أولوية واشنطن في لبنان تفكيك حزب الله

الولايات المتحدة قد تكون تخوفت في البداية من توسيع دائرة الحرب، لكن نتائج الضربات الإسرائيلية على حزب الله وسهولة تفكيك قيادته ومقتل أغلب عناصرها شجعت واشنطن على تغيير موقفها بإعطاء الأولوية لإضعاف الحزب وليس لوقف إطلاق النار، على أن تعدل موقفها في حال حصلت تطورات نوعية.
واشنطن - بعد دبلوماسية مكثفة على مدى أسابيع بهدف وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومقاتلي جماعة حزب الله اللبنانية استقرت الولايات المتحدة على نهج مختلف تماما هو ترك الصراع الدائر في لبنان يأخذ مساره، ما يؤكد أن واشنطن تريد أن تترك الفرصة لإسرائيل لتفكيك الحزب طالما أن الوضع الإقليمي يسمح بذلك.
وقبل أسبوعين فقط طالبت الولايات المتحدة وفرنسا بوقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوما لدرء غزو إسرائيلي للبنان لكن هذه الجهود تعثرت بسبب اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وبدء العمليات البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان في الأول من أكتوبر والغارات الجوية الإسرائيلية التي قضت على معظم قيادات الجماعة.
والآن تراجع المسؤولون الأميركيون عن دعواتهم لوقف إطلاق النار بدعوى تغير الظروف. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر في مؤتمر صحفي قبل أيام “ندعم إسرائيل في شن هذه الهجمات بهدف تدمير البنية التحتية لحزب الله حتى نتمكن في نهاية المطاف من التوصل إلى حل دبلوماسي”. ويعكس هذا التغيير في المسار التضارب في الأهداف الأميركية المتمثلة في احتواء الصراع المتنامي في الشرق الأوسط وفي الوقت ذاته إضعاف حزب الله المدعوم من إيران بشكل كبير.
وهذا النهج الجديد عملي لكنه في الوقت ذاته محفوف بالمخاطر. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستستفيدان من إلحاق الهزيمة بعدو مشترك هو حزب الله الذي تستخدمه طهران لتهديد الحدود الشمالية لإسرائيل غير أن تشجيع الحملة العسكرية الإسرائيلية المتوسعة ينذر باندلاع صراع يخرج عن السيطرة.
وقال جون ألترمان المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تريد أن تؤدي الحملة الإسرائيلية إلى إضعاف قدرات حزب الله بيد أن عليها أن توازن بين ذلك وبين احتمال “خلق فراغ” في لبنان أو إشعال فتيل حرب إقليمية. وأضاف أن نهج واشنطن يبدو كما يلي “إذا لم تتمكن من تغيير النهج الإسرائيلي، فمن الأفضل أن تحاول توجيهه بطريقة بناءة”.
واندلع أحدث قتال بين إسرائيل وحزب الله حينما أطلقت الجماعة اللبنانية صواريخ على مواقع إسرائيلية عقب هجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على إسرائيل وأشعل فتيل حرب غزة.
وفي ظل عدم إحراز تقدم في محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين إسرائيل وحماس على مدى أشهر، بدأت إسرائيل في سبتمبر الماضي تكثيف قصفها لحزب الله ووجهت ضربات مؤلمة للجماعة، بما شمل تفجير أجهزة اتصال لاسلكي (ووكي توكي وبيجر) تستخدمها الجماعة، مما أدى إلى إصابة الآلاف من أعضاء حزب الله.
وبعد مقتل نصرالله الذي وصفته الولايات المتحدة بأنه “إجراء عادل”، جدد الرئيس الأميركي جو بايدن دعوته إلى وقف إطلاق النار على امتداد حدود إسرائيل مع لبنان. لكن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفذت اجتياحها البري وتخلت الولايات المتحدة في غضون أيام معدودات عن دعواتها لوقف إطلاق النار وعبّرت عن دعمها لحملة حليفتها إسرائيل.
وقال آرون ديفيد ميلر المفاوض الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط إن واشنطن ليس لديها أمل يذكر في تقييد إسرائيل وإنها ترى فوائد محتملة في العملية. وأردف “أحدثت بكل تأكيد زخما ربما رأت فيه الإدارة هذا الاعتقاد ‘فلنجعل من الضرورة فضيلة‘”، مضيفا أن من المرجح أيضا أن المسؤولين الأميركيين يحتفظون بأفضلية لمحاولة الحد من الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني الذي نفذته طهران في بداية أكتوبر الجاري.
وقالت مصادر أوروبية مطلعة إنه لا توجد اليوم أيّ محادثات ذات مغزى لوقف إطلاق النار، وأضافوا أن الإسرائيليين سيمضون قدما في عمليتهم في لبنان “لأسابيع إن لم يكن لأشهر”. وذكر مسؤولان أميركيان لرويترز أن ذلك قد يكون الإطار الزمني. وبالنسبة إلى واشنطن، قد تجلب الحملة الإسرائيلية فائدتين على الأقل. الأولى، هي أن إضعاف حزب الله قد يحد من نفوذ طهران في المنطقة ويقلل التهديد على إسرائيل والقوات الأميركية.
◙ الولايات المتحدة وإسرائيل ستستفيدان من إلحاق الهزيمة بعدو مشترك هو حزب الله الذي تستخدمه طهران لتهديد الحدود الشمالية لإسرائيل
والثانية أن واشنطن تعتقد أيضا أن الضغط العسكري قد يجبر حزب الله على وضع السلاح وتمهيد الطريق لانتخاب حكومة جديدة في لبنان من شأنها أن تهمش الجماعة اللبنانية التي تلعب دورا كبيرا في لبنان منذ عقود. وقال جوناثان لورد المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والذي يعمل الآن في (مركز من أجل أمن أميركي جديد) في واشنطن إن ذلك سيكون صعب المنال.
وأضاف لورد “من جهة، يشعر الكثير من اللبنانيين بالانزعاج الشديد من وجود حزب الله في لبنان. لكن في الوقت نفسه.. يجري فرض هذا التغيير على لبنان عن طريق حملة عنيفة للغاية”.
وقال مسؤولون أميركيون الأسبوع الماضي إن الهدف النهائي هو تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 الذي كلف قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) بمساعدة الجيش اللبناني في الحفاظ على منطقة حدوده الجنوبية مع إسرائيل خالية من الأسلحة أو أيّ مسلحين بخلاف التابعين للدولة اللبنانية.
ويقول المسؤولون الأميركيون إن المحادثات مع الأطراف لتحقيق هذه الأهداف يمكن أن تتم في ظل استمرار القتال على الرغم من تحذير محللين من أن الصراع يزيد بشكل كبير من خطر اندلاع حرب أوسع نطاقا، خاصة وأن المنطقة تنتظر رد إسرائيل على الضربة الصاروخية الإيرانية. وبعيدا عن احتمال اندلاع حرب قد تجر الولايات المتحدة، هناك مخاوف من أن يتحول لبنان إلى غزة أخرى.
وأدت العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة منذ عام إلى تحويل غزة إلى أرض قاحلة وأودت بحسب مسؤولي الصحة في القطاع بحياة ما يقرب من 42 ألف شخص. ونبه مسؤولون أميركيون علنا إلى ضرورة ألا يكون الهجوم الإسرائيلي على لبنان شبيها للهجوم على قطاع غزة.
ورغم هذه المخاطر يرى ألترمان الذي يرأس حاليا برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية إن من غير المرجح أن تنجح الدبلوماسية في وقف القتال في أيّ وقت قريب. وأضاف “يرى (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو أن كل رهاناته تؤتي ثمارها، وأعتقد أن من الصعب على إسرائيل أن تشعر في هذه اللحظة بأنه يتعين عليها أن توقف ضغوطها (العسكرية)”.