أوكرانيا تحظر بيع الكتب الروسية والقراء وبائعو الكتب منقسمون بين مؤيد ورافض

هل يحمي حظر الأدب الروسي الثقافة الأوكرانية.
الأربعاء 2022/07/06
ما ذنب الكتب في ما يفعله السياسيون

إن المعركة الثقافية لا تقل أهمية عن المعارك الأخرى؛ ففي عالم مشوب بصراعات لا تهدأ تبقى الثقافة السلاح الأبعد مدى زمانيا ووجدانيا وفكريا، والأكثر قدرة على التأثير. ولهذا نرى الصراعات الثقافية لا تقل جنونا عن الصراعات الدامية الأخرى، بل يصل بها الجنون إلى إيقاظ مثقفين من قبورهم لمحاكمتهم محاكمات منحازة في غالبها. وهذا ما يحصل مع احتدام الصراع الروسي – الأوكراني.

كييف – تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في نشوب حرب محتدمة في مجال الفن والثقافة؛ إذ تتعرض منجزات الثقافة الروسية إلى حصار يومي، بدءا من منع الفنانين الروس من المشاركة في فعاليات دولية وليس انتهاء بمنع تدريس أعمال كلاسيكية روسية لأدباء مؤثرين مثل دوستويفسكي، ووصل الصراع حتى إلى تغيير عناوين لوحات فنية وغير ذلك مما وصفه الكثير من المتابعين والمثقفين بـ”الجنون”.

وتتواصل حملة منع الثقافة الروسية وملاحقتها من خلال المصادقة على منع الكتب الأدبية والفكرية -وغيرها من المؤلفات الروسية- من التداول في أوكرانيا، رغم أن جزءا هاما من الأوكرانيين يتكلمون الروسية.

وفي سوق بيتريفكا للكتب في كييف حيث حظرت قوانين جديدة كل الأعمال المكتوبة باللغة الروسية، تثير هذه القضية انقساما بين بائعي الكتب والمشترين على حد السواء.

حماية الثقافة

قوانين حظر جديدة تطال كل الأعمال المكتوبة باللغة الروسية في أوكرانيا وتثير جدلا بين بائعي الكتب والقراء

يقول بائع الكتب ألكسندر دروبين “هذه القوانين مبالغ فيها، ربما أراد البعض (من الأوكرانيين) إظهار أنهم وطنيون، لكنها ليست طريقة لإظهار أننا وطنيون لأن حوالي نصف سكاننا يتحدثون الروسية، كما أن الثقافة الروسية تهمنا أيضا. هناك الكثير من الأمور الجيدة في التاريخ الروسي”.

أما بائع الكتب الآخر أناتولي غونكو فيعتبر أن هذا القانون “ضروري”. لكنه يضيف أنه “من الصعب نوعا ما القول إنه يجب التحدث بالأوكرانية فقط وليس بالروسية”.

ويتابع “ما الذي يوجب على اللغة الروسية أن تقتصر على روسيا؟ 300 مليون شخص في العالم يتحدثون الروسية”.

وفي التاسع عشر من يونيو المنقضي تبنى البرلمان الأوكراني عدة قوانين تهدف إلى “حماية الثقافة (الأوكرانية) من الدعاية الروسية”، وهي تنتظر فقط توقيع الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

وتحظر القوانين خصوصا استيراد الكتب المنشورة في روسيا وبيلاروسيا، حليفة موسكو في الحرب ضد أوكرانيا، بغض النظر عن مؤلفها، ومن يخالف ذلك يقع تحت طائلة التغريم.

الحظر شمل أيضا الموسيقى الروسية التي تم تأليفها بعد عام 1991 عبر منع تقديمها في وسائل الإعلام

لكن تطبيق هذه القوانين سيكون معقدا؛ فالأعمال المكتوبة باللغة الروسية المنشورة في أوكرانيا أو في بلدان أخرى ستبقى مرخصة نظريا، شرط أن تكون الروسية هي اللغة الأصلية للمؤلف وألا يكون الأخير معاديا لأوكرانيا.

كما تحظر النصوص بث الموسيقى الروسية التي تم تأليفها بعد عام 1991 في محطات التلفزيون والإذاعات وفي الأماكن العامة.

وربما يستغرب كثيرون من هذا الهجوم القوي على مفردات ثقافية أو فنية، بينما كشف الواقع أنه أثناء الأزمات وحدها الثقافة تقف درع مقاومة لا ينحني للصعوبات الاقتصادية والانكسارات السياسية والعسكرية؛ لذلك نلحظ أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذي التكوين الاستخباري البعيد عن الفنون، يركّز على الإرث الثقافي لروسيا ويراهن عليه في التصدي للغرب الأوروبي والأميركي، بل يجعل منه واجهة إعلامية دعائية تظهر في قاعات استقباله لقادة الغرب داخل تلك القصور القيصرية الباذخة بلوحاتها وتماثيلها واستشهاده بتاريخ روسيا الثقافي.

ولئن سعت أوكرانيا إلى عزل ثقافتها وفنونها عن الثقافة الروسية -رغم استحالة ذلك، نظرا إلى الروابط التاريخية واللغوية بين البلدين- استمرت السلطات في الضغط على الحقل الثقافي والمثقفين والفنانين لخلق ولاء القوة الناعمة.

بعد أربعة أشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ستعزز هذه القوانين الترسانة التشريعية التي تم تبنيها في السنوات الأخيرة والتي تهدف إلى “اجتثاث الشيوعية” و”نزع الطابع الروسي” عن هذه الجمهورية السوفييتية السابقة وتعزيز اللغة الأوكرانية.

اختلاف وجهات النظر

معركة ثقافية
معركة ثقافية

لكن بالنسبة إلى دروبين “يجب ألا يكون هناك خلط بين الفاشية الروسية والثقافة الروسية”.

ويقول مستعرضا مكتبته التي تضم في معظمها كتبا روسية “وُضعت هذه القوانين لكن لا أحد يعرف كيف يطبقها. هل يجب أن نأخذ هذه الكتب ونجمعها في الشارع ونحرقها أم نصنع منها ورق مراحيض؟”.

من جانبها تدافع ناديا (بائعة كتب أخرى لا تريد ذكر اسمها الكامل) عن القانون الجديد قائلة “عندما نشبت الحرب بدأ الناس يقرأون كتبا باللغة الأوكرانية. لدينا عدد كافٍ من المؤلفين الممتازين” في أوكرانيا.

ويبدو أن محبّي الكتاب منقسمون أيضا؛ تقول ناتاشا سيكورسكا التي كانت تشتري كتبا في السوق “إن اعتماد هذا القانون اليوم لا معنى له، فهناك مشكلات أكثر خطورة”.

وتضيف “أنا لست مع حظر الأدب الروسي، لأن الأدب الروسي هو تاريخ وليس دعاية روسية، إنه مجرد ثقافة”.

لكن إحدى صديقاتها (محامية فضلت عدم كشف اسمها) لا توافقها الرأي، وتقول “قرأت الكثير من الأدب الروسي وأحببته ومازلت أحبه، لكنني أقول لك بصراحة: منذ الرابع والعشرين من فبراير (يوم الغزو الروسي لأوكرانيا) لم يعد موجودا في نظري”.

وعلى غرار ناتاشا سيكورسكا يعتقد دروبين أن الحكومة الأوكرانية لديها أمور تستوجب القيام بها أفضل من إصدار تشريعات بشأن هذه الأمور التفصيلية، ويجب أن تركز على “الدفاع عن بلدنا”. وختم “الجميع يرتكبون أخطاء، حتى حكومتنا”.

12