"أوليفر بلاك" رحلة في الصحراء يتحول معها الحلم إلى كابوس

خريبكة (المغرب) – ليست كل الأحلام قابلة للتحقق، ولا كل مغامرة نحو الخلاص تنتهي نهاية سعيدة. هذا بالضبط ما حصل في قصة الفتى الأفريقي بطل الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج المغربي توفيق بابا “أوليفر بلاك”.
الفيلم الذي تم عرضه مساء الأحد ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة ضمن فعاليات الدورة الـ22 للمهرجان الدولي للسينما الأفريقية بخريبكة، يرصد على مدى 93 دقيقة رحلة فتى من أفريقيا جنوب الصحراء يدعى “فوندرودي” يسعى للوصول إلى المغرب وحلم أثير يراوده يتلخص في إنشاء مشروع فني بسيط في فكرته لكن هدفه نبيل.

الفيلم يعرف العالم بمعاناة الأفارقة من التطرف والانفصال والاتجار بالبشر من خلال قصة فتى يفقده الواقع أحلامه
يقوم حلم الفتى الأفريقي على خلق سيرك في المغرب يكون محضنا للمواهب الأفريقية المهاجرة من مختلف دول القارة، ويشكل ملتقى للإبداع والتلاقي بشكل يتجاوز كل الفروقات الإثنية والخلافات السياسية، ويشيع قيم التسامح والحوار.
في طريقه إلى تحقيق هذا الحلم، يجد فوندرودي نفسه في عرض الصحراء التي عليه أن يعبرها بلا موارد تقريبا، فيلتقي في رحلته بـ”الرجل الأبيض”، وهو شيخ كبير كان بدوره تائها في الصحراء بعدما تم طرده من الجوار، ليتابع مسيرته سعيا للوصول إلى قريته والأمل يحدوه في أن يحضر حفل زفاف ابنته الصغيرة.
يخوض الفتى الأفريقي “الأسود” و”الرجل الأبيض” رحلتهما الشاقة في الصحراء حيث لا زاد ولا ماء، وحيث الألغام مزروعة في كل مكان، فتنشأ بينهما نقاشات عن أسئلة الوجود والعنصرية والهجرة والأمل والسعي نحو مستقبل أفضل، وكذا عن الإحباط الذي قد يواجه المرء في حياته فلا يستطيع تحقيق أحلامه.
هذا الإحباط هو بالضبط ما سيقع للفتى الأفريقي الذي وجد نفسه ضحية “اتجار بالبشر” على يد “الرجل الأبيض” ليجد نفسه في الجزء الآخر من الصحراء منخرطا ضمن تنظيم إرهابي متشدد لم يكن يوما يعتقد أن ينتهي به المطاف فيه ومعه.
في تصريحه بمناسبة عرض الفيلم، يقول المخرج توفيق بابا إن “حلم الفتى الأفريقي تحول إلى كابوس”، ذلك أن الفتى الذي كان يطمح لخدمة الناس عن طريق الفن تحول إلى عضو في تنظيم لا يتقن سوى قتل البشر.
وإذا كان فيلم “أوليفر بلاك” يعرض لقصة فتى (فوندرودي) وللإحباط الذي واجه حلمه، فإن رسالته تستحضر قصة فتيان وشباب كثيرين يتم استقطابهم وتجنيدهم لخدمة مشاريع انفصالية وإرهابية تعصف بمستقبلهم وترهن زهرة أعمارهم للضياع. فهل يصطدم الحلم الأفريقي فعلا بصخرة التطرف والانفصال؟
في واقع الأمر، فإن إنتاج فيلم “أوليفر بلاك” كان بدوره حلما يراود الشاب توفيق بابا الذي أكد في تصريح سابق له أنه طالما طمح إلى تنزيل الوصف الذي يطلق على مدينته ورزازات باعتبارها “هوليوود أفريقيا” إلى أرض الواقع.
“لا بد لهوليوود أفريقيا أن تنتج فيلما بأفكار وسواعد أبنائها”، يقول بابا وهو يحكي كيف أن فيلمه الروائي الطويل الأول “أوليفر بلاك” كان من تمويل ذاتي خالص حيث تجمعت الإرادات الحسنة وأضافت إلى ما جمعه من مال ما مكنه من إنتاجه. أكثر من ذلك، يؤكد بابا أن أغلب المشاركين في إعداد الفيلم اشتغلوا معه من دون مقابل والأمل يحدوهم في تقديم “أول فيلم روائي للمدينة”، وذلك بما يخدم المدينة والقارة الأفريقية في آن.

ويبدو أن هذا الجهد الجماعي التطوعي آتى أكله، ذلك أن الفيلم يذرع منذ إنتاجه (سنة 2020) دول العالم مشاركا في مهرجانات وطنية ودولية تعرف العالم بمعاناة الأفارقة مع التطرف والانفصال والاتجار بالبشر، وتفضح بشكل ملموس من يقف فعلا وراء كبح أحلامهم.
وعن مشاركته في الدورة الـ22 للمهرجان الدولي للسينما الأفريقية، أعرب بابا في تصريحه عن سعادته وسعادة فريق العمل بهذا الحضور في “مهرجان هو الأقدم في القارة، وكذا بردود الأفعال الإيجابية التي لمسها عقب عرض الفيلم”.
من جانبه، قال السنغالي مودو مبو الذي أدى دور فوندرودي في تصريح مماثل أنه سعيد وراض عن هذه المشاركة في المهرجان، مشيرا إلى أن فيلم “أوليفر بلاك” هو أول عمل يطل من خلاله على الجمهور. وإلى جانب مبو، شارك في الفيلم كل من حسن ريشوي، وإلهام أوجري ومحمد الكاشير.
وإضافة إلى فيلم “أوليفر بلاك”، يتنافس في المسابقة الخاصة بالفيلم الروائي الطويل للمهرجان 12 فيلما أفريقيا لنيل ست جوائز، تحمل أسماء قدمت الكثير للسينما الأفريقية، وهي الجائزة الكبرى “أوسمان سامبين”، وجائزة لجنة التحكيم “نورالدين الصايل”، وجائزة الإخراج “إدريسا وودراوغو”، وجائزة السيناريو “سمير فريد”، وجائزة أحسن دور نسائي “أمينة رشيد”، وجائزة أحسن دور رجالي “محمد بسطاوي”.