتمعات خاصة البعيدة جغرافيا عن العراق وسوريا.

سيبقى داعش كفكر طالما نجح في توظيف الصراع الطائفي وسيتضاءل الإقبال على فكره في حال أزيلت أسباب وجوده

ومع استمرار السياسات التي ينتهجها نظام بشار الأسد وحكومة بغداد إلى حد ما، فإن خطاب التنظيم الدعائي المعبر عما يعتقده العرب السنة بتعرضهم للظلم والتهميش والإقصاء، بل والقتل كما في سوريا، قد يجد قبولا في أوساط الفئات أو الأفراد المتضررين من تلك السياسات على المدى البعيد.

وتثير نشاطات التنظيم وكثافتها، رغم الحملات العسكرية لتطهير المحافظات السنية من مسلحيه، مخاوف مسؤولين عراقيين وأميركيين يعتقدون بأن التنظيم لم يفقد حتى الآن وجوده في العراق، وأنه يحقق بعض النجاحات في المجتمعات المحلية نتيجة السياسات المتبعة من حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، التي لا تزال قريبة من السياسات التي انتهجتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، والتي يُعزى إليها عودة التنظيم من معسكراته الصحراوية وسيطرته على معظم أجزاء المحافظات السنية.

وإذا لم تتخذ حكومة عبدالمهدي أي إجراءات لإعادة بناء الثقة بين الحكومة التي تخضع، وفق اتهامات البعض، في قرارها الأمني لإرادة وسياسات قيادات فصائل الحشد الشعبي التي يعتقد العرب السنة أن استمرار تسليم الملف الأمني في محافظاتهم لفصائل الحشد الشعبي مع إفلاتها من العقاب جراء الانتهاكات الواسعة التي تمارسها يعني بالتالي بداية استعادة تنظيم داعش “بعض” ما خسره من الحاضنة الاجتماعية نتيجة سوء إدارته لتلك المجتمعات طيلة سنوات سيطرته عليها. ولا تزال الحكومة الاتحادية ملتزمة بإنفاذ قانون مكافحة الإرهاب الذي ينظر إليه العرب السنة بأنه قانون “تمييزي” يستهدفهم دون غيرهم من المكونات الأخرى.

Thumbnail

وسيبقى تنظيم داعش كفكر طالما نجح في توظيفه بالصراع الوجودي الذي تشهده عموم المنطقة، وهو صراع ذو خلفيات طائفية في مجمله، وسيتضاءل الإقبال على فكر التنظيم ومنهجه في حال عملت الولايات المتحدة ودول المنطقة على إزالة أسباب وجوده سواء السياسية أو الاجتماعية القائمة على الشعور المتنامي بالظلم لدى المجتمعات المحلية في غياب تحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية للعرب السنة في سوريا والعراق تحديدا.

ويبدو أن تنظيم داعش بدأ العودة لأسلوب حرب العصابات بشكل مكثف في العراق وسوريا للحفاظ على زخم نشاطاته والإعلان الواسع عنها للحفاظ على معنويات مقاتليه التي تضررت كثيرا بعد خسارة الجيب الأخير للتنظيم في منطقة الباغوز شرق سوريا، وحالات الاستسلام لمقاتليه واعتقال عدد كبير من قيادييه.

وسيظل التنظيم بحاجة إلى تجديد صفوفه وتجنيد المزيد من المقاتلين من دول العالم بعد أن باشر خطابا إعلاميا بعدة لغات لدول تعيش فيها أقليات مسلمة حالات اضطهاد أو تمييز على أساس ديني، مثل الفلبين وبعض الدول الأفريقية والأوروبية.

ولذلك، سيظل تهديد داعش قائما وبشكل واسع للأمن والاستقرار في سوريا والعراق، مع احتمالات راجحة بأن يكثّف نشاطاته في الفروع البعيدة عن البلدين، الفلبين وأفغانستان وأفريقيا، وكذلك في الدول الأوروبية.

ولا يعد انتصارا دائما ما لم يقم الفاعلون المحليون والدوليون بإزالة المسببات التي أدت إلى ظهور هذا التنظيم عبر بناء نظم سياسية بعيدة عن الإقصاء والتهميش والتمييز في السلطة والموارد على أسس الانتماء العرقي أو الطائفي.

5